إعداد / إعلام إنتقالي العاصمة عدن
الكهرباء هي المشكلة التي تُؤرق حياة المواطنين في الجنوب، وهي الكابوس الذي يسكن كل منزل من منازل المواطنين الذين لا حول لهم ولا قوة وأصبحت مشكلة التيار الكهربائي من المشاكل والقضايا الشائكة التي عانت وما زالت تعاني منها العاصمة عدن والجنوب بشكل عام خلال الثلاثين سنة الماضية.
ماضي كهرباء عدن المنور ..
«مدخل موجز عن بدايات التأسيس»
وفقًا للوثائق المتوارثة المقيدة بالتاريخ فقد كانت بدايات دخول الكهرباء إلى عدن في العام 1926م، عبر المستعمر البريطاني آنذاك، حيث أُنشئت محطة بخارية بطاقة 3 ميجاوات، لسد احتياجات قواعدها العسكرية الاستعمارية ومناطق سيطرتها من التيار، ثم أحدثت بعض التوسعات فيها وأتبعتها بتأسيس محطة حجيف البخارية وبعض المحطات الصغيرة الأخرى التي أوفت نسبيا باحتياجات السكان حينها.
عقب رحيل المستعمر البريطاني وتحقيق الاستقلال وإعلان الدولة الجنوبية، وتحديدا في العام 1975م تم إنشاء محطة خورمكسر الكهربائية بقدرة 25 م.و. والتي توسعت لاحقاً بقدرة إضافية 16 م.وات.
نظرا للتوسع السكاني والمعماري وكثرت المصانع والمؤسسات الإنتاجية والتجارية أعلنت السلطات المحلية بالعاصمة عدن في العام 1982م، إنشاء محطة المنصورة بقدرة 65 م.و تلاها بناء محطة الحسوة "الكهروحرارية" في نهاية ثمانينات القرن الماضي وبقدرة توليدية بلغت 166 م.و. الأمر الذي حقق اكتفاء ذاتي وطفرة بالغة في التيار الكهربائي بالعاصمة عدن، استمرت حتى مطلع التسعينات وتحديدا عقب إعلان الوحدة الاندماجية المشؤومة مع نظام صنعاء والتي بدأت فيه مرحلة التدمير الممنهج لتلك المؤسسة العملاقة شأنها في ذلك شأن كل ما هو جميل وعظيم صنعه أبناء الجنوب وبات هباءً منثورًا.
عقب الغزو الشمالي لأرض الجنوب، وسيطرت القوات اليمنية الغازية على مقدرات الدولة الجنوبية، بدأ نظام صنعاء العفاشي الإخوانجي بعملية وضع اليد على المؤسسات في الجنوب وتحويلها لصالحه ولصالح شعبه في الشمال وفرض سيطرته عليها بقبضة من حديد.
كانت مؤسسة الكهرباء في العاصمة عدن إحدى أهم تلك المؤسسات الخدمية التي تسلط عليها وقام بنقل آليات التحكم فيها من العاصمة عدن إلى صنعاء اليمنية وأعاد توزيع الطاقة الموجودة على كل محافظات الشمال، واكتفى خلال فترة حكمه بما هو موجود من محطات الكهرباء في الجنوب ولم يقم بتأسيس أو إنشاء أي محطة جديدة، بل قام بتخريب وإهمال صيانة الموجود منها بقصد تدميرها والقضاء عليها.
عاش شعب الجنوب حالة الحرب المستمرة والمتتالية منذ العام 1994م وازدادت سعيرها أكثر ما بين العام 2012م ــ 2022م وأصبحت تلك الأعوام مليئة بالحروب الرخيصة والدنيئة وظهر ما يعرف بـ «حرب الخدمات القذرة» وتكررت الأزمات التي يفتعلها نظام الاحتلال اليمني وحاشيته وأجهز على ما تبقى من البُنى التحتية والمرافق الحكومية والمؤسسات الاقتصادية، وجعل أبناء الجنوب يذوقون أبشع أساليب التنكيل والتجويع والاستبداد والإخضاع لتركيعهم والخنوع لأوامرهم.
