سربت مصادر مقربة من رئيس حكومة الشرعية الجديد معين عبدالملك تقريراً تم رفعه للأخير يتضمن معلومات خطيرة عن ممارسات فساد كبيرة جداً وتفوق التوقعات ارتكبتها قيادات ومسؤولي الشرعية في عهد رئيس الحكومة السابق أحمد عبيد بن دغر تقوده وباقي المسؤولين بمن فيهم الرئيس منتهي الولاية هادي، إلى المحاكمة والإعدام، بسبب الجرائم المرتكبة والتي تعد تهديداً للأمن القومي اليمني.
ويكشف التقرير الذي حصل “المساء برس” على نسخة منه عن ممارسات فساد وشللية في عدد من الشقق المفروشة في مدينة عدن يتم اتخاذها كمقرات لوزارات حكومة الشرعية، ومهمتها الرئيسية تصريف المبالغ المالية المهولة التي يتم رصدها كنفقات تشغيلية لهذه الوزارات “الشقق” بطريقة مالية رسمية، على الرغم من عدم قيام هذه الجماعات الشللية بأي مهام لخدمة المواطنين.
وحسب التقرير فإن المسؤولين في هذه الوزارات يجمعون حولهم عدداً من أقاربهم وتمارس كل مجموعة مهام معينة في الوزارة بمخصص مالي معين ولا يتدخل كل مسؤول بما يفعله المسؤول الآخر أو ما ينفقه من أموال وتستند كل مجموعة إلى مسؤول كبير لحمايتها.
وحسب التقرير فإن العصابات والشللية التي شكلت حكومة بن دغر، بنت إمبراطورية مالية مهولة من الأموال التي تأخذها شهرياً باسم نفقات تشغيلية للوزارات التي تعمل فيها.
وفي الوقت الذي يُحرم مجندوا الشرعية من مرتباتهم، يكشف التقرير أن إيرادات مبيعات النفط التي تصل إلى البنك الأهلي السعودي ولا تصل إلى البنك المركزي اليمني بعدن، والتي يتم تحويلها من الأهلي السعودي إلى حسابات خارجية باسم الشرعية يتم إنفاقها على الموظفين في الشرعية المتواجدين خارج البلاد بعد تحويلها بالدولار، بالإضافة إلى الإنفاق على السفراء والملحقين بالسفارات الذين تم تعيينهم خلال فترة الحرب، ويلفت التقرير إلى أن الإنفاق على السفارات والملحقيات يتم بازدواجية الصرف، حيث يتم صرف رواتب المعينين في الخارج بالسفارات بعيداً عن أي إجراء قانوني وكشف التقرير أن جهات دبلوماسية يمنية في الخارج تستلم رواتبها بالدلار من الاعتماد المخصص للهيئات الدبلوماسية وفي الوقت ذاته يتم صرف اعتمادات أخرى بالازدواج من الرئاسة في عدن، بعد تحويل هذه الأموال إلى الدولار إرسالها خارج اليمن.
وحسب التقرير أيضاً فإن جميع العاملين في قصر معاشيق بعدن يتمتعون بخدمات فارهة حيث تصرف لهم الوجبات الجاهزة، لدرجة أن كل مسؤول يحصل على مذبوح “شاة” يومياً كوجبة رئيسية بخلاف الوجبات الأخرى صباحاً ومساءً، بالإضافة إلى مشروبات روحية “خمور” مختلفة الأنواع، والأكثر من ذلك هو بلوغ درجة الرفاهية لدى مسؤولي الشرعية بقصر معاشيق في ظل هذه الظروف القاسية على الشعب اليمني حداً لا يمكن تخيله، حيث تبين أنه وإلى جانب الوجبات التي تأتي جاهزة من خارج “معاشيق” يتم أيضاً طباخة وجبات أخرى، ويكشف التقرير أن هذه الوجبات لا يتم طباختها إلا بالمياه المعدنية، وتكلفة هذه المياه – المخصصة للطباخة فقط – 5 ملايين ريال يومياً.
ويظهر التقرير أيضاً مدى الإنفاق الهائل لشراء ولاءات الشخصيات والمشائخ ودفعهم لمغادرة مناطقهم الواقعة تحت إدارة سلطة صنعاء، كما حدث مع أعضاء مجلس النواب الذين تم استجلابهم إلى الرياض قبل فترة حيث وزعت الشرعية عليهم مبلغ “مليار وستمائة وواحد وسبعين مليون ريال” رغم أن من تم استجلابهم للرياض لا يتجاوزون الـ50 عضواً بما فيهم الأعضاء المتواجدين في الرياض من قبل، وهذه الأموال التي يتم نهبها من مال الشعب يعد إنفاقها بهذه الطريقة في ظل هذه الظروف أكبر جريمة بحق اليمنيين كلهم.
