إلى متى؟

إلى متى؟

صرخات تتعالى… زغاريد تمتزج بالفرح… تهاني وتبريكات تتناثر… كل ذلك احتفالاً بعودة الكهرباء، لكنها عودة لا تدوم، وسعادة لا تكتمل. ساعتان… وربما أقل، ثم يعود الليل سيدًا على البيوت، يعود الظلام ليبتلع أحلام البسطاء، وتعود المعاناة لتذكرنا بأن الفرح في هذا الوطن بات مجرد استراحة بين موجتين من الألم. لم نكن نتخيل أن نصل إلى هذا الحال، أن نصبح سجناء العتمة، رهائن الجوع، أسرى الانتظار… انتظرنا أن يُصلح الزمن ما أفسدته الأيادي العابثة، صمتنا طويلًا، تجرعنا الصبر حتى تآكلت أرواحنا، لكننا كل يوم نسقط أكثر… وكل يوم ننحدر نحو هاوية بلا قاع. هي حرب بلا سلاح، لكنها أكثر فتكاً من الرصاص… حرب خدمات مدروسة، حرمان متعمد، تجويع مُمنهج، وانطفاءات تُفرض علينا حتى نرضى بالقليل، حتى نقبل بما لم نكن لنقبله يوما… يوم بلا كهرباء، يومان، ثم يرمون إلينا بساعاتٍ معدودة فنفرح… يدربوننا على الرضوخ، يعلموننا كيف نعيش على الفتات، كيف نُسبح بحمدهم إن أناروا لنا العتمة قليلًا… إلى متى؟ الريال يتهاوى ولا منقذ، التعليم يحتضر بلا إسعاف، الرواتب تأتي كضيف لا موعد له، الشوارع مُلطخة بالمياه الآسنة، والناس غارقون في طوابير الانتظار… المتسولون يملأون الطرقات، العيون جائعة، البطون فارغة، والنفوس مثقلة بالألم… حتى القمامة، تلك التي كانت يوماً مرتعاً للقطط الجائعة، أصبحت اليوم مقصداً لأطفالٍ يبحثون فيها عن بقايا الحياة… إلى متى؟ نلوم من؟ نعذر من؟ لا أحد بريء… لا أحد يده نظيفة… كل الحكومات ملطخة بعذاب هذا الشعب… وكل الطرق تؤدي إلى مزيدٍ من الضياع… إلى متى؟ وإلى أين نمضي في وطنٍ كلما بحثنا فيه عن الحياة، وجدنا الموت يتربص بنا في كل زاوية؟