تعدّدَ القتل والتطرف الديني المسيّس واحد

تعدّدَ القتل والتطرف الديني المسيّس واحد

تعدّدَ القتل والتطرف الديني المسيّس واحد
2018-06-25 20:26:19
صوت المقاومة الجنوبية : صلاح السقلدي

لا نعتقد أن ثمّة بُعد جهوية مناطقي لجريمة مقتل الممثل الشاب جلال عبدالله الصعيبي - من أبناء صنعاء - في مدينة الضالع، الذي قُتِلَ فيها بطريقة بشعة ومُدانة يوم الجمعة في الـ 22 من يونيو الحالي، على يد جماعة مسلحة، حين كان يقدّم بمعية زملائه عروض مسرحية للأطفال والنساء في مسرح سينما المدينة، ويمثل فيها دور «زنبقة»، كمحاكاة للمسلسل اليمني الشهير «همّي همك»، بقدر ما لها _ أي الجريمة _ من بُعد فكري ديني متطرف، مع إقرارنا بوجود ثقافة كراهية جهوية في المجتمع الجنوبي، حيث اعتبرتْ هذه الجماعة المسلحة، بحسب شهود ومصادر في الضالع، أن ذلك العرض المسرحي، ضربٌ من ضروب شر الرذيلة، وإشاعة الفسق والكفر في المجتمع، قبل أن تهاجم المسرح للنيل من الفرقة ومنظميها، استطاع حينها المجني عليه الفرار إلى ضاحية المدينة، ولكن هذه الجماعات تقفّت أثره وتمكنت من قتله بطريقة إجرامية مشينة، لا تنال فقط من أمن الضالع، بل وتنال من حريات الناس، وحياتهم، وتطاول الفكر والثقافة وحرية التعبير، وتشير إلى مدى الفجاجة والجرأة التي وصلت إليها هذه الجماعات المتطرفة، كنتيجة طبيعية لسنوات من الشحن للفكر التكفيري، ومدى ثقتها بعدم محاسبتها، أو الوقوف بطريقها، رسمياً وشعبياً.

جرى هذا في محافظة الضالع، وهي المحافظة الطاردة لمثل هكذا فكر تكفيري مكشر عن أنيابه بوجه الجميع، وهي المنطقة التي لا تتوافر فيها البيئة الخصبة، والحضانة لهذه الجماعات، ولهذا الفكر المنغلق قياسياً بباقي محافظات الجنوب الأخرى، بحكم صغر مساحتها، وصعوبة تغلغل هذه الجماعات فيها، وفي جبالها، وبين قُبلها، وبحكم طبيعة ثقافة أهاليها، الميالون دوماً إلى الحياة الواقعية الحداثية، ويتصرفون حيال الأمور بسجيتهم وفطرتهم الطبيعية، بعيداً عن فلسفة الخزعبلات والأفكار الدخيلة وشعوذاتها.

إذن، لسنا حيال جريمة جنائية كما يعتقد البعض، ولسنا إزاء قتل شخص، بل نحن إزاء فكر تغول وتوغل في مجتمعنا، وبات الخطر الداهم والتحدي الأكبر بوجه الجميع، ليس فقط في الضالع، التي يُرد لها منذ شهور، أن تنزلق في هوّة الفتنة والتشظي، بل في عموم الجنوب.

فإن كان هذا يتم في الضالع، فكيف يكون الحال في باقي المحافظات الجنوبية والشمالية على حد سواء، تلك المحافظات التي مثلّت لعقود من الزمن، معاقل هذه الجماعات، وأوعية هذا الفكر وحواضنها المذهبية والقبلية وملذاتها الآمنة؟

لطالما حذرنا منذ بداية هذه الحرب، من خطورة اللعب بورقة هذه الجماعات، وخطورة توظيفها في هذه الحرب، التوظيف الطائفي المذهبي الخطير، ضد الطرف الشمالي، واستهنا وما زالنا، كل من يغذي هذه الجماعات ويسمنها، حتى صارت اليوم متخمة بالسلاح والمال، ناهيك عن الفكر، وباتت تتناسل وتتكاثر كالفطر... وحذرنا مراراً من خطورة إفساح المجال أمامها بحُرية التحرك على طول الجنوب وعرضه، فقبل شهر ونصف الشهر، وفي مدينة إنماء، غرب عدن، تم اغتيال أكاديمية عدنية وابنها وحفيدها بتهمة التشيع!

من مفارقات الزمن الموجعة، أن يتم بالأمس استخدام مثل هذه الجماعات، ومثل هذا الفكر التكفيري في الحرب على الجنوب، بزعم محاربة الشيوعية في عام 1994، لحسابات سياسية ودوافع توسعية صرفة، بثوب ديني مزركش، ويتم اليوم، منذ مارس العام 2015، استخدامها واستخدام ذات الفكر التكفري في الحرب، شمالاً، بزعم محاربة «الشيعية»، لحسابات سياسية محلية وأطماع إقليمية، برداء ديني مطرز، بفصوص مذهبية براقة.

نخشى أن تكون حالات القتل والسلب وانتشار التطرف هذه، التي تتم اليوم وتطفو على السطح الجنوبي، مجرد بداية لقادم أكثر بؤساً وأشد انفلاتاً لعقال هذا الفكر، واستمرار تغييب مؤسسات الدولة ورقابة المجتمع، إن ظل المزاج الشعبي والنخبوي غير مبالٍ بما يدور حوله من مخاطر، ولا يلقي بالاً لحالة التفخيخ التي يتعرض لها الوطن اليوم. تفخيخ، بكل عبوات التفجير التكفيري، والطائفي، والمذهبي، وحتى الجهوي أيضاً.