كما كشف التقرير عن نفقات وهمية بهدف تصريف الأموال المخصصة لهيئات الشرعية، غير الموجودة أصلاً على أرض الواقع، من بينها على سبيل المثال نفقات صيانة طائرة الرئيس هادي بمبلغ 500 مليون ريال والتي تم صرف قبل فترة وجيزة وتبين عدم وجود أي صيانة للطائرة.
وفي الوقت الذي تشن الإمارات هجوماً عسكرياً للسيطرة على ميناء الحديدة آخر منفذ بحري استراتيجي للشعب اليمني، يكشف التقرير عن الفساد الحاصل في ميناء عدن وكيف يتم نهب إيراداته، حيث تبين أن إيرادات الميناء الذي تسيطر عليه الإمارات عسكرياً وإدارياً، تذهب جميعها للقيادات فيما يسمى “المجلس الانتقالي الجنوبي” الذي أنشأته أبوظبي.
وفي السياق ذاته أفاد مصدر مطلع من داخل مؤسسة “رئاسة الشرعية” أن هادي سحب مطلع العام الجاري مبلغ مليار و800 مليون ريال، حيث قام بصرفها مدير مكتبه عبدالله العليمي دون أي سند قانوني تم سحبها من الخزينة العامة، مشيراً إلى أن هناك وثائق تثبت هذا الاختلاس.
وفيما يخص صرف مرتابت الوزراء والوكلاء في حكومة هادي، تبين أن جميع مسؤولي “الشرعية” بمن فيهم المتواجدين في عدن لا يتم صرف مرتباتهم وتوابعها من مكافئات وغيره إلا بالعملة الصعبة، وفي أحيان قليلة فقط يتم صرف المكافئات بالعملة المحلية، وعلى سبيل المثال فإن مكافئات أعضاء مجلس إدارة البنك المركزي، الذي لم يعد له أي مهام فعلية، تبلغ 2 مليون ريال لكل عضو شهرياً بخلاف الرواتب، كما يكشف التقرير أن بعض العاملين العاديين في رئاسة الوزراء بـ”الشرعية” تبلغ مكافئاتهم الشهرية نصف مليون ريال لكل شخص.
ويضيف التقرير أن مئات الملايين من الريالات يتم صرفها شهرياً بعهد بن دغر، حيث يتم استخدام تقارير طبية وهمية وبأسماء وهمية وأحياناً بأسماء لأشخاص لا علاقة لهم بهذه التقارير الطبية لصرف ملايين الريالات من الخزينة العامة في حين لا يجد الجرحى الذين قاتلوا مع الشرعية العلاج في حين يتم صرف الملايين من قبل مسؤولي الشرعية بعد المتاجرة بأسمائهم وبأسماء أخرى على أنهم جرحى ومصابين.
وبخلاف الباب الأول للمرتبات والأجور وخلافاً لنفقات الأمانة العامة للرئاسة، كشف التقرير إن نفقات مكتب رئاسة الجمهورية بقصر معاشيق في عدن تبلغ شهرياً في الباب الثاني 400 مليون ريال والنفقات من الباب الثالث تبلغ 300 مليون ريال.
أما نفقات رئاسة الوزراء في الباب الثاني تبلغ 290 مليون ريال شهرياً، والباب الثالث 247 مليون ريال شهرياً.
في حين بلغ إجمالي الاعتماد المخصص للأمانة العامة لرئاسة الجمهورية 108 مليون ريال شهرياً، رغم أن مسؤولي الأمانة العامة للرئاسة لم يعد لهم وجود داخل عدن ولا يزالون في العاصمة السعودية الرياض.
كما لفت التقرير إلى السبب الرئيسي لهبوط قيمة العملة المحلية حيث ورد في التقرير أن عبثاً يتم في إجراءات الجهات المالية للحكومة حيث “يتم في نهاية كل شهر قطع الشيكات وصرفها وشراء عملة صعبة بقيمتها وإرسالها للخارج للمسؤولين المتواجدين خارج اليمن في مصر والأردن والسعودية وهو ما أدى إلى تناقص العملة الصعبة من الأسواق المحلية وانعدامها تدريجياً”.
كما أكد التقرير أن البنك المركزي بعدن لم يعد مرتبطاً ببقية فروع البنك في باقي المحافظات منها مأرب وحضرموت وكل محافظ يقوم بالتصرف بالمبالغ المالية في فرع البنك المركزي بمحافظته بالإضافة إلى عدم توريد أي مبالغ مالية إلى عدن، وهو ما يجعل الوضع في مناطق سيطرة “الشرعية والتحالف” يبدو وكأن محافظة باتت دولة مستقلة بذاتها.
كل هذا وأكثر كان يحدث في عهد حكومة احمد عبيد بن دغر، ولا تزال معظم هذه الممارسات مستمرة حتى اليوم في عهد معين عبدالملك الذي تم رفع هذا التقرير إليه، رغم عدم وجود كيان حقيقي لهذه الحكومة ورغم عدم تواجدها داخل اليمن أساساً.
