بقلم /أ.د ميثاق باعبّاد الشعيبي
كاتب جنوبي بارز ومفكر سياسي اكاديمي
لقد عانت دولة الجنوب ويلات الحرب، والاستياء الجماعي مما آلت إليه أوضاع الجنوبيين بعد الوحدة المشؤومه، واحتلال الجنوب من أزمات مفتعلة ممتدة، ونزاعاً عنيفاً على مدار فترات زمنية مطولة، والأزمة الاقتصادية الحالية لهي أسوأ أزمة مرت على الجنوب منذ عقود، وما اقدمة علية حكومة الفساد اليمنية من جرعة اضافية قاتلة، برفع سقف سعر الدولار الجمركي، في ظل تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي والحربي، ولا نستطيع التنبّئ المناسب للخروج من هذا الفساد المنظم حيث تبرز صعوبة إيجاد الحلول الكفيلة بوقف تدهور الاوضاع المعيشية والاغراقات الإقتصادية ..
فهل يدرك رئيس دولة اعلى هرم فساد مجلس الوزراء اليمني، أن مواطني الجنوب غاضبة، وأن غضبها مكتوم خوفًا على أمن الجنوب واستقرارها، وثقة في انحياز الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي لها، ولذلك تتجرع المرارة والألم في صمت مطبق، يخترقه الأنين الذي يعبر عن الوجع والحرمان؟
يتساءل الناس: لماذا تبقى الأوضاع في حالة تردٍّ مستمر؟ وإلى متى يتحملون تبعة فاتورة الضريبة والجرع المفرطه الإضافية التي داست على كل المحرمات وانتهكت مفهوم الإنسانية وتجاوزت كل القيم؟ لماذا لا تبحث حكومة الفساد لاشباع بطونهم عن البدائل، وفقه الأولويات؟ ...
إنها معضلة حقيقية نواجهها، وأعمال خبيثة مفتعلة، لا يمكن القول إن الأزمات العالمية فقط هي المسئولة، بل حكومة الفساد اليمنية تتحمل المسئولية تجاه تفاقم الأحوال الاقتصادية والاجتماعية التي نعيشها، الارتباك، القرارات المتضاربة، الصراعات بين المسئولين في المجلس القيادي والحكومة اليمنية على الملف الاقتصادي، سياسات البنك المركزي المتضاربة، عدم القدرة على جذب الاستثمار، عدم الفهم الصحيح للتعامل على جلب المستثمرين والقطاع الخاص في العاصمة عدن، كل هذه أسباب لا يمكن تجاهلها، ولا يمكن تبرئة المسئولين عنها ..
القيادة السياسية في الإنتقالي توجه وتطالب بإزالة العقبات ومراعاة البُعد الاجتماعي في كافة القرارات، لكن جمهورية الإحتلال العميقة، ولوبي السلطة تُفْشِل أي إمكانية للنجاح، وتضيِّق الخناق على المواطنين، فتكون النتيجة حالة من السخط العارم وزيادة في حدة الاحتقان ..
الناس في الشارع وفي كل مكان تتحدث عن الغلاء الذي ألهب ظهورها، والدولار الذي سحق آمالها، والحياة الاجتماعية التي أصبحت لا تُطاق بعد أن تحولت البيوت إلى ساحة للجدل والعراك ..
فنحن لا نستطيع أن نغمض أعيننا عن هؤلاء الذين يعانون ويتألمون في صمت، تأخذهم العزة والكرامة، يسدلون الستار على أوجاعهم، وكأنهم يرتضون الجوع بديلًا عن الحاجة والعوز ..
أن الحكومة لديها الإمكانات اللازمة وبنية تحتية قوية تؤهلها لعبور أي أزمة، لكن حكومة الفساد اليمنية ليس لديها نيه صادقة حقيقية بوضع خطة قوية لإنقاذ البلاد، وحماية التراتب الاجتماعي من الطبقة المتوسطة والطبقة الدنيه العاملة التي تعاني من الأعباء الاقتصادية، وراتب المواطن الجنوبي الموَقَّفَ لأشهر عَمْدًا، الذي يحصل على 60 ألف ريال يمني قلَّ او كثُر، لا يكفي معه اسبوع في ظل الغلاء الفاحش الذي نشهده الآن، ولسان حال كل فاسد في الحكومة أُدركُو صعوبة الظروف، وتداعيات الأزمة، مبررات واهية لا تنطلي على أحد، لأننا على علم بخطورة المرحلة وأبعادها السياسية في اصطناع ألازمة بل ألازمات المركبة على مختلف الصُعد، حتى عمال الحرف المختلفة في قطاع البناء عاطلون ولا يعملون ..
