كتبت: نادرة عبدالقدوس
قبل سبع سنوات وفي مثل هذا اليوم، خرجت عدن عن بكرة أبيها، تحتشد في شارع المعلا الرئيسي، من أوله إلى آخره، يومها كان المشهد عظيماً، شباب وشيبة يهتفون بشعارات حماسية وتصدح حناجرهم بأغانٍ ثورية ونساءٌ يطللن من النوافذ، يزغردن ويلوّحن بأعلام الجنوب، كانت الأعلام ترفرف من شرفات ونوافذ العمارات على جانبي الشارع الذي كان عند إنشائه، في مستهل خمسينيات القرن المنصرم، أطول شارع في الشرق الأوسط، تقريباً(٥كيلومتر).
شهد يوم الرابع من مايو من عام ٢٠١٧م، ولادة المجلس الانتقالي الجنوبي، كياناً انتظره الجنوبيون، منذ عام ١٩٩٤م، ليوحّد صفوفهم ويجمع بينهم ويصون ثورتهم التي اندلعت مذاك العام الذي أُعلنت فيه الحرب على الجنوب في ٢٧ ابريل، لتتمكن قوات جيش صنعاء، بعدئذ، من غزو مدينة عدن في السابع من يوليو، بالأسلحة الثقيلة، بعد دفاع مستميت من قبل ابنائها الأفذاذ الذين خرجوا يقاتلون بأسلحتهم البسيطة؛ فالجيش الجنوبي، كان تم نقل ألويته إلى معسكرات الشمال بعد الإعلان عن الوحدة بين النظامين السياسيين، غير المتكافئين البتة. وكانت تلك هي الخطيئة التي ارتكبها الجنوبيون، بعد التوقيع على اتفاقية الوحدة المشؤومة التي كانت، في الأساس، مؤامرة خارجية على النظام السياسي في الجنوب، للقضاء عليه وعلى تجربته الوطنية، الرائدة والنموذجية في الوطن العربي. ولم تنتقل ألوية جيش الجنوب، فقط، إلى الشمال، بل انتقلت مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني، أيضاً، إليها، أي أُفرغت عدن وأصبح مركز السلطة في صنعاء، العاصمة، أما عدن؛ فقد أُفرغت من كل مقومات الدولة. وكانت تلك بداية المأساة التي لم تنتهِ حتى اليوم، ذلك أن ما تبقى من أطلال المدينة، أتت عليه الحرب الشعواء التي أعلنتها مليشيات الحوثي على الجنوب في ٢٥ مارس ٢٠١٥م والتي ما زالت مستمرة، دون رادع دولي جاد.
فوضت الجماهير العريضة في الرابع من مايو ٢٠١٧م، المجلس الانتقالي الجنوبي، برئاسة اللواء عيدروس قاسم الزُبيدي، حاملاً لملف قضيتها في المحافل الدولية والإقليمية والكيان السياسي المعبّر عن تطلعاتها في استعادة الدولة المهدورة بحدودها السيادية ما قبل ٢٢ مايو ١٩٩٠م.
وبعد اسبوع من ذلك الحدث التاريخي المهيب، أي في ١١ مايو، تم تشكيل هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، بقيادة اللواء عيدروس الزُبيدي الذي عاهد الجماهير المحتشدة، على المضي قدماً، دون تراجع أو مهادنة، نحو تحقيق الهدف المنشود في استعادة دولة الجنوب.
ومنذ ذلك اليوم، حتى لحظة كتابة هذه الأسطر، ما فتأت قوى الشر، تستبيح معاداتها لشعب الجنوب وبكل الوسائل والطرق والأساليب الشيطانية الخبيثة. ورغم كل ذلك، إلا أن للانتقالي مناعة قوية ضد اختراقات أيٍ من الجراثيم التي تنفثها تلك الأفاعي، بغية القضاء عليه او إضعافه أو زعزعة مكانته عند شعب الجنوب الذي عاهده رئيسه، بعهد الرجال للرجال.
سبع سنوات، فترة زمنية صغيرة من عمر الانتقالي الجنوبي، لكنها تختزن في طياتها انجازات عظيمة، لم يحققها كيان سياسي في تاريخ الجنوب. ولعل أولى الإنجازات على المستوى السياسي، تحقيق العهد الأول الذي عاهد الجماهير به وهو إخراج ملف قضية شعب الجنوب إلى المحافل الدولية، ليعرف العالم أن هناك شعباً يناضل من أجل حريته وكرامته ودولته المغدورة وهي (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) التي تم تذويبها في بوثقة ما سميت بـ(الوحدة) وتم الغدر بها من قبل عصابة نظام عفاش وإعلانه الحرب على شعبها، كما أُعلنت الحرب عليه للمرة الثانية عام ٢٠١٥م، من قبل مليشيات الحوثي.
أما العهد الثاني، فهو على المستوى الإعلامي، فلأهمية هذه الجبهة التي لا تقل عن أهمية الجبهة العسكرية، حرص المجلس الانتقالي الجنوبي على تأسيس منابر إعلامية تعكس واقع شعب الجنوب عبرها وتتلمس قضاياه وهمومه وتدفعه إلى المشاركة في وضع لبنات بناء دولته المنشودة، من خلال البرامج السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتوعوية.
وكان العهد الثالث على المستوى الداخلي في كيان المجلس الانتقالي، حيث بدأت صور التحسين والتطوير في نشاط المجلس وهيئاته المختلفة وتأسيس مكاتب تنفيذية في محافظات الجنوب وتوسيع نشاطاته والاستعانة بالعديد من العناصر الجنوبية الوطنية، المؤثرة والنزيهة والفاعلة في المجتمع المحلي والمؤمنة باستعادة دولة الجنوب، كما تم تأسيس هيئات مساعدة لرئاسة المجلس والتي تُعد همزة الوصل بين القاعدة الجماهيرية والقيادة السياسية في المجلس.
وكان العهد الأسمى للقيادة السياسية للمجلس الانتقالي، فتح باب الحوار الجنوبي بين المجلس والمكونات السياسية الجنوبية المختلفة والشخصيات الأكاديمية العلمية والاجتماعية، حتى تلك التي كانت في منأى عنه، فقد مد الانتقالي إليها جسر التواصل وشرع أبوابه أمامها ليضمها إلى صفوفه، بإرادتها وقناعتها وتحت قبته، ليخرج الجميع، بعد لقاء تشاوري بين ممثليهم، في الرابع من مايو من العام ٢٠٢٣م وليتم التوقيع على ميثاق شرف وطني ملزم للجميع. ويا له من يوم أغر، ألحق الهزيمة بالساخرين على الجنوبيين، ليسخر الجنوبيون منهم.
اليوم يكمل المجلس الانتقالي الجنوبي عمره السابع ويستشرف عاماً قادماً، مليئاً بالمنجزات والمفاجآت السارة التي ستُسر شعب الجنوب، التواق إلى النصر المؤزر وتحقيق العهد الأسمى الذي دفع من أجله بأكثر من سبعين ألفٍ من فلذات أكباده ومازالت قوافل الشهداء تمضي في الضالع وثباب يافع وأبين وسيئون والمهرة، حتى تحقيق النصر العظيم.