كتب / غازي العلـــوي
في غمرة الأحداث المتسارعة والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تتجه من سيئ إلى أسوأ، وفي زحمة العمل ومشاغل الحياة الكثيرة شدني الحنين للاستماع لبعض الأغاني الطربية الأصيلة من تلك التي تتحفنا بها إذاعة (هنا عدن)، فإذا بصوت الفنان المرحوم فيصل علوي يصدح بتلك الأغنية الشهيرة التي صاغ كلماتها الشاعر المرحوم حداد حسن الكاف، والتي يقول في مطلعها "بسألك يا عاشور عن حال البلد.. واخبار غنانا وكيف الحال في البلده.. بالله خابر عاد حد من بعد حد.. أو عادهم في ذكر حداد.."
وبعيدًا عن المغزى من كلام الشاعر ومن واقع الحال المعاش، برزت في مخيلتي الكثير من التساؤلات، وقد تبرز للكثير منا بين الحين والآخر بطريقة أو بأخرى، ترى: كيف حال الكثير من الأسر اليوم؟ كيف واقع الناس في القرى والأرياف الذين لا يمتلكون مصدر دخل سوى رواتبهم الحكومية التي لا تتجاوز مائة ألف ريال؟! ترى كيف حال الكثير من أصدقائنا وزملائنا الذين انقطعت بيننا وبينهم السبل وانقطع تواصلنا بهم وهم من المتعففين الذين يستحال أن يمدوا أيديهم لأي أحد بطلب العون والمساعدة؟ ترى كيف حال الناس؟ وكيف أصبحت معيشتهم بعد أن أفقدتهم هذه الحرب فلذات أكبادهم وجار عليهم الزمن وانقطعت الكثير من مصادر دخلهم؟ كيف؟ وكيف؟ وكيف؟ والكثير من الأسئلة التي تصيب المرء بالحسرة والندم والقهر على حال الناس في هذا البلد.
لا شك أن حال الناس قد وصل إلى حال كارثي أجزم بأنه لم يعد بمقدورهم تحمله أو التكيف معه، فإذا كنا نحن أصحاب المهن المتعددة والذين نعمل ليل نهار قد تأثرنا بهذه الأوضاع وأصبحنا بالكاد نوفر أبسط متطلبات الحياة لأسرنا فما بالك بأصحاب الدخل المحدود والذين لا يمتلكون أي وظيفة وأصحاب الأسر الكبيرة؟ بالطبع فإن حالهم سيكون كارثيًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى!
هي الحرب إذن بمختلف أشكالها وصورها تلك التي شنتها قوى الهيمنة والتسلط وما تزال حتى يومنا هذا ضد الجنوب أرضًا وإنسانًا، ومع كل هذه الحروب التي وصلت إلى محاربة الجنوبيين بقوت أطفالهم ما زال شعبنا صابرًا ويكابد الظروف المعيشية، أو كما قال الفنان المرحوم محمد سعد في إحدى روائعه حين شبه هذا الشعب بالجمل قائلا: جمل ما قد تعب أو مل ولا مره اشتكى من قسوة الأسفار".. فالكل لديه الأمل الكبير بعد بزوع ميلاد فجر المجلس الانتقالي الجنوبي بالخلاص من حقد وتسلط وسيطرة قوى الاحتلال اليمني وتحقيق الهدف المنشود باستعادة الدولة الجنوبية في ظل وطن يسوده الأمن والاستقرار والعيش الكريم، أما استمرار الأوضاع على هكذا حال فباعتقادي بأنه لن يدوم طويلا وسينفجر بركان غضب سوف يحرق الأخضر اليابس ولن يتوقف إلا بإعلان استقلال دولة الجنوب على وقع انتفاضة جنوبية لا تبقي ولا تذر.
ولعل من الأهمية أن نختم تناولتنا هذه بمثل ما بدأناها بكلمات الشاعر حداد الكاف التي ختم بها قصيدته المغناة بالقول:
كثر المشقه تورث القلب النكد
والقلب أيش يجبره لا قد حالته نكده
وإن ظلت الا هكذا الحاله نكد
ما شي صفا بعد التنكاد