عقد من الزمان
«2012م ــ 2022م» .. تسلسل درماتيكي ڪارثي مفتعل في أزمة الكهرباء
خلال السنوات العشر الأخيرة «2012 ــ 2022» ومع اندلاع ما يعرف بثورات الربيع العربي، بدأت قوى الاحتلال اليمني بالتلويح باستخدام ورقة حرب الخدمات ضد شعب الجنوب والعاصمة عدن خاصة، وعلى رأس تلك الحروب الخدماتية القذرة، «تعطيل خدمة الكهرباء».
في مطلع العام 2012م، بدأت أولى مراحل السرطان الخبيث الذي دب في جسد المؤسسة العامة للكهرباء بالعاصمة عدن، حيث تعرضت للعديد من أعمال التخريب والتعطيل وإهمال خدمات الصيانة وتوقيف مخصصات الوقود وسرقة أموال الإيرادات، وتفشي الفساد في أروقة أقسام المؤسسة بشكل كبير، وللأمانة ورغم أن تلك الفترة كانت بداية لظهور علامات وأعراض الداء الذي سيستشري لاحقا في جسد المؤسسة، إلا أنها كانت نسبياً تشكل حالة أفضل من الانهيار الكبير الذي سيتوالى تباعا ولاحقا.
خلال غزو المليشيات الحوثعفاشية البربري لأرض الجنوب، تعرضت البنية التحتية في العاصمة عدن لتدمير شبه كامل، حيث استهدفت المليشيات الغازية بالقصف الصاروخي والمدفعي معظم محطات توليد الكهرباء وخطوط نقل التيار، وتراجعت عملية توليد الطاقة إلى أدنى مستوى.
ومع انطلاقة عاصفة الحزم وبدء العمليات العسكرية لتحرير العاصمة عدن وبمساعدة الأشقاء العرب وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، تم إعادة إصلاح ما يمكن إصلاحه من خطوط نقل التيار وصيانة وترميم محطات التوليد والمحطات التحويلية، وبذل المحافظ الشهيد اللواء جعفر محمد سعد جهدا كبيرا في إعادة التيار الكهربائي تدريجيا لعموم أحياء ومناطق مديريات العاصمة عدن.
وفي فترة تولي اللواء/ عيدروس قاسم الزُبيدي قيادة السلطة المحلية في العاصمة عدن، خلفا للشهيد جعفر، كشرت قوى الشر الحاقدة على الجنوب وأهله أنيابها، وبدأت مخططاتها الجهنمية العدوانية ضد شعب الجنوب، حيث لم تكن خدمة الكهرباء بمنأى عن تلك الحرب القذرة.
ورغم الجهود الكبيرة التي بذلها المحافظ الزُبيدي حينها بالتعاون والتنسيق المشترك مع الأشقاء في دولة الإمارات العربية المتحدة والتي أسهمت بشكل كبير جداً في التخفيف من معاناة السكان، إلا أن سياسية الإذلال والخنوع التي تتبعها القوى المتطرفة المسيطرة على قرار الشرعية واصلت استخدام أساليبها القذرة وأوعزت إلى أدواتها الرخيصة وخلاياه الفاسدة المندسة في قلب المؤسسة، باستئناف أعمالها التخريبية الخبيثة وافتعال المشاكل لتعطيل خدمة الكهرباء.
وفي عهد المحافظ أحمد سالمين ربيع، حدث ولا حرج، فقد ازدادت خدمة الكهرباء سوء وتدهور وضع مؤسسة الكهرباء بشكل كبير جداً حد الانهيار، في ظل إهمال السلطة المحلية وحكومة الشرعية وتقاعسها عن أداء واجبها وتحمل مسؤوليتها تجاه المواطن.
حيث انتشر لوبي الفساد وبدء ينهش بقوة في جسد المؤسسات والدوائر الحكومية ومنها مؤسسة الكهرباء المنهكة أصلاً، وتعاونت القوى الفاسدة وبطريقة ممنهجة على إنهاك الشعب الجنوبي وكان أكثر تركيزها على العاصمة عدن على وجه الخصوص.
