تمكن الشعب الجنوبي من الانتصار أخلاقيا على قوى الاحتلال اليمني حين تصدى لمخططات الخبث بعظمة الجبارين وهذه ميزة قلما تتسم بها ثورات الشعوب في زمننا المعاصر
ففي الوقت الذي أدرك المحتل اليمني بأن أطالة أمد بقائه سيدا على الثروات الجنوبية يكمن في مدى قدرته على تمزيق النسيج الاجتماعي للجنوب أدرك الشعب الجنوبي في المقابل بأن استعادة دولته المستقلة تكمن في مدى قدرته على تعزيز اللحمة الوطنية للجنوب .
وانطلاقا من هذه القاعدة الضدية سنتناول ثلاث مراحل فقط تتضمن طبيعة الصراع بين قوى الاحتلال اليمني وقوى الثورة الجنوبية كنموذج للصراع بين خبث الهيمنة اليمنية وعظمة الدفاع الجنوبية في المراحل الثلاث الأولى فقط على النحو الآتي:
المرحلة الأولى :
وهي المرحلة التي أرقت رئيس دولة الاحتلال اليمني علي عبد الله صالح ولاسيما في العام ٢٠٠٥م حين شعر صالح بتنامي الوعي الوطني الجنوبي بفعل التراكم المقاوماتي الجنوبي المتصاعد نحو ثورة جنوبية قادمة مما يتطلب تعطيلها قبل قيامها وذلك من خلال البحث عن وسيلة لتمزيق الصف الجنوبي وتشتيته من خلال إعادة إنتاج أحداث يناير المأساوية وتوظيفها لتمزيق اللحمة الجنوبية المتصاعدة وتنفيذا لهذه الخطة الخبيثة قام صالح باستدعاء أولاد شهداء مأساة يناير ١٩٨٦م التي كان صالح ورفاقه اليمنيين من أبرز المخططين لها كونهم المستفيد الأول من نتائجها وطرح على أبناء الشهداء مخطط جهنمي يدعوهم فيه إلى أخذ الثأر لآبائهم ملتزما في تمكينهم من ذلك أما بتصفية الرئيس ناصر جسديا في عدن بعد أن تمكن صالح من استدراجه إلى عدن بحجة مساعدته في إصلاح الوضع اليمني إلا أنه غدر به منذ لحظة وصوله حين وضعه في معاشيق تحت الإقامة الجبرية كما أكد ذلك الرئيس ناصر ليكن هدفا سهلا للاغتيال.
أو أن يتم تجهيز أولاد الشهداء من قبل صالح بملفات قانونية معززة بالأدلة والبراهين ضد الرئيس ناصر ورفاقه ملتزما في تسهيل مهمتهم وتوصيل قضيتهم إلى محكمة العدل الدولية .
واستشعارا بالمسؤولية الجنوبية سارع أبناء الشهداء في طرح الموضوع على قيادات وحكماء الجنوب معبرين عن صدمتهم مما طرحه صالح عليهم وعليه باشر الحاضن الشعبي الجنوبي برموزه وحكمائه في مواجهة مخطط صالح بخطة مغايرة تمثلت في التحرك السريع بموكب مشرف لزيارة الرئيس علي ناصر محمد إلى مقر إقامته في منطقة معاشيق على أن يكون أبناء الشهداء في مقدمة الموكب ويرافقهم كبار الرموز والحكماء من رجالات الجنوب وهو ما تم بالفعل وبعد العناق الحار والحوار الجاد أذهل ناصر من هول ما سمع وأنبهر من عظمة هذا الموقف الجنوبي المشرف وكشف كل طرف عما في جوفه من مخططات صالح الخبيثة التي دمرت الكل .
المرحلة الثانية :
حين بلغ الرئيس صالح خبر اللقاء الجنوبي الذي جمع بين أولاد الشهداء والرئيس ناصر وجه فورا بنبش مقابر ١٣ يناير في معسكر طارق وغيره بهدف إشعال الفتنة بين أبناء الجنوب إلا أن هذه الخطوة اللا أخلاقية قوبلت باستنكار جنوبي عارم وعلى إثرها تحرك الحاضن الشعبي برموزه وحكمائه للرد على مخطط صالح الخبيث وكان الرد مزلزل عندما اتفق الجنوبيون على تبني مشروع التصالح والتسامح الذي تم الإعلان عنه في اللقاء الجنوبي الجنوبي بجمعية ردفان وتبعه النزول الشعبي إلى كل المحافظات الجنوبية لتجسيد التصالح والتسامح على أرض الواقع الجنوبي.
المرحلة الثالثة :
عندما بلغ صالح خبر تنفيذ الجنوبيون لمشروع التصالح والتسامح أمر بإحياء النزاعات القبلية والمناطقية والجهوية والحزبية في الجنوب وقدم السلاح والمال لخلاياه وأنصاره لتفجير الوضع قبليا في كل منطقة جنوبية بهدف إفشال عملية التصالح والتسامح الجنوبي ليصدم بردة فعل جنوبية عظيمة ومزلزلة تجسدت في إنفجار الثورة السلمية للحراك الجنوبي فجن جنونه وفقد صوابه ولم يعرف كيف وماذا عساه أن يعمل أمام هذا التحدي الجنوبي العظيم إلا أنه استجمع قواه وحرك مكناته العسكرية والمالية والاستخباراتية والأعلامية بهدف القضاء السريع على الثورة الجنوبية التي عجز عن توقيفها حتى ليوم واحد حينها لم يكن أمامه وأمام مستشاريه إلا أن يعملوا على حرف مسار الثورة الجنوبية من ثورة سيادية تطالب باستعادة الدولة الجنوبية إلى ثورة حقوقية سياسية تطالب بمناصب سياسية وسكن ورواتب شهرية ووظائف حكومية .
فتصدى شعب الجنوب الثائر لكل هذه المغريات مصمما على استعادة دولته مهما كانت التضحيات حينها سقط صالح بكل هيلمانه وانتصرت ثورة الجنوب السلمية.
د يحيى شائف ناشر الجوبعي
عدن 3/8/2024