كتب /عبدالكريم أحمد سعيد
في جنوب اليمن، شعب حي يعشق الحرية ويحب السلام، يئن ويصرخ بأعلى صوته منذ عام 1994، بعد اجتياح القوات الشمالية للجنوب، والعبث بوطنه، أرضا وإنسانا، من قوى تقليدية نافذة في اليمن( قبلية ودينية وعسكرية)، وأضحى الجنوب أرضا مباحة للنهب والسلب، يعبث بها الطغاة والفاسدون، وأصبح أهله غرباء في وطنهم، ومشردون بالمنفى، لم يجدوا من يسمع وينصت لمطالبهم المشروعة! مضت سنوات عجاف لم يتحرك فيها الضمير العربي، ولا الضمير الإنساني الدولي، في زمن طغت فيه المصالح الدولية على حساب القيم والمبادئ الإنسانية العظيمة المنظمة لحياة الشعوب وحقها في العيش الكريم،
لهذا خرج الجنوبيون بأكثر من عشرين مليونية للمطالبة بالحرية واستعادة الدولة الجنوبية بشكل سلمي وحضاري، بعد فشل تجربة الوحدة، وتنصل الطرف الشمالي من تطبيق ما ورد في بنود الاتفاقية المبرمة بين الدولتين السابقتين(جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية)، وتحويلها من وحدة طوعية إلى احتلال للجنوب، إلا إن تجاهل المجتمع الدولي والإقليمي لمطالب الجنوبيين، والذي استمر لعقود من الزمن قد ألحق ضررا نفسياً ومعنوياً ومادياً بالمجتمع الجنوبي، خلال هذه الحقبة المظلمة وما عاناه الشعب في الجنوب، من بؤس وحرمان وتجهيل يصعب سردها هنا بكلمات عابرة في سطور.
في مراحل نضاله السلمي قدم شعب الجنوب الغالي والنفيس في سبيل الخروج من محنته، وضحى بآلاف الشهداء والجرحى من أجل حريته وكرامته، واستعادة دولته الجنوبية (بنظام ديمقراطي فيدرالي جديد) يسود فيه العدل والمساواة بين كل شرائح المجتمع الجنوبي، بعد القضاء على كل معالم دولته السابقة، وذبحها غدرا أمام مرأى ومسمع الجميع، بخطة تآمرية دنيئة وعمل إجرامي بشع، تم الإعداد له مسبقا من قوى وعصابات حاقدة على الجنوب (قبلية، دينية وعسكرية) لا تريد الخير للشعب والوطن، وكانت وما زالت تفكر فقط بمصالحها وإطماعها، ولا تعير للإنسان أي اهتمام يذكر، كل همها احتكار السلطة ونهب ثروات البلاد والعباد، وتجهيل الناس، ومحاربة رجال الفكر، ومضايقة العقول النيرة، وتطفيش الكوادر المثقفة، وشراء ذمم الناس بأرخص الأثمان، حيث كان صالح ونظامه البائد يضع الجنوبيين أمام خيرات أحلاها مر، أما ان تكون تابعا مطيعا للزعيم وتدخل مدرسة الفساد، عبر الانضمام للمؤتمر الشعبي العام، أو مجرما وإرهابيا في حزب “الإصلاح”، وأما أن تكون مهمشا بعيدا عن ملعبه، فتصبح ضمن قائمة المغلوب على أمرهم، تفقد كامل حقوقك القانونية والإدارية، وتجد نفسك في البيت من دون عمل، وهذا يعني الموت البطيء والتخلص منك بشكل غير مباشر، أو مشردا خارج الوطن، وإذا تجاوز أحد الخطوط الحمراء لمعارضة فكرهم المتخلف فهذا يعني انك تختار الموت السريع!
كانت وستظل سياسة الترغيب والترهيب هي السائدة في منظومة الحكم الشمالي بصنعاء، وهو ما لم يتقبله الجنوبيون طوال الفترة الماضية، كبقية مناطق اليمن الأخرى التي أصبحت جزءا من هذه المنظومة المتخلفة مع الأسف.
أقول لمن لا يزال يتغنى اليوم باسم الوحدة: كفى دجلا وكذبا وتظليلا، لقد جربها شعبنا وذقنا مرارتها جميعا، ودفعنا ثمنها باهظا، وكان آخرها حرب عام 2015 تمكن شعبنا بعون من الله وبدعم التحالف العربي اللوجستي لأبطال المقاومة الجنوبية من طرد قوات نظام صنعاء الغازية لبلادنا، وأصبح الجنوب اليوم بيد أبنائه، لديه قوة عسكرية وأمنية، وقيادة سياسية، فوضها شعبنا في الرابع من مايو2017، استطاع المجلس الانتقالي الجنوبي بحنكة وذكاء اخراج الجنوبيين من الدائرة المغلقة التي وضعها المحتل بخبث ومكر ودهاء، وكانوا يراهنون عليها كثيرا ليستمر حكمهم للجنوب فترة طويلة كما هم يعتقدون.
اليوم اقترب الجنوبيون من تحقيق الهدف المنشود، الذي يلوح ببزوغ فجر جديد انتظروه طويلا، بعد تضحيات جسيمة وصبر وعناء، لشعب حر يعشق الحرية والحياة الكريمة، ليعيش كبقية البشر في هذا الكون الفسيح، الذي تنظمه القوانين والتشريعات المدنية، والقيم الإنسانية والحضارية والدينية بمفاهيمها المعتدلة، بعيدا عن العنف والتطرف والإرهاب، خالية من كل أشكال العنصرية والفوضى والكراهية للآخر. الجنوبيون شعب مسالم يتعايش مع جميع الديانات والبشر على مر التاريخ، والشواهد على ذلك كثيرة لمدينة التعايش والسلام عدن.
نعم، انها عدن عاصمة الجنوب الأبدية المعروفة بالانفتاح والتسامح وطيبة أهلها وجمال طبيعتها، ومناظرها الساحرة المطلة على ساحل بحر العرب وخليج عدن في أهم الممرات الدولية، ولأهمية موقعها الستراتيجي كانت عرضة للاحتلال الأجنبي منذ القدم، ومازالت أنظار العالم تتجه اليوم نحو عدن، طمعا فيها وبثروات الجنوب الواعدة.
رعاك الله ياعدن من كل طامع وحاسد.