مصدر اقتصادي في العاصمة صنعاء علق على بعض المعلومات التي وردت في التقرير بالقول إن دهاليز وكواليس الشرعية في عدن أو في الرياض وبعض العواصم في الإقليم يعد فاجعة مالية وإدارية لم يسبق أن شهدها اليمن من عقود، مشيراً أن ما تمارسه الشرعية يعد فجوراً ولا مسؤولية وانفلاتاً ويعد حسب معايير الشفافية الدولية من ضمن الأعمال المهددة للأمن القومي لأي دولة سواءً كانت غنية أو فقيرة.
وفي سياق متصل أفاد مصدر محلي بمحافظة عدن جنوب اليمن أن ما تبقى من مؤسسات تديرها “حكومة الشرعية” في عدن، تحولت منذ وقت طويل إلى مجموعة عصابات وشللية للمسؤولين وأقاربهم، مضيفاً إن “مؤسسات الدولة في المناطق المحررة تدار بدون آلية حكومية حيث لا يوجد مسؤولين ماليين من وزارة المالية ولا مسؤولين من الخدمة المدنية ولا جهاز الرقابة والمحاسبة وهو ما تسبب بحدوث طفرة في الفساد المالي والإداري لم يسبق لها مثيل”.
وأضاف المصدر في حديثه لـ”المساء برس” إن وجهاً من أوجه الفساد المالي – والذي برأيه أدى إلى انهيار قيمة العملة المحلية – تمثل في أن “عندما تنفد السيولة النقدية في بنك عدن يتم تغذية السوق مباشرة من المبالغ المالية المطبوعة حديثاً والتي لا تزال موجودة على متن السفن التي تم نقلها بها من روسيا والتي لا تزال راسية في ميناء عدن، الأمر الذي يتسبب بإغراق السوق بهذه العملة الجديدة وإفقاد قيمة العملة الوطنية من قوتها الشرائية وهو ما يتسبب بنقص قيمتها وارتفاع الأسعار بشكل جنوني”.
كما أكد المصدر معلومة وردت في التقرير السابق مفادها أن مسؤولاً في محافظة أبين – تابعاً للشرعية – قام باختلاس 126 مليون ريال مع عدد من الأشخاص الآخرين، وادعى أنه تعرض للسرقة من قبل مسلحين مجهولين حين كان المبلغ بحوزته، ويضيف المصدر إن التحقيقات رغم أنها كانت شكلية حول هذه الحادثة أكدت أن حادثة السرقة لم يثبت وقوعها وهو ما يعني أن ادعاء المسؤول بحادثة السرقة كانت مجرد مسرحية لتبرير اختلاس المبلغ.
وفيما يلي يسرد “المساء برس” بعض المعلومات الواردة في التقرير والتي لم يتسع الوقت لذكرها وتفصيلها:
– كل ما يتم صرفه من مبالغ مالية لا يتم استقطاع أي مبالغ قانونية من ضرائب وواجبات وغيرها من الرسوم.
– بسبب الدور الإماراتي الذي تمارسه قواتها في عدن، لم يعد هناك أي مبالغ مالية تورد إلى البنك المركزي هناك، وكل الأموال التي يتم تحصيلها يتم تخصيصها وتقاسمها بين الموالين للإمارات من زعماء الجماعات المسلحة التي تتقاسم السيطرة على مناطق جغرافية هنا وهناك في المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف، وكل الأموال والإيرادات المتحصلة من الموانئ والمنافذ الجمركية رغم سيطرة قوات أبوظبي عليها إلا أن ما يتم تحصيله يتم توزيعه بين القيادات الموالية للإمارات.
– نائب وزير المالية بحكومة الشرعية منصور البطاني متهم بأخذ رشاوي من جهات تابعة للشرعية، حيث ينقل أي تعزيزات مالية لأي جهة مقابل حصوله على نسبه من هذا التعزيز بالاتفاق مع المسؤول الأعلى لهذه الجهة ومن ضمن هذه الرشاوي حصوله على سيارة مدرعة من محافظ أبين مقابل تمرير تعزيزات مالية للمحافظ خارج القانون.
– اعتمدت كشوفات مرتبات للمحافظات الخاضعة لسيطرة التحالف بزيادة عن الكشف المعتمد للخدمة المدنية في 2014 وتم إدخال أسماء جديدة دون إدخالها ضمن قاعدة بيانات الدولة وهو ما مثل عبئاً كبيراً على كاهل موازنة الدولة وتسبب بحدوث عشوائية مالية لا زالت قائمة.
– منح بعض المسؤولين البارزين في عدد من المحافظات نسب معينة من إيرادات تلك المحافظات رغم رفض حكومة الشرعية وأحياناً رغماً عن أنف هادي نفسه ويتم إنفاق هذه الأموال بدون أي مستندات قانونية.