
شكّل اكتشاف مصانع تكرير بدائية وآبار نفط غير قانونية وشبكات تهريب منظّمة في وادي حضرموت محطة مفصلية كشفت جانبًا خطيرًا من حجم العبث الذي تعرّضت له ثروات الجنوب لسنوات طويلة. فالعمليات الأمنية التي نفذتها القوات الجنوبية لم تفضِ فقط إلى إحكام السيطرة الميدانية، بل أسقطت الستار عن اقتصادٍ خفيٍّ كان يعمل في الظل، بعيدًا عن القانون، وتحت حماية نفوذٍ سياسي وعسكري معروف.
وأظهرت الأدلة الميدانية وجود أكثر من اثنتي عشرة مصفاة غير شرعية كانت تُدار بطرق بدائية، وتستنزف النفط الخام وتحوله إلى مصدر تمويل لشبكات منظمة، ما تسبب بأضرار اقتصادية وبيئية جسيمة، وحرم أبناء حضرموت من حقهم الطبيعي في ثرواتهم.
"لماذا تصاعدت الحملات بعد التحرير!"
مع انطلاق عمليات التحرير في وادي حضرموت والمنطقة العسكرية الأولى، ثم استكمال السيطرة في المهرة، تصاعدت حملات التهويل والتشويه بصورة لافتة. هذه الحملات لم تكن وليدة حرص على الأرض أو الإنسان، بقدر ما كانت ردّة فعل مباشرة على سقوط شبكة مصالح ارتبط وجودها باستمرار الفوضى وبقاء الوادي خارج السيطرة الفعلية.
فما جرى لم يكن مجرد تغيير عسكري، بل ضربة مباشرة لشريان اقتصادي غير مشروع، ما يفسّر حالة الهلع الإعلامي ومحاولات تشويه القوات الجنوبية والمجلس الانتقالي، بعد أن أصبحت الوقائع مكشوفة للرأي العام.
"مصافي الخشعة… لحظة كشف لا يمكن تجاوزها"
يمثل اكتشاف المصافي غير القانونية في منطقة الخشعة ذروة هذا الانكشاف. فهذه المصافي لم تكن نشاطًا عشوائيًا، بل جزءًا من منظومة تهريب وتكرير وتوزيع، عملت لسنوات في وضح الفوضى، مستفيدة من الغطاء السياسي والعسكري الذي وفرته قوى عبثية، حولت حضرموت إلى ساحة استنزاف مفتوحة وهو ما يؤكّد التخادم بين الأخوان ومليشيا الحوثي والتنظيمات الارهابية،إلتي عمدت على محاربة الشعب اقتصاديا وخدماتياً طيلة السنوات السابقة لتحافظ على نفوذها ومصالحها وما استمرار الحرب الوهمية التي تديرها إعلامياً ليس إلاّ
غطاءً لاستمرارها للنهب والعبث بمقدرات شعبنا.
هذا الكشف يفسّر الكثير مما كان يُدار خلف الكواليس، ويضع تساؤلات حقيقية حول أسباب عرقلة ما كان يجب تحريره .
"التحرير… من استعادة الأرض إلى تغيير موازين الصراع"
وفي هذا السياق، لا يمكن النظر إلى تحرير وادي حضرموت والمنطقة العسكرية الأولى والمهرة باعتباره حدثًا محليًا محدود الأثر، بل هو تحوّل استراتيجي يتجاوز الجغرافيا الجنوبية، ليشكّل سندًا حقيقيًا للمقاومة الوطنية في الشمال، حين تقرر خوض معركتها بعيدًا عن حسابات الاستثمار السياسي بالحرب.
فالتجربة أثبتت أن واحدة من أخطر المعضلات التي أعاقت تحرير الشمال خلال السنوات الماضية لم تكن نقص الإمكانات، بل وجود قوى جعلت من استمرار الصراع مصدرًا للنفوذ والنهب، وربطت الحرب بمصالحها الخاصة. ومع سقوط آخر معاقل هذا النفوذ في الجنوب، وانكشاف شبكات العبث الاقتصادي، تُسقط معها واحدة من أبرز العقبات التي عطّلت معركة الحسم طويلًا.
ولهذا، فإن ما بعد تحرير وادي حضرموت والمهرة ليس كما قبله، لا في الجنوب الذي يواصل تثبيت أركان دولته، ولا على مستوى المعركة العامة التي بدأت تتخلص من أثقالها.
"الجنوب يفرض معادلة جديدة"
اليوم، ومع تثبيت السيطرة على الأرض وكشف شبكات النهب، ينتقل الجنوب بقيادة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي من مرحلة رد الفعل إلى مرحلة الفعل الاستراتيجي، حيث لم يعد الهدف استعادة الجغرافيا فقط، بل حماية الثروة، وبناء الاستقرار، وإغلاق أبواب العبث التي ظلّت مفتوحة لسنوات.
لقد فرض الواقع الجديد نفسه:
أرض مُحرَّرة، ثروة مكشوفة، وشبكات فقدت غطاءها، ومعها تتغير ملامح الصراع وتُعاد كتابة قواعده.
ختاماً.
ما كشفته عمليات التحرير في وادي حضرموت لم يكن مجرد انتصار أمني، بل لحظة فاصلة أعادت تعريف المعركة وحددت أطرافها الحقيقية. فالأصوات التي ترتفع اليوم ليست دفاعًا عن أرض، بل حنينًا إلى نفوذ سقط، ومصالح كُشفت.
ومع هذا التحول، يرسّخ الجنوب موقعه كفاعل رئيسي في صناعة الواقع الجديد، متقدمًا بثبات نحو مرحلة تُدار فيها الأرض والقرار والثروة بإرادة أصحابها، لا بمنطق المصافي السرّية ولا شبكات الاستثمار في الفوضى.