تواصل المليشيات الحوثية المدعومة من إيران سلسلة انتهاكاتها الإنسانية بحق الأهالي من سكان مناطق شمال حجر وغربي مديرية قعطبة شمال محافظة الضالع، وذلك باستهداف مناطقهم بمختلف أنواع الأسلحة، في تعمد واضح لإزهاق مزيد من أرواح المدنيين العزّل.
قصف للقرى واستهداف للمنازل والمزارع والطرقات... ألغامٌ وعبوات وقنص وقصف ومقذوفات، وكلما استمرت هذه المليشيات بارتكاب هذه الانتهاكات يتضاعف رصيدها الإجرامي يوماً بعد يوم، في ظل صمت مريب من قبل المنظمات الإنسانية الدولية.
في الأسبوع الماضي وخلال يومين فقط سقط ستة مدنين بين قتيل وجريح أغلبهم نساء وأطفال في مناطق حجر وغربي قعطبة، إثر استهداف مناطقهم بالمقذوفات المتفجرة التي تطلقها المليشيات الحوثية.
انفجار مقذوف حوثي وسط تجمع نساء في باجة وسط منطقة حجر
يوم السبت الموافق 15 من فبراير 2020م، سقط مقذوف متفجر وسط تجمع لأربع نساء من أهالي قرية باجة وسط منطقة حجر، بينهن أطفال، ليصبن جميعهن بجروح متفرقة إثر انتشار شظايا المقذوف في جميع أنحاء أجسادهن، وقد تم إسعافهن إلى مستشفى النصر العام وسط مدينة الضالع.
في اليوم الثاني، صحيفة "صوت المقاومة الجنوبية" وفي إطار تغطيتها المتواصلة للانتهاكات الإنسانية التي ترتكبها المليشيات الحوثية، زارت المستشفيات لرصد وتتبع هذه الواقعة، فوجدنا نساءً بأجساد منهكة مزقتها شظايا الألغام، يرقدن أسيرات زوايا المستشفيات لا ذنب لهن سوى أنهن يكافحن شظف العيش وسط جبهة مشتعلة يحيط بها الموت من كل مكان.
جلسنا بداية مع الجريحة فاطمة مطنوش قاسم أحمد ذات الـ14 ربيعاً، حيث تعاني من إصابات متفرقة بساقها الأيسر وكذلك في الفخذ، سألناها عن كيفية حدوث هذه الواقعة، قالت: "ذهبنا في الصباح كعادتنا لجمع الحطب من أحد الأودية غربي عزلة باجة، وبعد أن قطعنا رحلة لحوالي 4 كم، وأثناء طريق العودة نحن الأربع ومعنا حميرنا قبيل وقت الظهر تفاجأنا بانفجار أمامنا وسط الحمير، ليسقط 2 من حميرنا ونسقط نحن جميعاً على الأرض والدماء تسيل من أجسادنا".
وأضافت: "البعض منا فقدت وعيها ولم تستفيق إلا وهي بالمستشفى، فيما بقيت أنا أحاول أتذكر ما حدث لكنه كان أشبه بكابوس مرعب، وقد كنا محظوظات لحظة وقوع الانفجار، لأننا كنا قد اقتربنا من قريتنا ونمشي بجانب الخط الإسفلتي، لهذا تم إسعافنا على الفور إلى المستشفى والحمد لله جميعنا الآن حالتنا مستقرة".
أما أمة العليم قاسم صالح محمد، والتي تبلغ من العمر 15 عاما، فهي الأخرى تعاني من إصابات بالوجه ومنطقة الصدر وكذلك في منطقة الحوض، وبعد سؤالنا عن حالها، قالت: "إن الانفجار حدث فجأة وسط الخط الإسفلتي، والطريق يمر فيه الناس كل يوم، وهذا ما يؤكد أن المقذوف أتى من الجو".
أمة الرحمن محمد أحمد والتي تبلغ من العمر أيضاً 15 عامًا، فقد تعرضت لإصابات بشظايا في الصدر والرجل وكذلك اليد، قالت: ”كنا في طريق العودة إلى المنزل، وكنا منهكين وقد أصابنا التعب، تفاجأنا بهذا الانفجار وقد أصبت وصديقاتي من بنات القرية بجروح وشظايا في جميع أنحاء أجسادنا، ولولا لطف الله لكنا الآن في عداد الموتى".
كان آخر لقائنا بهؤلاء الفتيات من الضحايا بـ أمة الخالق محمد أحمد، والتي تبلغ من العمر 17 عامًا، فقد كانت أيضاً تعاني من شظايا أصابتها في منطقة الفخذ واليد وكذلك منطقة الصدر، حالها كحال رفيقاتها في الإصابة بالشظايا وكذلك الحالة الصحية، قالت: "كنا نمشي جميعنا خلف الحمير، فحدث الانفجار وسط الحمير، فكانت أكثر الشظايا وقعت في الحمير، ولو كان الانفجار وقع بالقرب منا مباشرة، لكنا الآن في عداد الموتى".
