المرونة التي ميّزت أشغال اجتماع القاهرة لقادة حزب المؤتمر الشعبي العام بالخارج ساعدت على تجاوز بعض الخلافات وفتحت الطريق للتوافق على خطوات إعادة ترتيب أوضاع الحزب استعدادا لتغييرات محتملة في المشهد اليمني تدفع باتجاهها التطوّرات العسكرية، وكذلك الحراك السياسي والدبلوماسي الإقليمي والدولي بهدف إنهاء الحرب واستئناف جهود السلام ).
أقرت قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام خارج اليمن، بشكل نهائي قيادتها الموحدة بعد أن استأنفت اجتماعاتها في القاهرة، مساء الثلاثاء وحتى ساعة مبكرة من صباح الأربعاء. وضمت القيادة العليا ستة أسماء هي: أحمد علي عبدالله صالح وأبوبكر القربي وسلطان البركاني ويحيى دويد وقاسم الكسادي ومحمد بن ناجي الشاهد.
وعلمت “العرب” أن الاجتماع حضره 20 قياديا أغلبهم من ممثلي الحزب في القاهرة، في حضور القياديين أبوبكر القربي وسلطان البركاني (يشغل كل منهما منصب أمين عام مساعد للحزب)، وكان مقررا أن تتشكل القيادة منهما والسفير أحمد علي عبدالله صالح، غير أن البعض طالب بتوسيع نطاق المنضمين إليها وتمت الاستجابة لذلك ضمانا للمرونة ومنعا لتجدد الخلافات، وجاء الاختيار من خلال التصويت المباشر داخل الاجتماع.
واتفق المشاركون على أن تكون الكلمة العليا داخل القيادة للسفير أحمد علي عبدالله صالح والبركاني والقربي، في مقابل أدوار تنفيذية للقيادات الثلاثة الأخرى، لأنها تنتمي إلى خلفيات جغرافية مختلفة. ويمثل قاسم الكسادي المحافظات الجنوبية، فيما يعد محمد بن ناجي الشاهد أحد قيادات الحزب المتواجدة في الرياض، ويقيم يحيى دويد بالقاهرة.
وتغيبت قيادات حزب المؤتمر المتواجدة في مسقط عن حضور الاجتماع، وهو ما أرجعته مصادر لـ“العرب” إلى عدم رضاها عن آلية عمل اللجنة المشكلة بالأساس، وتسعى لأن يكون خروجها بموافقة ودعم قيادات صنعاء وهو أمر من المستحيل حدوثه في الوقت الحالي في ظلّ مواقفهم المؤيدة للمتمردين الحوثيين.
وذهبت المصادر ذاتها للتأكيد على أن قيادة صنعاء أرسلت إشارات عدة إلى الخارج برفضها خروج القيادة الموحدة إلى النور وتمسّكها بالحديث باسم الحزب، وأن هناك العديد من الضغوط التي مارسها الحوثيون عليهم لإصدار بيان رسمي بهذا الشأن، وما دفعهم للتراجع تغريدة أبوبكر القربي التي وعد فيها بالتنسيق مع قيادات الداخل، ما تسبب في خلافات حاولت قيادات المؤتمر بالخارج احتواءها خلال الأسبوعين الماضيين.
وكان أبوبكر القربي، رئيس دائرة العلاقات الخارجية للأمانة العامة لحزب المؤتمر الشعبي العام، أكد أواخر أكتوبر الماضي أن هدف تشكيل لجنة تسيير نشاط المؤتمريين في الخارج “هو وحدة ودعم القيادة بالداخل في الرؤى والتحرك السياسي وبتنسيق كامل معها، ومن أجل تفعيل دور المؤتمريين في الخارج”.
استمر اجتماع القاهرة لأكثر من خمس ساعات، وشهد جدلا واسعا بشأن العلاقة مع قيادات صنعاء، وانتهى الأمر أن تتولى قيادة الخارج بلورة الرؤية السياسية للحزب في التعامل مع الأزمات وإبلاغ قياديي الحزب بصنعاء بها من دون أن يرتبط تنفيذها بموافقتهم عليها أو رفضها.
وقال قيادي مؤتمري حضر اجتماعات القاهرة الأخيرة، رفض ذكر اسمه “ناقشت قيادة الخارج تقديم رؤية سياسية خاصة بها للمرحلة الانتقالية في فترة ما بعد إنهاء الحرب ووقف إطلاق النار، وأن ذلك أول الملفات التي تسعى القيادة الموحدة الجديدة لإنجازها خلال الفترة المقبلة، وهناك اجتماع مهم في القاهرة، السبت المقبل، سيحضره أحمد عبيد بن دغر رئيس الوزراء السابق والقيادي بالحزب، للاتفاق على قاعدة جديدة لانطلاق عمل الحزب السياسي”.
وأضاف في تصريحات لـ“العرب” قوله “إن ثمة رؤية عامة طرحت للنقاش وارتبطت بتقديم جملة من البنود على رأسها نقل سلطة رئيس الدولة من الرئيس الانتقالي الحالي عبدربه منصور هادي، إلى نائب له يجري التوافق على اسمه مع المكونات السياسية بالداخل اليمني خلال الفترة المقبلة، بمدة زمنية محددة، وتشكيل حكومة مصغرة تتولى مهمة إعادة الإعمار، واستيعاب أكبر عدد من المجندين لإعادة تأهيل الجيش”.
وأوضح أن الرؤية تتضمن “تشكيل لجنة عسكرية تتولى مهمة جمع الأسلحة التي تنتشر بشكل كبير بين أفراد المجتمع، على أن تُجرى لاحقا انتخابات شاملة على المستوى الرئاسي والبرلماني والمحلي، وتسبق تلك الخطوات انتخابات مماثلة على مستوى الحزب”. ويرى مراقبون أن سرعة تحركات قادة الخارج نحو لملمة صفوفهم والاتجاه لتقديم مبادرات سياسية للحل تأتي تجاوبا مع الغضب الداخلي المكتوم على مستوى قواعد الحزب والتي رأت أن وصول الخلافات لمستوى الأمناء المساعدين، بعد السجال عبر تويتر بين القربي والبركاني، أنهى جميع الآمال المعقودة على اتفاقهم، لأن العديد من القيادات المتواجدة في الخارج ترفض الظهور في النور وتعلن عن مواقفها في الغرف المغلقة داخل الاجتماعات، وبالتالي فإن وجود رأي موحد قد يزيل الحرج عن الكثير منهم.
ولعل ذلك ما يفسر خروج بيان مشترك بين قيادات الخارج والكتلة البرلمانية للحزب في شبوة وذمار وحجة مطلع الأسبوع الجاري لدعم العمليات العسكرية التي تقودها القوات المشتركة في صعدة وصنعاء والبيضاء والضالع لتحريرها من قبضة المتمردين الحوثيين، والتأكيد على الاصطفاف الحزبي في مواجهة المشروع الإيراني.
وأوضح العقيد يحيى أبوحاتم، الخبير الاستراتيجي وأحد قيادات حزب المؤتمر في القاهرة، أن الاتفاق على قيادة موحدة في الخارج يأتي في إطار “استعداد العديد من أعضائه المتواجدين في عواصم عربية مختلفة العودة مرة أخرى للبلاد، عقب الانتهاء من تحرير الحديدة، والتي ستكون قاعدة انطلاق سياسية للحزب الأكبر في اليمن على أرض الواقع بما يعوض اختطاف قيادته في صنعاء”.