مع إعلان قيام المجلس الانتقالي الجنوبي، حاملة قضية شعب الجنوب التحررية، وتشكيل وحداته الأمنية والعسكرية تراجع حدة الاستهداف لمؤسسات الدولة نوعا ما، حيث بدأت تشديد عمليات الرقابة والمحاسبة وتم القبض على الكثير من العناصر والجماعات التخريبية التي كانت تقوم بعمليات تخريب واستهداف خطوط نقل الطاقة وافتعال المشاكل والأزمات لتعطيل استمرار التيار الكهربائي.
في 21 يوليو 2018م
أعلن الرئيس هادي، إنشاء محطة كهرباء عدن الجديدة "جنرال إلكتريك" بقدرة 264 ميجا، ولكنها وحتى لا تشذ عن قاعدة الاستهداف الممنهج لشعب الجنوب، فلم تبعث نورا حتى اللحظة.
استبشر أبناء الجنوب وخاصة سكان العاصمة، خيرا، عقب صدور قرار تعيين الأمين العام لهيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، الأستاذ أحمد حامد لملس، محافظا للعاصمة عدن.
واجه المحافظ لملس في بداية توليه مهامه قيادة السلطة المحلية، صعوبات كثيرة في الجانب الخدمي وخاصة الكهرباء، وأمعنت قوى الشر والفساد في اختلاق الأزمات فتارة تعطيل الصيانة وخروج المحطات عن الخدمة وتارة نفاذ الوقود، وتارات عدة إيقاف خدمات الطاقة المشتراة وعدم سداد مستحقاتها، وسط عدم مبالاة ولا اكتراث من قبل حكومة الشرعية تجاه ذلك، الأمر الذي أدى إلى تراجع الطاقة التوليدية وظلت تترنح ما بين 200 إلى 230 ميجاوات بالوقت الذي وصل احتياج العاصمة عدن من أحمال الطاقة إلى قرابة 600 ميجاوات.
إلا أنه وبفضل حنكت المحافظ لملس، الإدارية وقراراته الصائبة وإجراءاته الرادعة ضد المتلاعبين والمعطلين لخدمات المواطنين، وتعاون وإسناد من القيادة السياسية للمجلس الانتقالي وأجهزته الأمنية والعسكرية، ومن خلال خلق علاقات تعاون وشراكة حقيقية مع الأشقاء في قيادة دول التحالف العربي، استطاع أن يعيد تصويب جانب كبير من تلك الاختلالات المتراكمة وإعادة ترتيب الكثير من الأمور في مؤسسة الكهرباء.
أولى تلك الترتيبات التي وجه بها المحافظ لملس، إقالة إدارة الكهرباء التي لم تكن على مستوى مقبول من الكفاءة والنزاهة والمسؤولية، وشاب فترة إدارتها الكثير من الإرباك والتعطيل وفاحت روائح الفساد من أروقتها المظلمة.
في الـ 26 من شهر مايو 2021م، أصدر محافظ العاصمة عدن أحمد حامد عددا من القرارات التي وصفت بالتصحيحية لوضع مؤسسة الكهرباء، كان أبرزها تكليف المهندس الشاب سالم الوليدي مديراً عاما للمؤسسة خلفا لمجيب الشعبي الذي تجاوزت فترة إدارة للمؤسسة أكثر من الستة سنوات.
قرار إقالة الشعبي أثلج صدور الكثير من سكان العاصمة عدن والمناطق المجاورة واستبشر المواطنين خيرا بتعيين الوليدي المشهود له بالكفاءة والنزاهة، وبدأت المؤسسة مع إدارته تستعد عافيتها وبدأ المواطن يلمس تحسناً تدريجياً ملحوظاً في خدمات الكهرباء.
