لن ننساك أيُّهَا السَّيْفُ الْعَفِيفِ الجنُوبيّ:

لن ننساك أيُّهَا السَّيْفُ الْعَفِيفِ الجنُوبيّ:

كتب /شايف محمد الحدي
▪ماذا أكتبُ عن رجلٍ عشق ساحات المجد والبطولة ومضى يُسجي إلى العلياء في عزمٍ ركابه..!!
▪رحل مبتسمًا هاتفًا أيُّهَا الشهداء أنا قادم أحمل شمائل النّصر التي عشقها عدد قطرات دمه
▪ترك الراحلُ مكانًا من الصعب تعويضه وفراغًا سنظل نستشعره كلما حللنا بميادين النزال
{{ما كان الأمر يحتاج - بالنسبة إلى بطلنا سيف الجنوب - إلى مزيدٍ تفكيرٍ وتأمل في رجلٍ جمع المجد من طرفيه، فسجل هذا الرجل الصنديد الدمث الخلوق محبة الناس}}
[قالها:إذا لم نخدم الوطن ونفدي بلادنا من سيقوم بذلك..!!]
{عاش آخر أيّامه في جبهات القتال ورشاشه بيده لا يفارقه وخندقه محفور يترقب العدوّ ليلَ نهار}
• جرحٌ على جرحٍ يهز كياني ويثير فيّ مكامن الأشجانِ؛ فالحديث عنك يُثيرُ كوامنَ الوجد، ويبعثُ خفيَّ الشوقِ، ويُلهبُ نارَ الأسى والألم، ولربما كان الدخولُ إلى العُلا والـمجد من بوابة الأحزانِ.. بماذا أبدأ مقالي عن بَطلٍ أشوسُ باسِل مِقدَام جريء جسُور شجاعُ، بتّار، صارِم، صنديد، شَهْمًا، مِغْوَارًا وصاحب عزيمةً ورجولة..؟ وبماذا أسطّر ملاحم البطولة والفداء لقائدنا (سيف علي صالح العفيف الملقب ”سُكَّرة“) بمدادي حروفًا خجلةٌ عن رجلٍ بحجم وطن: مضى يُسجي إلى العلياء في عزمٍ ركابه بمسيرةٍ نضالية حافلة بالتضحيات والعمل الدؤوب الذي لا يطيقه إلّا القليل من الرجال..؟!! ماذا أكتبُ عن رجلٍ عشق ساحات المجد والبطولة وركل هذه الدنيا الفانية، فلله من أمٍ كريمة أنجبت بطلاً شجاعًا لا يهاب المنايا..؟!! بماذا أحدث عن هامة وطنية حين تجالسه، تشعر أنك تجالس مخزونًا من المعلومات السياسيّة والثقافية وقدرة على التحليل والتخطيط العسكري وقراءة مجريات الأحداث، إضافة إلى الإحاطة بالعلوم العسكرية إحاطة القائد العسكري المحنك، وخبرة كبيرة تراكمت لديه بناها منذُ بدأ حياته النضالية والعسكرية والإدارية..؟!! عاش آخر أيّامه في جبهات القتال رشاشه بيده لا يفارقه وخندقه محفور يترقب العدوّ ليلَ نهار.. هكذا هم رجال الجنوب العظماء ارتضوا أن ينيروا الطريق لشعبهم ووطنهم بدمائهم الزكية، ويمهدوا لنا الطريق بجماجمهم.. والله لقد بكيناك أكثر من بكائنا على كثير من أحبتنا.. لن ننساك يا أبا الوليد. 
من شواهق الضالع ومن أعالي جبال الجنوب الشامخة، ومن تلك القمم التي تعانق السحاب جاء شهيدنا السَّيْفُ البتّار.. كان خفيف الظل، بشوشٌ بسّام في وجوه أصحابه، عالي الهمة، وإذا تكلم يزداد إعجابك به، رجلٌ متواضع جم، وصاحب خُلق رفيع، يرسم البسمة على شفاة إخوانه وأبنائه في ميادين القتال، تزيّنه ابتسامة ارتسمت على محيّاه، يحبه الصغير قبل الكبير، صاحب القلب الكبير، فالجلسة معه لا تكلّ ولا تملّ منها، رجلٌ عركته الأيّام والسنون لا كالرجالِ.. وهمةٌ لا كالهمم.. أدب وإخلاقٌ حسنة، في طلاقة وجهٍ وبشر، يحلي ذلك لسان فصيح وعقلٌ أريب.. نشأ في كنف أسرة عريقة نضالية قدّمت الكثير من التضحيات عبر كل المراحل والمنعطفات التاريخيّة، كان رحمه الله واسع الصدر، نفر مبكرًا إلى أرضِ الفداء، في ساحات العزة والكرامة، وبرزت شجاعته الفائقة في المعارك العسكرية الدائرة رحاها على أرض الأسود (حَجْرُ البطولة).