نطالب بإقالة رئيس حكومة الفساد واحالتة لتحقيق والقضاء، والجنوب فيها من العقول النزيهة ما يستطيع أن يبني دولا وليس دولة واحدة ..
الوطنيون الحريصون على الوطن، رجال الدولة الشرفاء أصبحوا يتحسسون كلماتهم، وكأن على رؤوسهم الطير، لماذا لا يتحدثون عن الواقع بصراحة ويطرحون الحلول البديلة؟
بصراحة، لماذا نترك الأوضاع تتفاقم، ونترك الفرص سانحة لمن يريدون سيناريو 7 يوليو 94 من عصابات التطرف والفخيذة والنهج الشمولي، ومليشيا السلالة الإمامية الكهنوتية الفارسية الإرهابية اليوم، فينهار كل شيء؟
المزايدات لا تتوقف، والخطاب العقلاني أصبح غير مقبول، والضخ الإعلامي اليمني المظلل من الداخل ينشر الأكاذيب فتجد آذانًا في الخارج تسمعها، لأن العقل الباطن بات مهيأً بعد أن انهارت الجدران القوية التي كانت تتصدى وتحمي العقول ...
علينا أن ندرك أن الفساد اليمني قد استشرى رغم جهود الأجهزة الرقابية، فمن أبرز اشكال الفساد استغلال المنصب ونهب المال العام، ولا يتوقف أو يتقلص الفساد بوجود تشريعات فحسب، بل من الجلي أن هناك حاجة تدعوا إلى وجود ضمانات وآليات تتطلع بحماية المال العام والمحافظة عليه، وقد شدَّدَ الانتقالي الجنوبي على الجدية في عمل الحكومة لتجفيف منابع الفساد، وقد استنكرت رئاسة الانتقالي تقاعس الحكومة في محاربة الفاسدين، وأن الشارع الجنوبي لا يكفُّ عن الحديث قهرا من الظروف المعيشية، وأن الوطن بأسره بين مواطن ومستوطن بات مكلمة تروى حكايات وقصصا بعضها صحيح وأغلبها شائعات شعواء من بؤر استيطانية يمنية، هدفها فقدان الثقة والتشكيك والتشوية في القيادة السياسية الجنوبية ..
ولكن إحساس المواطن الجنوبي بالقدرة على المواجهة، وطرد لوبي الفساد، والخروج من الأزمة وتحمُّل تبعاتها، الذي مازال يمثل حائط الصد الأخير، ووقوفهم الجاد الى جانب جهود الزُبيدي الحثيثة، لتداعيات النزوح المُسيس الذي نشهده اليوم واستمرار الهيمنة العسكرية الإخوانية، وتصاعد مخطط التغيير الديموغرافي والعبث الأمني والوضع الإنساني الذي تعمل عليه هذه القوى اليمنية الارهابية بالمهرة ووادي حضرموت، والمحاولات المتكررة الرامية إلى تعطيل استكمال تنفيذ اتفاق الرياض، وإرباك المشهد وإفشال عمل حكومة المناصفة ..
وإذا كان اللوبي اليمني يرى أن الواقع الراهن فرصة للإثارة والمزايدة، فإن الشعب الجنوبي، رغم وجعه وألمه من جراء هذه الأزمات المُركّبة بالقطع لن يفرِّط في أمن بلاده واستقرارها، خاصة أنه يدرك الهدف الحقيقي من وراء هذه الدعوات المسمومة لهدم كل إنجازات الانتقالي الجنوبي، والتي تحتاج من كل الاحرار إلى صلابة وتصدٍّ أكبر، وإننا على ثقة بأن القيادة السياسية تراجع الأمر برمته، ولن تترك الأحوال تتردى بهذه الطريقة، وحتمًا سيُعاد النظر في العديد من السياسات وسبل العلاج الممكنة للحماية الاجتماعية لحين التخلص من تداعيات الأزمة الراهنة ..
