نظمت الأمانة العامة لاتحاد أدباء وكتاب الجنوب، مساء اليوم الأحد 19 نوفمبر / تشرين الأول 2023م، حلقة نقاش ثقافية بعنوان: “الريادة الثقافية والأدبية في الجنوب”، في مقر الاتحاد، بمديرية خور مكسر، في العاصمة الجنوبية عدن.
وبدأ حلقة النقاش الثقافية، التي حضرها رئيس اتحاد أدباء وكتاب الجنوب، د. جنيد محمد الجنيد، وعدد من الأدباء والمثقفين والمهتمين، د. مبارك سالمين، الذي ادارها باقتدار، بالحديث عن كيف كان الجنوب رائدًا للثقافة والأدب.
وتحدث سالمين عن المخزون الثقافي والأدبي التي يتمتع به الجنوب، وعلى مستوى كل المراحل التاريخية.
*اسبقية الجنوب في القضايا الأدبية والفكرية والثقافية
بعدها، شرح، أ. د. أحمد علي الهمداني، باستفاضة، التاريخ الثقافي والأدبي في مدينة عدن، والجنوب.
وأكد الدكتور الهمداني، على أن مدينة عدن، والجنوب، لهم الأسبقية في عدد كبير من القضايا (الأدبية، والفكرية، والثقافية).
وتحدث الشاعر والناقد والمترجم والباحث الأكاديمي، الدكتور الهمداني، عن عدة مراحل دقيقة من مراحل النهضة الحديثة التي ازدهت بها مدينة عدن، منذ بداية القرن العشرين، وعن بناء المؤسسات للنهضة العربية الحديثة بالبلاد، معتبرًا نشوء الصحافة المحلية أحد أبرز معالم تلك الحقبة التاريخية المهمة.
وشرح الدكتور الهمداني، عن كيف بدأت طبقة من المثقفين بالبروز، على مختلف ميادين الحياة، أكانت (الاجتماعية، أو السياسية، أو الاقتصادية، أو الأدبية).
كما قال الدكتور الهمداني، عن الأوراق المقدمة في حلقة النقاش، أن الأوراق التي قُدمت في حلقة النقاش الثقافية التي نظمتها الأمانة العامة لاتحاد أدباء وكتاب الجنوب، استطاعت، أن تبين، وتوضح مدى اسبقية الجنوب في كثير من القضايا (الأدبية، والفكرية، والثقافية)، التي عاصرنها، والتي أيضًا عاصرتها الأجيال التي سبقتنا، مُشيرًا إلى أن كافة الأوراق الأربع، قدمت عرضًا، واسعًا ومفصلًا، مبنيًا على أسس، وقاعدة علمية متينة في تبيان هذا الإنجاز الثقافي والفكري في مدينة عدن، وفي حضرموت، وفي غيرها من مدن، ومناطق الجنوب.
ريادة حضرمية للصحافة والأدب
بعدها، تحدث أ. د. مسعود عمشوش، في ورقته المعنونة بـ(الريادة الصحفية والأدبية في حضرموت)، مؤكدًا على أن الجنوب عامة، وحضرموت خاصة، أرض علم وعلماء.
وقال ان: “الحضارم، قبل أن يهتموا بخزائن المال، أهتموا أولًا بخزائن الكتب، فملأوها بالمخطوطات، ليس في الفقه واللغة فقط، بل في العلوم والطب والأدب، وقبل أن يمارسوا التجارة مارسوا التأليف والكتابة، في أرضهم وفي المهاجر الكثيرة التي استقروا بها، فكتبوا الشعر والمقامات والتراجم والسيرة الذاتية وأدب الرحلات، وأنشأوا عشرات الصحف المطبوعة والمخطوطة”.
وأشار عمشوش إلى أن الحضارم بدأوا يهتمون بالصحف والمجلات منذ نهاية القرن التاسع عشر، مبينًا بأن الحضارم بدأوا يمارسون الصحافة بحضرموت نفسها مع عودة بعض المهاجرين مثل محمد بن هاشم، حيث ظهرت في 1913م، أول صحيفة خطية بحضرموت (السيل)”.
وشرح عمشوش، باستفاضة، الصحف التي صدرت بحضرموت، والمنعطفات التي مرت بها.
وعن ريادة الحضارم للرواية، قال عمشوش: “منذ نهاية القرن التاسع عشر تمكن عددٌ من الحضارم، لاسيما من بين الذين اختاروا الاستقرار بالأرخبيل الهندي، من الجمع بين قراءة كتب التراث العربي والإسلامي والاطلاع على بعض إرهاصات الحداثة العربية التي تحتويها الصحف والمجلات والكتب التي تصلهم من مصر والشام. وتفاعل هؤلاء الأدباء بإيجابية مع تلك الإرهاصات وسعوا، كغيرهم من الأدباء العرب، للخروج من أسر القوالب الأدبية التقليدية وتجريب بعض الأجناس الأدبية الحديثة مثل الرواية والمسرحية والشعر الحر”.
