تتعدد الوعود بمفرداتها وألفاظها، ولكن الهدف والمراد يكاد يكون واحدًا، فمهما يكن الوعد أو العهد الذي قطعته على نفسك، سواء كنت مسؤولا أو في أي شأن من شئون الحياة، أكان وعد مسؤول لوطنه ولشعبه أم وعد زوج لزوجته أم حبيب لحبيبته أم صديق لصديقه فالوعود تظل عديدة ومختلفة، ولكنها في النهاية تمثل مقياس ومعدن الشخص، ربما تخون أو تصون، ولكن كما قيل: "من خان الوعد والعهد لا خير فيه".
وعود وعهود نسمعها هنا وهناك، علق المواطن البسيط عليها آمالا كبيرة وسرعان ما تبخرت مثل السراب، فهناك رجل حارب ودافع حتى انتصر ولكن الحرب لم تكن سوى حرب إعلامية وثرثرات إعلانية جمّلت وحسنت صورة ذاك المسؤول أو القائد حتى أصبح يشاد به بأنه رجل وطن، وهو الشخص الأنسب لحماية الوطن والدفاع عن حقوق شعبه، وهنا تحقق المراد وألقى يمين العهد والميثاق عرض الحائط، ومضى شامخاً رافعاً رأسه عالياً والشعب العظيم يصفق له متفائلاً بما سيصنعه له، هل سيصنع حياة أفضل؟
هناك في أحد المنازل رجل ينتظر أن تنخفض الأسعار وتستقر الحياة المعيشية حتى يذهب مسرعاً ليسد رمق جوع أطفاله ، وهناك أيتام ينتظرون راتب أبيهم الذي استشهد وهو يدافع عن وطنه ، وهناك امرأة عجوز ليس لديها من يعيلها تنتظر معاشها كي تأخذ أدويتها من إحدى الصيدليات، وهناك منازل لم ترَ نور الكهرباء منذُ أيام بل أشهر، وفي إحدى المناطق أناس أهلك نساءها وأطفالها جلب الماء من مسافات طويلة، ويأملون بأن تعود قطرات الماء لحنفيات منازلهم، وهناك مريض لا علاج له سوى بأحد البلدان الأخرى، ولكن ليس لديه جواز سفر فالأحوال المدنية في بلده تعاني العديد من المشاكل أشهرها الارتزاق، فالحصول على جواز بات من الأشياء صعبة المنال بعد أصبح الموظفون في الهجرة والجوازات والأحوال المدنية يختلقون الأعذار لكي يتسنى لهم ممارسة النهب والابتزاز للمواطن البسيط، وما زال الأمل ينتظر ذلك الشعب، حيث كان الأمل قد بلغ عنان السماء ولكنه تلاشى حتى وصل إلى قاع الأرض، وحينها تذكرت بيتًا شعريًا يقول: (تواضع تكن كالنجم لاح لناظرٍ، على صفحات الماء وهو رفيع ..ولا تكن كالدخان يعلو بنفسه، إلى طبقات الجو وهو وضيع) فالدخان في هذا البيت الشعري يذكرني بذلك المسؤول الذي ترافع وتظاهر بالتواضع وبالفعل وبالعمل وبالكذب والاحتيال وبالوعد الزائف حتى أوصل نفسه إلى أعالي طبقات الجو في أعين الجميع بثرثراته الزائفة حتى بدأ ذلك الدخان يتلاشى شيئاً فشيئاً ولم يبقَ سوى أثره الزائل، فالوضيع سيظل وضيعًا مهما تظاهر بالترافع، فهذا هو حال بعض ذوي المناصب في وطننا.