مع نجاح اختبار صاروخ سارمات المجنح العابر للقارات مؤخرا، تصبح روسيا القوة الأولى عالميا بقدراتها الصاروخية والبحرية، فضلا عن تفوقها النووي وامتلاكها نصيب الأسد من هذه الأسلحة.
يبدو لنا كما لو إن روسيا تعد نفسها لحرب عالمية ثالثة مع الغرب، مواجهة لابد من خوض غمارها بأشكال مختلفة لرسم معالم النظام العالمي الجديد، حيث وضعت كل قدراتها العسكرية على أهبة الجاهزية، بما في ذلك القدرات الاستراتيجية النووية.
في وقت أعربت فيه دول الناتو بعدم نيتها في الدخول بمواجهة مباشرة مع موسكو، خشية من اندلاع حرب عالمية، تستمر هذه الدول في دعم كييف وتزويدها بالأسلحة المتطورة لإطالة أمد النزاع هناك، مسؤولون روس حذروا الناتو من مغبة التمادي في أساليبه العدائية والاستفزازية، مؤكدين عن عزم روسيا على استهداف أي تعزيزات تعبر الحدود الأكرانية، أمر في حال حدوثه قد يقود إلى مواجهات مباشرة بين الطرفين.
لا نعلم عن حسابات دول الناتو في هذا الظرف المعقد تحديدا، ففي حين يجري الحديث عن الرغبة في تجنب المواجهة المباشرة مع الروس، تصر بعض هذه الدول على تقديم مختلف أشكال المساعدة لنظام كييف بما في ذلك إرسال المرتزقة، تصرفات لا تشذ عن صور المشاركة المباشرة في هذه الحرب، حرب أراد الغرب ان تكون أوكرانيا ميدانا لها، لكن ليس بوسعه ضبط حدودها أو تحديد نهايتها.
لا يرغب أحد في هذا العالم ان تحدث هذه الحرب، ولا حتى الروس أنفسهم يرغبون بها، لما تجره من نتائج وخيمة على العالم بأسره، ففي حال حدثت المواجهة بين الطرفين فلن نكون أمام حرب تقليدية بالمعنى المتعارف، بل إن احتمالية استخدام السلاح النووي أمر وارد ومؤكد، لما يتسم به هذا النوع من السلاح من القدرة الفائقة والسرعة في حسم المعارك، ولن يخرج الناتو منتصرا.
السؤال المحير الذي يلح علينا لطرحه: ما الذي يمنع الغرب من اختيار أقصر الطرق المؤدية للسلام؟؟..
يدرك الغرب ما يشكله التعدد القطبي على مصالحه الضيقة، ما يجعله يستميت بقوة رافضا التخلي عن نظام القطب الواحد، نظام مكنه من تحقيق امتيازات واسعة، بالهيمنة على الدول الأخرى ووضع اليد على مقدراتها.
لم تتبدل مشاريع الغرب القديمة برغم تبدل الأحوال والأزمان، فقد كشفت الأحداث والمتغيرات المتوالية عن ان تلك الدول ما تزال تمارس نفس سياستها الاستعمارية الاستعلائية تجاه البلدان الأخرى، برغم شعارات (الديمقراطية، والحرية، والمساواة) التي ما انفكت تتحدث عنها، وتتخذ منها قناع يخفي وجهها البشع.
إذ تشير مجمل الوقائع عن دور قذر تلعبه دول الغرب لإبقاء أكثر دول العالم في حالة تخلف وركود على مستويات عدة، فقد كُشف المستور عن علاقة مباشرة لهذه الدول بتفجير العديد من الأزمات والصراعات في بلدان العالم الثالث، بما يجعلها في وضعية التفكك والعجز عن الانتفاع بمواردها البشرية والطبيعية.
كما ترعى دول غربية أنظمة استبدادية وفاسدة في العديد من بلدان العالم، مجبرة إياها على وضع ما نهبته من ثروات شعوبها في البنوك والمصارف الغربية، وعلى ذات السياق فهناك أموال ضخمة تقدر بترليونات الدولارات مودعة لدى البنوك الغربية وتعود ملكيتها لجنسيات غير غربية، بعضها من أصول عربية، هذه المدخرات لا يمتلك أربابها أي سلطان للتصرف بها أو استثمارها خارج إطار البلدان المستضيفة، ما يعني استحواذ الأنظمة الغربية على هذه الأموال بطرق تفتقر للعدل والمشروعية، وحرمان أصحابها الفعليين منها.
يمر العالم اليوم بمرحلة مفصلية تحتدم فيها المواجهة بشراسة بين قوى العالم الحر الساعية للتخلص من عهد التبعية والهيمنة، وقوى انتهازية تعمل بإصرار للحفاظ على امتيازاتها ومصالحها غير المشروعة، في وقت يبدو دور الأمم المتحدة هزيل وعاجز على نزع فتيل الأزمة، مع انقسام حاد بين دول العالم، وتخوف من استمرار الصراع وتطوره وانعكاساته على الاقتصاد العالمي.
تتطلع أكثر شعوب الدنيا اليوم لرؤية عالم متعدد الأقطاب لكسر طوق الهيمنة، وخلق حالة من التوازان إزاء مجمل الأزمات والصراعات، فقد برهنت الأحداث والمتغيرات المتسارعة عن عدم فاعلية القطب الواحد للتصدي لقضايا العالم المتجددة.