سنوقف النائب العام ولو لجأنا للإضراب العام

سنوقف النائب العام ولو لجأنا للإضراب العام

هذا العنوان ليس من عندي، بل هو عنوان رسالة بعث لي بها أحد الناشطين الإعلاميين من عدن وقد بدأها بالقول

ـ قل لصاحبك يوقف النائب العام العسكري الذي عينه وإلا لن يلاقي قبولا في عدن.

قلت له:

ـ من تقصد بصاحبي؟

قال:

ـ عيدربه (يقصد الرئيس عبدربه منصور هادي).

قلت له إن الرئيس هادي ليس صاحبي، رغم ما أكنه من احترام لشخصيته ومقامه، فآخر مرة قابلته فيها كانت عام 2015م في قلب أزمة حصار عدن وذروة المواجهة مع جماعة التحالف الانقلابي، حينما كان بن دغر ما يزال يصفق لفكرة المنفذ الواحد**،  ثم سألته عن سبب رفضه للنائب العام، فأجاب:

ـ أنا لا تهمني الجوانب القانونية والأهلية والمستوى التعليمي، رغم إنني قرأت لكثير من الحقوقيين والقضاة ما يؤكد أن مهمة النائب العام لا يصلح أن يتولاها شخص كل خبرته هي في الإمداد والتموين، وهو بالذات عسكري ومقاتل، فما بالنا برجل كان ضمن حملة الغزو على عدن وقتل من مرافقيه ثلاثة في معركة شقرة، ولم يتراجع عن محاولته غزو عدن إلا مهزوماً، يعني هذا الرجل الذي فشل في دخول عدن وقتل أهلها غازياً، سيأتي عدن نائباً عاماً، ويتبوأ هذا الموقع لاعتقال وإدانة من يشاء وربما حكم بالإعدام على كل جنوبي وقف ضد غزوته لعدن في أغسطس 2019م انتقاما لمرافقيه الثلاثة الذين قتلوا على أيدي القوات الجنوبية.

فلت له هون عليك يا صديقي الموضوع لا يستحق كل هذا التوتر، والذي لديه حجج مقنعة ضد الرجل فليعلنها على الملا وليمارس حقه في الاعتراض بالوسائل المدنية التي يجيزها القانون.

. *         *         *

والحقيقة إنني عندما تابعت السيرة الذاتية للرجل وما عرضه القضاة والمحامون والإعلاميون الذين تناولوا هذه القضية تساءلت: لماذا يورط رئيس الجمهورية نفسه في مثل هذه المواقف، ولماذا يتخذ القرارات التي تثير من الجدل والنزاع والتوتر ما نحن وهو وكل البلاد في غنى عنه؟

البلاد مكتظة بالحقوقيين وبخبراء القانون الجنائي والدستوري والدولي والمدني والبحري والتجاري، ومعظمهم مدنيون وأصحاب خبرات لعشرات من السنين من العمل الأكاديمي أو القضائي، ثم يشطب الرئيس على كل هذه الكفاءات ويأتي بضابط تموين ليعينه نائبا عاماً؟ ثم أين مجلس القضاء الأعلى الذي يفترض أن يقدم مجموعة من المرشحين من بين العاملين في الوسط القضائي ليختار الرئيس من بينهم أفضل وأنزه وأكفأ الأسماء؟؟

. *         *         *

الصديق الدكتور محمد غيزان وكيل وزارة الإعلام ومدير قناة سهيل التي تبث من اسطنبول، سخر من تصريح الأستاذ علي الكثيري الناطق الرسمي باسم المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي عبر عن رفض المجلس الانتقالي للقرارات الأحادية الصادرة يوم أمس عن الرئيس هادي، وقال: الرئيس هادي ليس رهينة لدى المجلس الانتقالي.

والحقيقة لم يقل أحد أن الرئيس رهينة المجلس الانتقالي، وحتى الآن لم يقل أحد إنه رهينة لدى الإصلاح، الذي يهيمن على كامل مؤسسة الرئاسة، لكن على الإعلامي المرموق أن يتذكر أن اتفاق الرياض ينص على اتخاذ القرارات بالتوافق، والتوافق هنا كما في المبادرة الخليجية واتفاق السلم والشراكة، وهما ما لم يوقعهما الانتقالي، يعني (أي التوافق) أن قرارات رئيس الجمهورية يجب أن يوافق عليها جميع الشركاء السياسيين، وأن لا تستهدف طرفا سياسياً أو تستجيب لمطالب ومصالح طرفٍ سياسيٍ من أطراف العملية السياسية على حساب الععملية السياسية نفسها وعلى حساب المصلحة الوطنية.

أما قول الصديق د. غيزان إن اتفاق الرياض هو بين جميع الأطراف السيياسية اليمنية  نذكره بأن هناك طرفان فقط هما من وقعا الاتفاق، وهما المجلس الانتقالي والحكومة الشرعية، ولم يوقع طرف ثالث أو رابع أو خامس على الاتفاق، كما جرى مع المبادرة الخليجية في العام 2011م.

د. غيزان وهو الإصلاحي العتيد يتهم المجلس الانتقالي بأنه بموقفه الرافض للقرارات الأحادية التي أثارت استياء معظم الأطراف السياسية في الشمال والجنوب، يتهرب من تنفيذ اتفاق الرياض وهو كلام تردد على لسان غالبية الإعلاميين والقادة الإصلاحيين، وفي الواقع إن قراءة مبسطة لهذا المنطق يكشف حقيقة ما يدور في العقل الباطن لهؤلاء ويبين ما وراء دفع الإخوان لمكتب الرئاسة الذي يهيمنون عليه إلى اتخاذ مثل هذه القرارات المرتجلة والمستفزة، وهو ما يعني أنهم بعد أن فشلوا في التهرب من تنفيذ اتفاق الرياض على مدى عام وأشهر، يذهبون إلى توريط رئيس الجمهورية لإصدار قرارات تستفز أطراف العملية السياسية وعلى رأسها المجلس الانتقالي ومن ثم تحقيق ما خططوا له وهو إفشال اتفاق الرياض، أما وقد أعلنت أهم الأحزاب المؤيدة للشرعية عن رفضها لهذه القرارات فإن موقف المجلس الانتقالي قد أصبح مدعوما بموقف أهم القوى السياسية بما فيها حزب الرئيس نفسه.

موقف د. محمد غيزان يذكرني بتلك الغانية التي أرادت أن تخفي وجهها وراء الجزء السفلي من ثوبها فرفعت الثوب، وكشفت عن شيء آخر هو ما كان ينبغي إخفاؤه.