كتب //
منصور صالح
محلل سياسي
حرصت وتحرص قوى اليمن الشمالي ، في تعاملها السياسي والإعلامي والاستخباراتي مع قضية الجنوب ، على ترسيخ فكرة ان ماجرى ويجري في الجنوب ، ليس سوى صراعاً مناطقيا بين محافظات بعينها ، مع أنه كان منذ البدء حتى اليوم صراع مشاريع سياسية تتنازع فيما بين من مع الراسمالية ومن مع الاشتراكية ، وبين من مع ماو الصيني ومن مع برجنيف الروسي ، وأخيراً من مع الوحدة ومن ضدها ، مع الاعتراف بوجود تجاوزات هنا أوهناك ربما لعب مفكرو الشمال في الجنوب دوراً سلبيا فيها وفي تأجيجها.
والغريب ان هذه القوى لم تجرؤ على وصف ماجرى ويجري في الشمال ، على أنه صراع مناطقي رغم انه كان يتم تصفية الخصوم بحسب اللهجة وليس البطاقة فقط وحكاية (قل بجرة) في نقيل يسلح خير شاهد ، فمن كان يقول "بجرة "سمح له بالمرور ، ومن قال بقرة "أكل تفاح ".
في الشمال كان ومازال الصراع مناطقياً مذهبيا عفناً ،وخلال الف سنة ظل سكان الهضبة الزيدية هم بيت الحكم ، وينظرون باحتقار مقيت لسكان اليمن السفلى أو (السافل) كما يحلو لهم تسميته، وحتى في عهد الجمهورية والديمقراطية المزعومة ، كان الجندي السنحاني أو الزيدي يتمتع بسلطات تتيح له إهانة عميد من تعز وإسكاته ، ووصفه باللغلغي ، ومع ذلك لم يقل أهلنا في تعز، أنهم مستعبدون ومهانونمن صنعاء ، وان تولوا أعلى المناصب في سلطتها ، رغم اقتناعهم بهذا ، بل نسمعهم يتحدثون بحماس ، عن ضرورة اقتحام الجنوب، لأن الجنوب عنصريين حد زعمهم.
ومايجري اليوم في اليمن وصنعاء تحديداً ، هو أبلغ صور المناطقية وان حظيت بدعم ٍ خارجي ، لكنهم لا يسمونها كذلك ، بل يجملونها ، ويعتبرونها خلاف مشاريع سياسية وطائفية وأطماع أمريكية اسرائيلية.
لم يتحدث أحد ان مايجري في الشمال هو سيطرة محافطة صعدة -بل منطقة حوث -على كامل محافظات اليمن وإذلالها، وان سلطات طفل قبيلي ولأنه فقط من صعدة تتجاوز سلطات رئيس الوزراء بن حبتور ، وان مشرف من صعدة أهم من وزير من إب ، وان لرعوي حوثي الحق ان يهين شيخ مشائخ حاشد صادق الأحمر، دون ان يجرؤ على الرد بكلمة ، فهل حدث أو يمكن ان يحدث شيء من هذا كله في الجنوب أو يقبل به جنوبي .
في تاريخ الجنوب لم يحدث ان منطقة بعينها او قبيلة بعينها استطاعت أو تستطيع ان تسود وان تذل غيرها ، ولا توجد منطقة تشعر بأنها ذليلة أو مهانة من غيرها ، ولا توجد منطقة تستطيع وان ارادت ان تفرض سطوتها على الجنوب بأكمله وان يدين لها الآخرون بالخنوع والاستسلام.
مايؤسف له ان بعض أهلنا الجنوبيين ينجرون لترديد ما تخطط له قوى وإعلام الشمال وأتباعهم في التشهير بالجنوب والسعي لتمزيقه ، وتصويره ببلد الصراعات المناطقية ، والقبلية وهو مالم ولن يكون كذلك ، فيما يصف هؤلاء الشمال ببلد صراع المشاريع والتوجهات السياسية وان العالم ولأهمية الشمال جاء للقتال على أرضه لموقعه وخطورته على الكون.
والمؤسف ، والمقرف أكثر ، ان اخواننا المستعبدين منذ الف سنة في مناطق اليمن (السافل أو الأسفل) ، يتناسون وجع بيادات قبائل صنعاء الجاثمة على صدورهم ، وينشغلون حتى اللحظة، بالحرب العسكرية والإعلامية ، ضد جيرانهم الجنوبيين ، ممن كانوا منذ عهد الإمام ، سندهم ومأواهم ، ومنقذهم من قيوده وسيفه وقمعه وإذلاله لهم.