
يُعد جنوب اليمن من أكثر المناطق التي تمتلك موقعًا حيوياً وسياسيًا واستراتيجيًا حيويًا في المنطقة، فهو يمتد على ساحل البحر العربي وخليج عدن وبحر العرب، ويشرف على أحد أهم ممرات التجارة والطاقة في العالم. هذا الموقع جعل من الجنوب محورًا مهمًا في تاريخ التوازنات الإقليمية، كما جعله مفتاحًا للأمن البحري والاستقرار في المنطقة.
لكن، على مدى أكثر من ثلاثين عامًا، تراجع دوره الاستراتيجي بشكل كبير، نتيجة ما يُنظر إليه على نطاق واسع كمشروع الوحدة اليمنية الفاشلة وما رافقها من سياسات إقصائية تهدف إلى تفريغ الجنوب من دوره الحيوي، وإهمال تطلعات سكانه، وتهميش كوادره ومؤسساته، وتحويل أرضه من موقع استراتيجي إلى ما يشبه غنيمة حرب تُدار بنفوذ مركزي غير فعال.
الإقصاء والتهميش… وتحول الجنوب إلى ساحة للإرهاب
المعادلة التي رافقت الإقصاء لم تقتصر على إضعاف الدور السياسي والاجتماعي للجنوب، بل امتدت إلى أبعاد أمنية أعمق، حيث ساهم الفراغ السياسي والأمني في استغلال تنظيمات إرهابية للمجال الجغرافي الواسع في الجنوب، وخاصة على الساحل الشرقي والغربي، لتأمين قواعد وأنشطة. وتشير الوقائع إلى أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب (AQAP) وجد في بعض المناطق الجنوبية مساحات لتنظيم شبكاته وعملياته، حتى أن السيطرة على هذه المناطق كانت بالنسبة له تمهيدًا لتواصل مع فروعه الأخرى في المنطقة وخارجها.
التاريخ أيضًا يوضح أن تنظيمات إرهابية عديدة استخدمت جنوب اليمن كمنطلق أو ملاذ محتمل في فترات ضعف السلطة، ما مثل تهديدًا ليس لأمن اليمن وحده، بل للأمن الإقليمي والدولي، خاصة مع تنامي الصلات بين فروع التنظيمات في اليمن وشبكاتها في الصومال والقرن الإفريقي.
وقد شجّع استمرار الفوضى في الساحل الجنوبي شرائح من التنظيمات على توسيع نشاطها في تهديدات متعددة، تستهدف المدنيين أو تزعزع الأمن المحلي، مما استوجب استجابات وفرصًا جديدة في بنية الأمن العام في الجنوب.
جهود مكافحة الإرهاب… وشراكة محلية – دولية
على الرغم من هذه الخلفية الصعبة، لعبت القوات المحلية في الجنوب دورًا محوريًا في مكافحة الإرهاب، بالتعاون مع شركاء دوليين. فقد ساهمت قوات موالية للتحالف العربي في اليمن - ولا سيما القوات الجنوبية – في التصدي لهجمات تنظيم القاعدة، وتحرير المناطق التي كان يتمركز فيها سابقًا، مثل المناطق القريبة من عدن وحضرموت.
إضافة إلى ذلك، أدت عمليات مكافحة الإرهاب في الجنوب إلى تحييد مصادر تهديد إرهابي مباشر، وساهمت في الدفع نحو استقرار أوسع في ظل بيئة معقدة تتداخل فيها تهديدات تنظيمية متعددة. وهذا يؤكد أن الدور الذي لعبته القوات في الجنوب لم يكن محليًا فحسب، بل كان جزءًا من جهود دولية لمكافحة الإرهاب، تتضمن شراكات وتحالفات متعددة.
تداعيات الإقصاء على الأمن الإقليمي والعالمي
يذهب خبراء في الشأن اليمني إلى أن الإهمال السياسي والأمني للجنوب لم ينعكس سلبًا على الداخل اليمني فقط، بل كان له تأثيرات أوسع تمتد إلى الأمن الإقليمي والدولي. فاستمرار استقرار الجنوب يساهم في تأمين ممرات الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن، وهي شرايين عالمية حيوية تربط بين أوروبا وآسيا وإفريقيا. وبالتالي فإن أي تهديد لهذه السواحل قد يحمل انعكاسات على حركة الشحن العالمي وسلاسل الإمداد الدولية.
إضافة لذلك، أفاد تقرير حديث للخبراء بأن بعض الجماعات الإرهابية والجماعات المتطرفة حاولت توسيع شبكاتها خلال فترات الانشغال بالقتال في الشمال أو في سياقات انهيار الأمن المركزي، عبر الانخراط في شبكات تهريب وتواصل مع فروع في مناطق أخرى مثل الصومال، ما يعكس خطر الإهمال وغياب إدارة فعّالة للأمن في الجنوب.
ضرورة استعادة الدور الجنوبي
بناء على ذلك، يتفق المحللون والمراقبون على أن عودة الجنوب إلى مكانته الطبيعية كفاعل سياسي وأمني مهم في المنطقة، تمكّنه من حماية سواحله ومراكزه الحيوية، وتشغيل قدراته البشرية، ومواجهة التهديدات الدولية والمحلية، هو أمر لم يعد خيارًا بل ضرورة استراتيجية.
ومن منظور حقوقي وسياسي، فإن تمكين الجنوب وإعادة الاعتبار لخبراته وقدراته المحلية، وخاصة عبر إعلانه دولة ذات نظام عادل ومؤسسات قوية، يمكن أن يكون خطوة مهمة تجاه تحقيق الأمن والاستقرار ليس فقط في اليمن بل في المنطقة بأسرها، وتحجيم قدرات التنظيمات الإرهابية على التمدد أو التنسيق مع فروعها الدولية.