أخيراً وبعد الاعتذار للقارئ الكريم لهذه الإطالة نصل إلى الهدف الأساسي من هذا البحث الطويل وهو موضوع الخطة (ب).
لا يمكن لأي باحث سياسي أو استراتيجي أو عسكري أو حتى اقتصادي-اجتماعي أن يقدم وصفةً جاهزةً متكاملةً لحالةٍ سياسيةٍ مقعدةٍ ومركبةٍ كالقضية الجنوبية وما يتصل بها من تشابكات وملابسات وارتباطات بعوامل مختلفة ومصالح قوى متضاربة ومؤثرات داخلية وخارجية، وعوامل موضوعية وذاتية، فضلاً عن متغيرات عديدة على صعيد الداخل الجنوبي والجوار اليمني والإقليمي،وعلى الصعيد الدولي:
ومن هنا فإن ما نقصده بالخطة (ب) هو أمرٌ يتصل عضوياً بطبيعة ظروف اللحظة التاريخية وتعقيداتها وملابساتها وتحولاتها.
وبالنظر إلى الطبيعة الشائكة من ناحية والعادلة والمشروعة من ناحية أخرى للقضية الجنوبية فإن الخطة (ب) يُفتَرض أن تكون حاضرةً بالتوازي مع حضور القضية نفسها، وفي ظني أن هذا الأمر لا بد أن يكون قد أُخِذَ بالاعتبار عند القيادة السياسية الجنوبية، ولذلك فإن ما سنتناوله هنا هو مجرد اجتهادٍ قد يصيب وقد يخطئ انطلاقاً من طبيعة اللحظة التاريخية والظروف والملابسات والحيثيات والمعطيات القائمة.
ومن هذا المنلطق فإنه يمكننا ربط موضوع الخطة (ب) بالبحث في العناوين التالية:
إلى أي مدى ستستمر الشراكة بين القيادة السياسية الجنوبية وبين الشركاء من الأشقاء الشماليين؟
إلى أي مدى ستفي القيادات الشمالية بتعهداتها تجاه شعب الجنوب تلك التعهدات التي ارتبط بها قيام هذه الشراكة؟
إلى أي مدى يمكن للشراكة الراهنة أن تستجيب لمصالح وحقوق الشعب الجنوبي وفي مقدمتها حقه في الحياة وحقه في الحصول على الخدمات الأساسية وحقه في الاستفادة من ثرواته وتسخيرها للاستجابة لمتطلبات الحياة الطبيعية ناهيك عن حق الجنوب في التنمية والنهوض والاستقرار ووقف سياسات التجويع والحصار الممنهجين، وقبل هذا وبعده حق الشعب الجنوبي في تقرير مستقبله السياسي بعيدا عن التبعية والوصاية والضمِّ والإلحاق؟
ثم ماذا لو نكث الطرف الشمالي بتعهداته ولجأ إلى القوة في فرض خياراته السياسية المعلنة على أهل الجنوب، خصوصا بعد ما يشاع عن تسوية سياسية يجري إعدادها على مراحل وطبخها على نار هادئة بعد انتقال الشقيقة السعودية من دور الداعم والمؤيد للشرعية ضد الانقلابيين الحوثيين، إلى دور الوسيط بين هذين الطرفين، وبقاء الجنوب خارج المعادلة السياسية أو ملحقاً بطرفيها؟
ألى أي مدى يمكن الرهان على تفهم وإدراك الاشقاء في التحالف العربي وبقية الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة لقضية شعب الجنوب والإقرار بحقِّه في اختيار مستقبله الحر والمستقل؟
وإلى أي مدى تبقى الشراكة بين الجنوب وقيادته السياسية وبين الاشقاء في التحالف العربي شراكة نديَّة ومتكافئة، بعيدةً عن ثنائيات الشريك الأكبر والشريك الأصغر، أو المانح والممنوح أو المتبوع والتابع أو الكفيل والمكفول؟
وهناك تفاصيل أخرى يمكن للقارئ الكريم استنتاجها من بين ثنايا هذه العناوين الرئيسية.
إن الرد على هذه الأسئلة أو لنقل مناقشة هذه العناوين هو ما يمكن أن تبنى عليه البرامج والخطط الاحتياطية التي بموجبها يمكن للقيادة السياسية الجنوبية بناء القرارات الاستثنائية في اللحظات الاستثنائية، وهي كلها أمور واردة في كل لحظة بالنظر إلى المتغيرات الديناميكية المتسارعة التي يعيشها العالم، وما منطقتنا وما بلادنا بمنأى عنها بأي حال من الأحوال.
“وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ “.
صدق الله العظيم.