وهناك لوبي يمني يحاول استغلال هذه الحالة، وهناك مَن يسعى إلى تأزيم المواقف، وهناك من يصدع رؤوسنا في الفضائيات بالحديث عن حلول سحرية وهو يعرف استحالتها في ظل موظف الفساد اليمني، وهناك مَن يطالب الانتقالي ان يتنحى مقابل حل ألازمات المفتعلة، وكل هؤلاء ليسوا سوى مزايدين وكذابين، وليس لديهم رؤية حقيقية يمكن أن تمثل خروجًا في ظل تداعيات الأزمة العالمية والمحلية المركبة ..
ونحذر الجنوبيين من الدعوات المسمومة التي ستهدم كل المشروعات والإنجازات السياسية والعسكرية التي حقهها الانتقالي ويعيد الجنوب إلى المربع صفر، وكلام الرئيس الزُبيدي واضح وصحيح، فالجنوب قادم، والناس تستوعبه وتعرف أن تكرار تجربة الأخطاء ستكون تكلفته انهيار الجنوب ودمار المؤسسات هذه المرة، ولذلك يتحمل الجنوبيون تبعات ما يجري، لأن هناك شعاعًا من الأمل لا يزال ينير عقولهم وقلوبهم ..
إذن ما العمل؟! هذا سؤال يردده الجميع، وهذا سؤال يشغل القيادة السياسية في الإنتقالي الجنوبي التي لا تتوانى في البحث عن سبل الإنقاذ العاجل السريع، ربما أعطتنا الأزمة دروسًا يجب استيعابها، وربما أدركنا الآن أن خيارنا تتمثل الأولى في المواجهة السريعة، والاستيعاب، وتحويل مسار القوى الصانعة للأزمة، والتركيز على أسبابها الجذرية، والتعافي من آثارها، والتعامل مع أية مشكلات مستقبلية للاكتفاء الذاتي إلى جانب الأبعاد الاقتصادية لحسن استغلال الموارد المتاحة، وابعاد التنمية المستدامة التي تأخذ بعين الاعتبار، مع الاهتمام على نحو خاص بالركائز الثلاث للتنمية المستدامة التي تُلبي احتياجات البشر،
لكن ذلك يحتاج إلى عقول تفكر إلى جانب الرئيس الزُبيدي، نحتاج إلى صراحة في مناقشة الأمر، واعتبار قضية الاكتفاء الذاتي «قضية أمن قومي»!! ..
ولذلك ندعو القيادة السياسية في الإنتقالي الجنوبي لاتخاذ إجراءات سريعة مهمة لصالح الاقتصاد الجنوبي، وحماية للفئات الاجتماعية المختلفة، وسعيًا إلى دفع عجلة الاقتصاد الجنوبي للأمام، والتخلص من الأعباء وعراقيل اللوبي اليمني التي لا تزال تقف عقبة أمام التنمية الاقتصادية وجذب الاستثمارات في الجنوب ...
إن الجنوب في حاجة ماسة في الوقت الراهن إلى هذه الخطوات والآليات التي من شأنها وقف التدهور وفرملة صعود الدولار على حساب العملة المحلية ومراجعة الكثير من المواقف والأولويات، والعمل على عقد مؤتمر تحالف جنوبي وطني للعمل الأهلي التنموي بقيادة الرئيس عيدروس الزُبيدي كواحد من أهم آليات المشاركة في الحماية الاجتماعية للفقراء والمحتاجين في أنحاء الجنوب، وهذا لن يتم إلا بمشاركة واسعة من الجميع بما يُفضي إلى تفعيل مقررات المؤتمر الاقتصادي الجنوبي تفعيلًا صحيحًا وسريعًا ..
وعلى الحكومة المنصافة الجنوبية تقديم الكثير من التسهيلات للاستثمار والمستثمرين، والقضاء على لوبي البيروقراطية في الحكومة اليمنية التي تحارب المستثمر الأجنبي، والحفاظ الموارد المالية لتحقيق نفع عام، وان تدرك بان الثروة السمكية والصناعة والزراعة والاستثمار والتنمية المسدامة لازدهار الأوطان وتقدمها، ومن هنا نعي ان التنمية الحقيقية هي التنمية البشرية المستدامة التي تهدف إلى تطوير قدرات الإنسان وتحريره من ربقة التخلف والجهل والأمراض والأوبئة والفقر عن طريق تحسين دخله السنوي وتوفير رعاية صحية جيدة وتعليم متطور يؤهله للتكيف مع الوضعيات المعقدة التي يجابهها، وهم أملنا في الخروج من الأزمة المصطنعة الحالية ...
حفظ الله الجنوب وشعبة العظيم المكافح الصابر