يبدو أن نائب رئيس مجلس النواب اليمني عبدالعزيز جباري لا يفوّت أي فرصة للهجوم على المجلس الإنتقالي الجنوبي ورئيسه عيدروس الزبيدي مستخدماً ذات الخطاب التقليدي الذي يردد أسطوانة "الوحدة" الميتة بينما يغض الطرف عن الواقع السياسي الذي أفرزته الحرب وعن الأسباب الحقيقية التي دفعت الجنوب إلى التمسك بمشروع إستعادة دولته .
وفي أحدث تصريحاته زعم جباري أن تمكين عيدروس الزبيدي من معالجة الأزمات في عدن يعزز "الخطاب الإنفصالي" متجاهلاً حقيقة أن الفشل الذريع للحكومات المتعاقبة في إدارة الجنوب هو ما عزز هذا التوجه منذ سنوات .
التناقض في حديث جباري واضح فهو من جهة يهاجم المجلس الإنتقالي الجنوبي ويتهمه بتنفيذ "أجندة إماراتية وسعودية" لكنه في الوقت ذاته كان أحد الشخصيات التي تبنّت مشاريع سياسية خارج نطاق "الشرعية" نفسها بل دعا في وقت سابق إلى تشكيل حكومة في المنفى بعد أن تلاشى نفوذها على الأرض فإذا كان يتحدث عن المخططات الخارجية فلماذا كان يروّج لطرح كهذا بدلاً من دعم أي حلول واقعية تعيد للدولة حضورها؟ أم أن المشكلة لديه ليست في التدخلات الخارجية بل في أي مشروع لا يخدم مصالح القوى الشمالية؟
حديث جباري عن أن معالجة الأزمات في الجنوب تخدم "الخطاب الإنفصالي" هو إعتراف ضمني بأن المجلس الإنتقالي بات الطرف الأكثر قدرة على تقديم الحلول وهو ما يدركه المواطن الجنوبي الذي لم يرَ من حكومات "الشرعية" سوى الفساد والانهيار فهل المطلوب أن يبقى الجنوب غارقاً في الأزمات حتى لا يقال إن الإنتقالي يحقق إنجازات؟ هذا منطق لا يقبله عقل إلا إذا كان الهدف هو إستمرار معاناة المواطنين لحساب مراكز النفوذ التقليدية الشمالية التي إستفادت من فوضى "الوحدة القسرية".
منذ توليه منصب عضو مجلس القيادة الرئاسي تحرك عيدروس الزبيدي بواقعية سياسية واضحة ساعياً لمعالجة الملفات العالقة في الجنوب رغم العراقيل التي تضعها أطراف لا تريد لأي تغيير أن يحدث وبينما يواصل جباري وأمثاله ترديد الخطاب العاجز عن إستيعاب المتغيرات يمضي الزبيدي والمجلس الإنتقالي في تثبيت دعائم إستقرار الجنوب وتأهيل مؤسساته وخلق واقع جديد يتجاوز أخطاء الماضي.
في الوقت الذي يهاجم فيه جباري الوضع في الجنوب فإنه يتجاهل عمداً حقيقة أن الشمال غارق في الصراعات وأن الحوثيين يزدادون قوة بسبب فشل القيادات المحسوبة على "الشرعية" في بناء مشروع مقاوم حقيقي فلماذا لا يتحدث جباري عن تلك الفوضى؟ ولماذا لا ينتقد الأداء الهزيل للشرعية التي هو جزء منها؟ أم أن الهجوم على الإنتقالي والجنوب هو الوسيلة الأسهل للهروب من مواجهة الحقيقة؟
تصريحات عبدالعزيز جباري ليست سوى استمرار لخطاب لم يعد يجد من يستمع إليه في الجنوب حيث يدرك المواطن أن المستقبل لا يمكن أن يُبنى على الأوهام والشعارات الفارغة بل على العمل الفعلي لإنهاء معاناة الناس وبينما يحاول البعض عرقلة مسار الجنوب يواصل المجلس الانتقالي بقيادة عيدروس الزبيدي ترسيخ مشروعه مستندًا إلى إرادة شعبية حقيقية لا يمكن تجاوزها مهما علت الأصوات المعارضة .