هكذا ازدانتِ ضالع الجنوب عبر تاريخها النضالي الطويل بالكثير ممن سطّروا ملاحم التَّضحية والفداء لتدوّن في أسفار التاريخ حكاية من عشقوا المجد والخلود بدمائهمِ الزكية التي رسمت معالم النَّصر .
كان بطلنا سيف الجنوب - كما أسلفنا - كريمًا خُلقهُ، شجاعًا مهابًا، رضيةً نفسه، وصدقته أفعاله نصرًا لدين الله ولتربة وطنه التي عشقها عدد قطرات دمه، وكان متواضعًا يشهد له بذلك كل من عرفه، وكان - أيضًا - صاحب شجاعةٍ نادرةٍ وفر وقته بين درسٍ عسكري يستفيد منه جنوده، أو عمل يخدم قضية وطنه منذُ أن كان مديرًا عامًا لمكتب وزير الدفاع في دولة الجنوب حتى قيادته للواء أوّل مقاومة على جبهات شمال الضالع ضد الغزاة الحوثيين. 
حينما نظرَ البطل (السَّيْفُ العفيف الجنوبي)، وجد أنَّ طاغوت العصر وهُبل الزّمان (حوثي اليمن) يعيثُ في أرضِ الله فسادًا ويُثخنَ القتل في ضعفاء الشمال دون أنَّ يكون لأحدٍ من الناس رأيّ في مقاومة طغيانه وجبروته ويتقدم بعلوجه نحو حدود الجنوب، عندها لبى سيف الجنوب نداء الوطن لجهاد الرافضة الحوثية وعلم أنّ السبيل هو الجهاد والجلاد، وإعداد العدة وحشد العتاد لمواجهة العلوج الحوثية، حيثُ العقيدة إذا وقرت في القلوب فإنّها تصنع الأعاجيب، وتدفع صاحبها إلى الموت دفعًا وهو راضي النفس قرير العين. 
قدّم السَّيْفُ الجنوبي البتّار (سيف علي صالح العفيف)، أروع معاني التضحيات في كل الميادين وساحات الشرف والبطولة، بدايةً من ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة عام 1963م إلى بداية ظهور جمعية المتقاعدين العسكريين والحراك الجنوبي والذي كان له دور كبير في بروزهما، وسطر بفدائيته وشجاعته ملامح المجد والبطولة من أجل السلام وإحقاق الحق والعدالة والمساواة ونصرة المظلوم وإعلاء راية الوطن عاليًا.
وهكـذا عقد البطل سيف الجنوب النية على الإثخان في الأعداء، ومن مظاهر شجاعته الفائقة في آخر أسابيع حياته رحمه الله أنّه كان يحرض الشباب على الجهاد والعمل لصد عدوان المليشيات الحوثية على الشريط الحدودي حَجْرُ للحفاظ على الحدود والهويّة:(عينان لا تمسُّهما النارُ: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرسُ في سبيل الله.. حديث شريف). 
منذُ أن عرفته، لم تغادر الإبتسامة محيّاه، ولم تغادر الكلمة الطيّبة لسانهِ الدافئ، ولم يغادر الخُلق الرفيع شخصيته المحببة لدى الجميع، ولم يغادر حبّه لوطنه الجنوبي الذي عشقه عدد قطرات دمه، وكان حريصًا في تجسيد مبدأ التسامح والتصالح وحريص على جو التآلف لدى كل مكونات الحراك الجنوبي وفصائل المقامة الجنوبيِّة، الذي طالما اعتبروه المرجع والمستشار وكان يفتح الطرقات بابتسامة مضيئة تفتح قلب من يحاوره ليبادله حديثًا يتقاطر إخلاصًا وصدقًا ومن أبرز خصال الراحل قدرته على اكتساب القلوب واستقطاب العناصر الوطنية المؤثرة، وبناء الصداقات والتمدد في العلاقات على مستوى محافظات الجنوب، ما جعله ينسج خيوط من حريّر الصّداقات العابرة للحدود والقيود؛ بل كان مقبولاً لدى عامة الناس لما يمتلكه من خلق حسن وصفاء السريرة، وهب رحمه الله عقلاً حصيفًا، ورأيًا راجحًا، ولأنّه باختصار كان يتمتع بحس وطني كبير وكان دائمًا يردد:” إذا لم نخدم الوطن ونفدي بلادنا من سيقوم بذلك..!“.
لم أرَ السَّيْفُ يُغادر هذه الصفات جميعًا إلاّ مرّةً واحدة، حين شعر أنَّ وطنه في خطر.. صار ذاك المقاتل الشرس الذي لا تعوزه قسوة القتال ولا صرامة الوضوح، ولا ترتجف نفسه وهو يعبر مع المتنبي إلى عجز بيته الشهير ”فإن لم تبد منهم أباد الأعاديا“..!
