وصل سعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية مستويات مرتفعة، ففي نهاية نوفمبر وبداية ديسمبر أصبحت ال ٤٥٠ ريال يمني مقابل الريال السعودي و١٧٠٠ ريال مقابل الدولار الأمريكي. وهذا الوضع خطير جدا لم يكن في حسبان مسئولي السياسة النقدية حيث أظهرت نشرة الأوضاع الاقتصادية و النقدية الصادرة عن البنك المركزي اليمني في سبتمبر 2021 توقع أن يكون التضخم في 2021، 30% وقد ثبت أن تلك التوقعات لم تكن دقيقة بشكل كبير، وعلى إثر ذلك ظهرت مطالب موظفي القطاع الحكومي بإعادة النظر في هيكل الأجور التي لم تبارح مكانها منذ ما يزيد عن ٤ أعوام ابان عهد حكومة احمد بن دغر التي اعتمدت زيادة مقدارها ٣٠٪ في الأجور.
في ٦ ديسمبر أصدر الرئيس عبدربه منصور هادي قراراً بإعادة تشكيل مجلس إدارة البنك المركزي اليمني وتبعه قرار بتكليف الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة لمراجعة أعمال البنك منذ نقله إلى العاصمة المؤقتة عدن.
أوجد قرار إعادة تشكيل مجلس إدارة البنك تخبط في سوق الصرف وهذا أمر طبيعي في بلد تعاني من تبعات الحرب وعدم الاستقرار الاقتصادي. وبعد فترة تخبط في قرارات مجلس الإدارة السابق. بدأ الريال اليمني في التعافي ليس بسبب وضوح السياسة النقدية أو تدخل مباشر من قبل المركزي في سوق الصرف أو ايداع وديعة جديدة تساند الريال اليمني لتغطية الطلب المتزايد على العملة الأجنبية في ظل عجز المركزي عن تغطية حاجة السوق لاسيما بعد قرار الانتقال من التعويم المدار إلى التعويم الحر؛ بل لمجرد التوقع بأن هناك جدية في التغيير والتعامل مع الملف الاقتصادي، بما يتناسب مع أهميته وسط تكهنات بالاعلان عن وديعة سعودية جديدة وربما دعم دولي أيضاً. وهذا ساعد في التخبط الحاصل حاليا.. من المهم جدا في هذه المرحلة أن تستغل إدارة المركزي هذه الأحداث من خلال فرض هيبة البنك وعودته للأخذ بزمام الأمور والإعلان عن السياسة النقدية للمرحلة القادمة. على أن تترافق مع تفعيل الجانب الرقابي في سوق السلع من قبل وزارة الصناعة والتجارة التي لم تتأثر بتعزيز الريال لقيمته بنسبة تعادل الانخفاض في سعر صرف العملات الأجنبية. وإذا ما صدقت التوقعات بإيداع وديعة جديدة من قبل المملكة العربية السعودية فإنها لن تحدث فرقا جوهريا إذا ما تم التعامل معها بنفس أسلوب التعامل مع الوديعة السابقة بنظام المصارفة الذي أثبت فشله ولم يلمس المواطن أي اثر ايجابي لها.
أظهر تقرير البنك المركزي اليمني للعام 2020 أن معدل التضخم بلغ. 35٪ في حين كان قي العام 2019 10٪ مع توقع ان يبلغ معدل التضخم في 2021 نسبة 30٪ وهذه النسب لا تلامس الواقع نهائيا. وأظهر التقرير أن سعر الصرف كان 669 ريال للدولار في العام 2020 وبلغ 591.1 في العام 2019 وهذا مغاير للواقع.
على إدارة المركزي استغلال الدعم الدولي والرسمي والشعبي واتخاذ قرارات قوية من شأنها السيطرة على سعر الصرف.
المزاد على العملة الأجنبية لم يؤثر بشكل كبير في تقليل الطلب على الدولار حيث أعلن المركزي عن خمسة مزادات لحد الآن بمبلغ خمسة عشر مليون لكل مزاد وبلغت نسبة التغطية في بعض الأحيان إلى 68٪ فقط وعدد المتقدمين لم يتجاوز ال ١٠ أشخاص. ولن تؤدي إلى تخفيض سغر الصرف في ظل العرض النقدي الواسع M2الذي يقارب ال 7 تريليون ريال والعرض النقدي M1 يقارب ال 4 تريليون ريال في العام 2020. ولو افترضنا أن المزادات الخمسة تمت تغطيتها بالكامل (وهو أمر لم يتحقق) بسعر متوسط 1300 وهو سعر المزاد الأخير وكان قبله قد بلغ 1411 فان المركزي لن يستطيع سحب أكثر من 19 مليار و 500 مليون ريال في المزاد اواحد وبإجمالي يقارب ال 100 مليار للخمسة المزادات إذا ما تمت تغطيتها بالكامل وهو مبلغ بسيط مقارنة مع السيولة المتوفرة في السوق.
ومما يدل على التخبط رسى المزاد رقم خمسة بتاريخ ٦ ديسمبر على سعر 1300 ريال للدولار وفي نشرة البنك المركزي بعد بأيام معدودة أعلن عن سعر منخفض جداً للريال مقابل الدولار
ان الكتلة النقدية في السوق كبيرة جداً لا تتناسب مع الوضع الاقتصادي لليمن وهي نتاج لسياسات خاطئة حيث استسهلت الإدارات السابقة للمركزي عملية ضخ السيولة النقدية كحل لمشاكلها دون اتخاذ أي إجراءات حقيقية من شأنها التأثير على سعر الصرف.
إن التخطيط بلا تنفيذ يعتبر هدرا للوقت والجهد والمال وأن التنفيذ بلا تخطيط يعتبر عملا عشوائياً.
حان وقت إتباع سياسة نقدية وسياسة مالية متناغمتان مع بعضهما ومكملتان لبعضهما البعض.
* أستاذ العلوم المالية والمصرفية المساعد بجامعة حضرموت