يواجه المدير الوليدي اليوم تركة ثقيلة وتحدي كبير في إدارة مؤسسة الكهرباء بالعاصمة عدن التي بات يطلق عليها الثقب الأسود بسبب الفساد الكبير الذي نخر إدارتها السابقة، وتسبب في قلة التوليد بالمنظومة وتوقف بعض المحطات الحكومية عن الخدمة وتهالكها وعدم وجود رقابة على إجراءات الصيانة التي تتم للمحطات والتوربينات والمولدات، الأمر الذي سيضعه أمام امتحان صعب ومهم جداً لأثبات وجوده وانتشال المؤسسة من أوضاعها المتردية وهو ما يتطلب تظافر الجهود من الجميع كونها مسؤولية مشتركة يتقاسمها كلا من الحكومة ومؤسسة الكهرباء العامة ومؤسسة كهرباء عدن والسلطة المحلية والعمال والموظفين والمشتركين.
أبعاد المشكلة، رؤى المعالجات والحلول من وجهات نظر بعض
وحتى تكتمل الصورة التحليلية عن "الحاضر المقلق" والمستقبل "المجهول" لكهرباء العاصمة عدن، ومقترحات الحلول والمعالجات من "وجهات نظر شخصية مختلفة" ، أخذنا في هذا "الاستطلاع الموضوعي" اراء عدد من المواطنين والكتّاب والمثقفين والإعلاميين وخرجنا بالحصيلة الاتية:
يقول الإعلامي "علي الدياني" إن مشكلة الكهرباء في العاصة عدن تحمل الكثير من الأبعاد السياسية، فقد استغلت في هذا الاتجاه كورقة ضغط لتنفيذ أجندات لأطراف نافذة في السلطة الحاكمة وخاصة في السنوات العشر الأخيرة، وكمواطن أرى أنه يمكن حل خدمة الكهرباء ولكن هناك عصابة الفساد لا تريد ذلك بحكم أنها مستفيدة من خلق هذه الأزمة.
ويرى الدياني أن حل أزمة الكهرباء تتمثل في تجفيف منابع الفساد في السلطة العليا وفي مؤسسة الكهرباء، وهي المعرقل الوحيد لتطوير وتحسين الخدمة الكهربائية، ثم العمل على صيانة المحطات الكهربائية الموجودة وتوفير لها قطع الصيانة وتشغيل المهندسين الإكفاء وتوفير الوقود اللازم لتشغيلها والعمل على دراسة إمكانية إيجاد محطات شمسية أو تعمل بالرياح أو أي محطات مناسبة لا تستهلك الوقود الاحفوري، وهذا يخفف من تلوث البيئة.
المواطن "حلمي بن سبعة" لم يستبعد أن تكون مشكلة الكهرباء ورقة ضغط تستخدمها بعض القوى المعادية لقضية شعب الجنوب لتحقيق مآرب سياسية تخدم مصالحها التسلطية، حيث قال :
فترة العشر سنوات الماضية شهدت خدمة الكهرباء تراجحا واضحا ما بين ثابت في نصف المرحلة الأول وانهيار تدريجيا في الخمس السنوات الأخيرة.
ويرجع "سبعة" ذلك الثبات الأول إلى آن السلطات حينها كانت تحاول إقناع المواطن بأنها الأجدر بالحكم عن طريق محاولة تحسين الخدمات وإبقاءها ثابتة ومستمرة ومنها خدمة الكهرباء وبالتالي تعطيل الدعوات التي كان تنادي بها جماعة الإخوان لتغيير النظام وإسقاط وقوى الحراك الجنوبي المنادية باستعادة الدولة الجنوبية.
ويرجع "سبعة" الانهيار التدريجي لمنظومة الكهرباء إلى سببين أولهما، صعود أقطاب الفساد لسدة الحكم والعبث العشوائي بالمال العام والسماح للفسدة في مؤسسة الكهرباء بالتصرف وفق المصلحة الخاصة.
والسبب الثاني القرار السياسي الخارجي الهادف إلى إيصال الناس الطامحة بالتغيير والاستقلال إلى الرضوخ بأي حل سياسي ينقدها من سوء المرحلة يعيشها المواطن وأن كانت تلك الحلول مخالف لمبادئه وطموحه في الاستقلال.
ويعتقد "سبعة" أن احتكار المؤسسة لكامل عملية الاستيراد والتزويد للوقود وإلغاء الوكلاء والوسطاء وإحالة من هم في موضع الشبهة إلى التقاعد واستقطاب شركات دولية لمعالجة المشاكل والاتفاق مع شركات بتأسيس محطات جديدة، كل تلك حلول كفيلة بتحسين خدمات الكهرباء وإعادتها إلى سابق عهده المنور والمزدهر.
