فشل مشروع الوحدة وعودت دولة الجنوب مهمة

فشل مشروع الوحدة وعودت دولة الجنوب مهمة

فشل مشروع الوحدة وعودت دولة الجنوب مهمة
2025-12-18 21:55:47
صوت المقاومة الجنوبية/خاص


بعد أكثر من ثلاثة عقود على إعلان الوحدة اليمنية عام 1990، تبدو الأسئلة القديمة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى: ماذا أنتج مشروع الوحدة على أرض الواقع؟ وهل وفّر دولة مستقرة وشراكة 
متوازنة؟ أم أنه قاد إلى حرب 1994، ثم إلى دورة طويلة من الإقصاء والأزمات والصراعات المتكررة؟ حرب صيف 1994 أنهت عمليًا فكرة “الشراكة المتكافئة” التي حلم بها كثيرون، وفتحت باب مظالم جنوبية استمرت لسنوات، وهو ما تناوله باحثون بوصفه أحد جذور “الاحتقان الجنوبي” الذي لم ينطفئ .

لكن أهمية “عودة دولة جنوبية” لا تُناقَش اليوم فقط بوصفها مطلبًا سياسيًا محليًا، بل بوصفها أيضًا ملفًا يرتبط بأمن الإقليم والتجارة العالمية. فالجنوب يقع على واحد من أخطر المفاصل الجيوسياسية في العالم: باب المندب والبحر الأحمر. تقرير “المنتدى الدولي للنقل” التابع لـ OECD قدّر أن نحو 14% من التجارة البحرية العالمية و30% من تجارة الحاويات عالميًا تعبر البحر الأحمر. 
ومع تصاعد التهديدات والهجمات في هذا الممر، تراجعت حركة الملاحة بشكل كبير، بما كشف للعالم أن استقرار هذه المنطقة ليس ترفًا سياسيًا بل ضرورة اقتصادية دولية.  
ولا يقتصر الأمر على التجارة العامة؛ فباب المندب ممر للطاقة أيضًا. بيانات وتحليلات طاقة حديثة تشير إلى أن تدفقات النفط عبر باب المندب كانت بحدود 8.7 مليون برميل يوميًا في 2023 ثم انخفضت إلى متوسط يقارب 4.0 مليون برميل يوميًا خلال 2024 حتى أغسطس بسبب المخاطر الأمنية وتبدّل مسارات الشحن،  وفي زمن تتأثر فيه أسعار الشحن والتأمين بسرعة بأي اضطراب، يصبح وجود سلطة مستقرة قادرة على حماية الساحل الممتد من المهرة إلى باب المندب عاملًا حاسمًا لطمأنة خطوط النقل.
على المستوى الأمني، يطرح أنصار “الدولة الجنوبية” فكرة أن الجنوب المستقر يملك قابلية أعلى لتأسيس منظومة أمنية تركز على مكافحة الإرهاب ومنع الفراغات التي تتسلل منها التنظيمات. خلال سنوات الحرب، استفادت جماعات متطرفة مثل “القاعدة في جزيرة العرب” من انهيار مؤسسات الدولة والفوضى لتوسيع نشاطها في أجزاء من اليمن، بما فيها محافظات جنوبية في فترات مختلفة  وتناولت تحليلات أمنية دور تشكيلات محلية جنوبية مثل قوات الحزام الأمني والنخبة الحضرمية وقوات دفاع شبوة في حملات مكافحة الإرهاب في المحافظات الجنوبية.
أما البعد الإقليمي، فيرتبط بتحصين جنوب الجزيرة العربية من تداعيات الصراع الممتد، خصوصًا مع تعاظم المخاطر البحرية المرتبطة بالحرب واتساع تأثيرها خارج حدود اليمن. فالتقارير الدولية عن “أزمة البحر الأحمر” تتعامل مع المنطقة كجبهة أمن اقتصادي عالمي، لا كملف محلي.  ومن هذا المنظور، يرى مؤيدو خيار الدولة الجنوبية أن قيام كيان مستقر يمتلك قرارًا أمنيًا واضحًا ومؤسسات قادرة على ضبط السواحل والمنافذ سيقلّل مساحات التهديد: تهريب، اختراقات بحرية، وتحوّل السواحل إلى نقاط رخوة.
وفي الخلاصة، تقول هذه المقاربة إن “عودة دولة في جنوب اليمن” ليست مجرد “حنين سياسي”، بل محاولة لإنتاج معادلة جديدة: كيان قادر على مكافحة الإرهاب، وتأمين شريط ساحلي طويل، وحماية مفصل ملاحي عالمي بالغ الحساسية، بما ينعكس على أمن الخليج والبحر الأحمر والتجارة الدولية. وفي الوقت ذاته، فهي إعادة طرح لسؤال السيادة والتمثيل بعد تجربة وحدة لم تُنتج استقرارًا مستدامًا منذ 1994، بل تركت البلاد منقسمة ومثقلة بالانهيار والصراع.