لو فتّشت في كلمات ومرادفات اللُّغة العربيّة عن كلمتين واصفة الشيهد سيف علي صالح العفيف، فسأقف عند كلمتين:(الهيبةً العسكرية والتواضع الخلق)
رحل شهيدنا عن هذه الحياة الدنيئة، رحل صائمًا طاهرًا مرابطًا في الثغور، شجاعًا كريم النّفس عزيزها لا يحني الرأس إلاّ لله، تواقًا إلى المعاركِ وإلى الإثخانِ في أعداء الله الرافضية، مشتاقًا إلى الحورِ العين وإلى لقاء ربه؛ فما أسعده وما أوفر حظه - نحسبه والله حسيبه - :(رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها.. حديث شريف).
سيفًا وأنت المترجّل.. في ساحات المجد والبطولة.. ما أقعدك الأنين أبا الوليد عن الحضور في كل الميادين وأنت مصابًا في يدك يا رجل الرجال وأمير النزال.. مضيت مبتسمًا مطمئنًا هاتفًا أيُّهَا الشهداء أنا قادم أحمل شمائل النّصر.
ما أقسى الذكريات وما أصعب ألم الفراق.. أيُّهَا الراحلُ عنّا جسدًا، فالحزن على فراقكِ فوق إرادتي وطاقاتي.. يارب اجبّر كسّر قلوبّنا علّى فراقّهِ.
لن ننساك يا شهيد الوطن، يا من فقدناك فداءً للوطن، يا من قدمت دروسًا لمن لا يحبون الوطن، وعلمتهم ما معنى حبّ الوطن.. ستظل بيننا، ولن ننساك. 
هكذا تبقى ذكراك أبا الباسل حاضرةً؛ جرحٌ على جرحٍ يهز كياني ويثير فيّ مكامن الأشجانِ؛ فالحديث عنك يُثيرُ كوامنَ الوجد، ويبعثُ خفيَّ الشوقِ، ويُلهبُ نارَ الأسى والألم، ولربما كان الدخولُ إلى العُلا والـمجد من بوابة الأحزانِ؛ فقد ترك الراحلُ مكانًا من الصعب تعويضه وفراغًا سنظل نستشعره كلما حللنا بجبهات النزال. 
 مضى سيف الجنوب العفيفي عندما ومَضتْ سيوف الجهاد في أرض العز والبطولة إلى مصانع الرجال. 
وبعد أن فارقنا السَّيْفُ العفيفي ذلك البطل لم يبقَ من آثاره بيننا إلّا حسن الذكر وطيب الحديث عن رجلٍ شجاعٍ في الحقِّ لا تأخذه فيه لومة لائم.. رجلٌ لا كالرجال؛ فقد كان آية في التواضع لا يتصنع ذلك أو يتكلفه، بل هو سجية وخصلة وهبه الله إياها. 
هكـذا عرفته في السلم وفي ميادين الشرف والبطولة بقلب جريء وشجاعة فطرية حباه الله بها وميّزته وكان رحمه الله دائم التمني للشهادة، فجد إليها السير حتى نالها مقبلاً غير مدبر فهنيئًا لك الشهادة أبا الوليد وما أجمل تلك النهاية أنّ تفارقنا وأنت تذود عن دينك وحياض وطنك في ميادين الشرف والبطولة، حيثُ رسخت في أذهاننا رمز البسالة والقوّة، حينما وقفت في ميادين الجهاد مع المقاتلين على خطٍ واحدٍ.
وكانت رسالته الأخيرة رحمه الله لشعبه في الجنوب:” توحدوا، فقضيتنا واضحة وضوح الشمس، وشعبنا قدّم تضحيات كبيرة جدًا، في سبيل إستعادة حقه الطبيعي بالاستقلال والحُرِّية وإستعادة دولته، ولهذا ارجو ارجو من شعبنا وقيادتنا التوحد وـ أيضًا ـ من كل الفصائل والمكونات أن نكون يدًا واحدة نحقق أهدافنا المنشودة مائة في المائة، وأن تمزقنا ستكون في صعوبات أمامنا...انتهت رسالته“.
وفي يوم الخميس الخامس والعشرين من شهر رمضان عام أربعين وأربعمائة وألف للهحرة الموافق 30 أيَّار/مايو 2019م، طويت آخر صفحة من حياة هذا البطل في اشتباك مع جند (حوثي اليمن) في جبهة الريبي - حَجْرُ، ونال ما سعى إليه من سنواتٍ برصاصاتٍ غادرة وله من العمر إحدى وسبعون عام، فهنيئا له ثم هنيئًا له الشهادة.
 وبعــد فإنّ القلب ليحزن.. وإنّ العين لتدمع.. وإنّا على فراقك أبا الوليد لمحزونون.. ولكنّ لا نقول إلّا ما يرضي ربنا إنّا لله وإنّا إليه راجعون.. رحم الله الشهيد وتقبله ورفع درجته في عليين وألحقنا به في الفردوس الأعلى من الجنّة.