الأستاذ والكاتب "عادل العبيدي" يقول : رغم أن الكهرباء منذ قبل 2011م، كانت تحت سيطرة النظام اليمني العفاشي آنذاك، ورغم أنهم جميعا يتخذون من الكهرباء وسيلة لتنفيذ سياساتهم التنكيلية ضد أبناء شعب الجنوب، إلا أن الكهرباء حينها ومقارنة بالوضع الكارثي اليوم للكهرباء في العاصمة عدن ، نستطيع القول إنها كانت لابأس وفي وضع أفضل، ولكن لا يعني هذا أنها كانت في أحسن حالاتها، وكما قلت أنها ومنذ سيطرة الاحتلال الشمالي على العاصمة عدن، مُورست علينا أبشع صور التنكيل والانتهاكات، حيث كانت الكهرباء هي أداة ووسيلة تنكيل بيد نظام عفاش، وكانت الكهرباء حينها تنقطع عدد من الساعات في اليوم الواحد، لكن ومقارنة بوضع الكهرباء اليوم تعد حينها لابأس بها.
ويضع "العبيدي" بعض الحلول المقترحة لتحسين وضع الكهرباء الكارثي الذي لا يطاق الناس تحمله ، إذا فعلاً أخلصت الحكومة القائمة والتحالف العربي والمسؤولين الإداريين الذين يعملون في هيئة الكهرباء بشكل مباشر أنهم يريدون بالقول والفعل الصادق في التحسين من تردي الكهرباء، أول هذه الحلول هي تحييد مؤسسة الكهرباء عن الصراعات السياسية، فالحاصل اليوم في البلاد، جعل هذه المؤسسة مؤسسة خدمية فقط يستفيد منها بالدرجة الأولى أهالي وأبناء العاصمة عدن، بغض النظر عن القوة السياسية والعسكرية والأمنية التي تسيطر على العاصمة عدن، وذلك لما رأينا من انحطاط أخلاقي مقيت من الحكومات والمسؤولين عندما جعلوا من أتباع سياسة تدهور أوضاع الكهرباء أداة ووسيلة سياسية يحاولون فيها تركيع الخصم المسيطر على مدينة عدن، بل أن ذلك الأسلوب الرخيص في استغلال الكهرباء للمماحكات السياسية قد امتد إلى دول التحالف العربي وذلك من خلال عدم الوفاء بما التزمت به من دعم مالي وشحنات وقود خاصة بتمويل كهرباء العاصمة عدن، كانت قد التزمت في تقديمها من قبل، وكل ذلك للضغط على الشعب الجنوبي والمجلس الانتقالي في أن يتنازلوا عن مبادئ وأهداف نضالهم المتطلعة إلى استعادة الدولة الجنوبية، ما لم فإن خرابهم سيطال ليس مؤسسة الكهرباء وحدها فقط، بل وإلى مختلف مؤسسات العاصمة عدن.
كما يعتقد "العبيدي" أيضا أن الإسراع في توفير الدعم الخاص من قبل حكومة المناصفة ومن قبل دول التحالف التي التزمت بتقديمه لإصلاح تردي وضع كهرباء العاصمة عدن، وكذلك إبعاد كل المسؤولين والعاملين من الذين عاثوا في المؤسسة فسادا، والسعي إلى وضع آلية جديدة للكهرباء لتسيير شؤون عمل المؤسسة ووضع الضوابط الجيدة من أجل الحد من الربط العشوائي، وإلزام المواطنين تسديد فواتير استهلاكهم للكهرباء كل شهر بمقابله.
يأمل الدكتور إيهاب عبد القادر، استشاري إدارة وتدريب ورئيس مركز عدن الوطني للدراسات الاستراتيجية والبحوث الاجتماعية، أن تكون الفترة السابقة كافية لإيجاد مفاتيح الحلول والمعالجات أن لم تكن شاملة وكاملة في هذا المضمار الشائك والمعقد جداً وهو ملف الخدمات العامة.