وأضافت أمة الخالق: ”نحن نساء ليس لنا أي ذنب ولم نقترف أي خطأ، ما الذي سيتفيد منه هؤلاء القتلة من قتلنا؟! لماذا يستهدفون نساء ضعيفات لا حول لهن ولا قوة؟! لماذا تصوب أسلحتها باتجاه قرانا ومنازلنا لتقتلنا نحن وأطفالنا؟! هذا كله يدل أن هذه المليشيات تستهدف كل ما هو ضالعي وجنوبي، لم تفرق بين الطفل والمرأة والعجوز وغيرهم، فالكل تعتبره هدفًا لها، وهذا ما يجعلنا نحن النساء على استعداد لحمل البنادق لنقاتل إلى جانب رجالنا الميامين الذين يلقنونهم دروسًا في الرجولة الفداء، لكن نقول لهم: نحن نساء الضالع مهما فعلتم فوالله لن تزيدونا إلا عزيمة على سحقكم، وما هذه القذائف والصواريخ التي تقصفون بها القرى الآهلة بالسكان إلا دليل جبنكم وانعدام المروءة فيكم، وما هي إلا دليل على خسائركم وهزائمكم على يد أبطالنا، لذلك أقول لرجالنا في المتارس: أثبتوا، فما هذه الآلام التي تسببها الجراح في أجسادنا إلا لتزيدنا همة وصلابة لقتال هذه المليشيات السلالية إلى جانبكم، فنحن الحرائر لا نقل همة وشجاعة عنكم أيها الأحرار".
قاسم صالح محمد، أحد أهالي بلدة باجة وأحد أولياء أمور الجريحة أمة العليم، في حديثة لصحيفة "صوت المقاومة الجنوبية" أشار أن المليشيات الحوثية المدعومة من إيران تقوم باستهداف القرى الآهلة بالسكان ومنازل المواطنين تغطية لخسائرها التي تتلقاها في أرض المعركة، وهم - يقصد المليشيات الحوثية - يقومون بهذا العمل بشكل متعمد لإخافة الناس، لكن نقول لهم: مهما قصفتم ومهما حاولتم من محاولات لإذلال الناس، لن تجدي نفعاً، خلقنا أحرارًا وسنبقى أحرارًا، وسنفدي هذا الوطن بدمائنا وأرواحنا وأولادنا وكل ما نملك".
وأضاف: ”وعبر صحيفة صوت المقاومة الجنوبية أقدم مناشدة عاجلة لجميع المنظمات المحلية والدولية المهتمة بحقوق الإنسان أن تتدخل لوقف عبث هذه المليشيات الإرهابية بحياة الناس ومعاناتاهم، فما تقوم به المليشيات الحوثية الكهنوتية من انتهاكات بحق المدنيين شمال الضالع من قتل وتنكيل واختطافات وغيرها تعتبر جرائم حرب".
وأثناء انتهائنا من الجلوس مع هؤلاء النساء ومقابلة ولي أمر واحدة منهن داخل مستشفى النصر العام، التقينا صدفة بأحد شهود العيان لهذه الحادثة، وقال: "كنت حينها أرعى راحلتي بالقرب من مكان سقوط المقذوف والذي أصاب الأربع النساء في باجة حجر، وقبل الانفجار بثوانٍ سمعت صوتًا مر بالهواء من اتجاه الشمال واتجه جنوباً لأسمع بعدها بثوانٍ الانفجار، ومن ثم صراخ النساء، اتجهت بسرعة نحو المكان فرأيت النساء والحمير كلهم مضرجون بالدماء، ومن ثم أتى أحد باصات الأجرة المارة، وتم إسعافهن فيه باتجاه سناح".
وشاهد العيان هذا أكد أن المقذوف الذي استهدف النساء والذي أتى من اتجاه الشمال هو مقذوف تابع للمليشيات الحوثية، لأن الأماكن التي أشار لها شاهد العيان تابعة للمليشيات الحوثية حيث تتمركز جنوبي منطقة العود.
حادثة انتهاك أخرى ارتكبتها المليشيات الحوثية راح ضحيتها شهيد وجريح
بعد حادثة استهداف نساء باجة بيوم واحد فقط، عاودت المليشيات الحوثية هوايتها في قصف منازل المدنيين في منطقة سُليم شرقي مدينة الفاخر، وعادت لتتلذذ بسفك دماء الأبرياء وإزهاق أرواحهم.
عند وقت الضحى صبيحة يوم الأحد الموافق 16 فبراير/شباط 2020م، وأثناء انشغال الناس بالبحث عن لقمة عيشهم، والذهاب باتجاه مزارعهم ووديانهم وأعمالهم، أبت تلك المليشيات إلا أن تواصل إجرامها الوحشي بحقهم وتنشر الخوف والرعب في أوساط النساء والأطفال منهم، حيث وجهت فوهة مدفعها لتستهدف البلدة بعدد من قذائف الهاون، سقطت إحداهن وسط مزرعة لأحد المواطنين يدعى عمر عبدالله صالح حَيمد ليرتقي شهيداً، وأصيب آخر و يدعى عبدالكريم محمد السيد بجروح خطيرة، تم إسعافه إلى مشفى النصر وسط المدينة وحالته حرجة.
حالة من الهلع والخوف تصيب النساء والأطفال
لم يقف الأمر هنا، هناك حالة من الخوف والرعب دبت حينها في نفوس أهالي القرية، خصوصاً شريحتي النساء والأطفال حينما رأوا قذائف الموت تتساقط على منازلهم وفوق رؤوسهم، ليس بيدهم شيء ليعملوه سوى انتظار الموت الآتي من الجو في أي لحظة، مسلمين أمرهم لله.
لذلك تضع المليشيات الحوثية أهالي هذه المناطق بين خيارات صعبة، إما النزوح والتشريد والجوع، وإما البقاء في مناطقهم في انتظار المصير المجهول، تحت رحمة قذائف الموت التي ترسلها باتجاهِ مساكِنهم.