ويشيرعبدالقادر أن ملف الخدمات العامة برمته ومنها الكهرباء، والمياه، والصرف الصحي، ملف سياسي بامتياز لا تريد قوى متنفذة محلية وخارجية أن يحل في الوقت الراهن، ويستخدم هذا الملف كنوع من أنواع جديد من الحروب لتركيع شعوب ودول كخصوم وللحصول على مكاسب لصالح الجهة التي تريد ذلك في هذا البلد أو ذاك.
فالكهرباء ومثلها المياه والصرف الصحي وبقية أنواع الخدمات العامة تمثّل بلغة الحروب سلاح خطير وضعت أسسه حكومة عبدالقادر باجمال رئيس الوزراء اليمني وقتها في حرب صيف 94، واستطاع الشمال اليمني غزو وإخضاع الجنوب، وبدأت مسلسل الترهيب والترغيب في هذا الملف على مدى الأنظمة التي تداولت بعد باجمال، وبدأت بالتالي إن جاز لنا التعبير لن نقول منذ الغزو الأول للجنوب في 94، بل سنقول خلال العشر السنوات الماضي والتي اشتدت معاناة الشعب الجنوبي من هذا الملف وتعددت أسبابه وكلها واهية وغير منطقية، والمراكز على أساس سوء إدارة وإهدار المال العام وقدم للمحطة الكهروحراية والخ، الأمر الذي شكّل ضغطا نفسياً كبير وهاجساً مقلقاً للشعب المعتمد كثيراً من فترة الوجود البريطاني في عدن ومناطق المحميات الشرقية والغربية، أو ما سميت لاحقا بجمهورية اليمن الديمقراطية، فهناك بحق بون شاسع بين الحقبة السابقة والحالية التي نعيشها أيامنا هذه ولا مقارنة في ذلك.
ويتابع د. السقاف كمواطن أتمنى أن تكون هناك خطوات عملية تنفيذية جادة من قبل صناع القرار الجنوبي واستكمال مرحلة التحرر الثوري وبناء مؤسسات الدولة الجنوبية الاتحادية الفيدرالية التي ستمكن أبناء أقاليم الدولة الجنوبية من بناء وتعزيز قدرات أقاليمها ومن خلال ممثليهم وبأنفسهم مدنياً، وسياسياً، واجتماعياً، واقتصادياً وثقافيا، وبناء مركز وطني جنوبي اتحادي فيدرالي وله فروع في كافة الأقاليم الاتحادية الفيدرالية المحلية لإدارة الصراعات والنزاعات والكوارث محدثة ومتطورة لتأمين مناطق الجنوب وفق خطط استراتيجية تنموية طويلة المدى وتجسيد القوات المسلحة للقيام بواجباتها الحدودية ضد أي عدوان خارجي وأن تتمركز خارج المدن الرئيسة وفي الضواحي وإعادة انتشار القوات الأمنية غير المسلحة داخل الأقاليم المحلية وتحت إشراف ورعاية وزارة الداخلية والأمن.
فبالنسبة لملف الخدمات العامة بشكل عام يحتاج إلى قرار سياسي صارم بأن لا يسمح لأي كان صفته ودرجته العليا بالدولة الجنوبية الاتحادية الفيدرالية بالمساس بملف الخدمات من أصحاب القرار الجنوبي وعدم استخدام هذا الملف كملف سيادي مركزي خدماتي يمس حق الناس في الحياة الآمنة والمستقرة وفق الحق والعهد الإنساني للأمم المتحدة، وبإعادة جدولة الهياكل التنظيمية للمؤسسات الخدمية بصفة عامة لمنع التسيير الإداري والعمالة الفائضة فيها والتي تمت وفق أهواء قياداتها وترحيل المتقاعدين للتقاعد، وبالتالي إيجاد هياكل مالية جديدة وإيقاف النزيف اليومي للإيرادات العامة لهذا المؤسسات والبدء بتنمية بناها التحتية فنيا وديمومة صيانتها الشهرية والفصلية والسنوية.