وأضاف: “اصدر الروائي الرائد أحمد عبد الله السقاف عاميّ (1928م، و1929م)، روايتين عربيتين رائدتين هما (فتاة قاروت، والصبر والثبات)”.
كما تطرق إلى إسهام علي باكثير وحسن السقاف في ظهور شعر التفعيلة، وذلك منذ نهاية القرن التاسع عشر، عندما انفتح عدد من الشعراء الحضارم، بحضرموت نفسها وفي المهجر الشرقي، على تجارب زملائهم الشعراء العرب في مصر وبلاد الشام.
واختتم عمشوش ورقته الثرية بالقول: “يجهل الكثير أن علي باكثير، اقترب من الجنس المسرحي قبل أن تطأ قدمه أرض الكنانة، وقبل أن يشرع بدراسة مسرحيات شكسبير وترجمة بعضٍ منها عقب وصوله لمصر مباشرةً”.
مظاهر التجديد عند لقمان
بدوره، سرد، د. محمد ردمان علي سعيد، في ورقته المعنونة بـ(مظاهر التجديد عند الشَّاعر علي محمد لقمان)، تاريخ الشاعر علي لقمان.
وقال ردمان: “يعدُّ الشَّاعر علي محمد لقمان من الأدباء الذين أرسوا دعائم النهضة الثقافية الأدبية ببلادنا، فقد نشأ الشَّاعر وترعرع في مدينة عدن وسط أسرة ثقافية شغوفة بالعلم والمعرفة، فقد كان أبوه المحامي محمد علي لقمان، رائد النهضة الثقافية والأدبية، ورجل التنوير الأول والممثل الليبرالي للفكر النهضوي، الذي كان يطمح للارتقاء بالواقع الثقافي والأدبي والسياسي لمستوى أفضل”.
وأضاف: “بفضل جهود المحامي محمد علي لقمان وبعض المثقفين بدأت عدن تشهد حراكا ثقافيا وأدبيا منذ العشرينيات من القرن الماضي، وقد وجد الشَّاعر علي محمد لقمان نفسه منذ منتصف الثلاثينيات في خضم هذا الحراك الثقافي والأدبي، ولذا يمكن القول إنَّ الشَّاعر من الرواد الذين ينتمون لجيل النهضة الأدبية والثقافية ببلادنا، ذلك الجيل الذي نشأ وترعرع على الثقافة بمفهومها الشامل، لذا نجدهم كتبوا في مختلف القضايا التي كانت تهمُّ المجتمع، فقد وجد الأدباء أنفسهم في تلك المرحلة الزمنية معنيين بالإيقاظ والنهوض منطلقين في ذلك من الشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع. لقد وُجِدوا بمرحلة ارتبطت بأحداث سياسية واجتماعية مضطربة، الأمر الذي جعل هؤلاء الأدباء في تلاحم حي وعميق بقضايا أمتهم”.
وتابع: “الشَّاعر علي لقمان منذ بواكير شبابه لم يتوقف عند حدود الشعر بل خاض في أكثر من مجال، فهو الشَّاعر الموهوب الذي بدأ بكتابة الشِّعر منذ وقت مبكر، وتحديدًا منذ ١٩٣٤م، وأصدر خلال رحلته الشعرية، تسعة دواوين شعرية”.
وأشار ردمان إلى أن الشاعر لقمان، هو المسرحي الرائد الذي أصدر ست مسرحيات كانت الأولى (بجماليون)، والصحفي الطليعي بحكم تخصصه، فقد ذهب للدراسة الصحافة عام 1944م في كلية الآداب بالجامعة الأمريكية، القاهرة، وتخرج منها عام 1947م، وعمل بعد عودته مديرا لتحرير صحيفة (فتاة الجزيرة)، وهو أيضًا السياسي البارز الذي ساهم بتأسيس أول حزب سياسي وشغل منصب الأمين العام (الجمعية العدنية) عام 1949م، والمترجم الذي ترجم عدداً من قصائد الشعر الإنجليزي الرومانسي”.
وأكد على وجود كتابات نقدية للقمان في صحيفة فتاة الجزيرة مثل رسالة الأديب، مشيرًا إلى أن كتاباته عن الحركة الأدبية في مدينة عدن، التي نشرت في ثلاثة أعداد، تعدُّ أول توثيق لتاريخ الحركة الأدبية في عدن.
كما شرح ردمان، بشكل مفصل، وواسع، في ختام حديثه، بواكير التَّجديد الشِّعري عند الشَّاعر علي لقمان، الذي يُعد من الشعراء الرواد المجددين في مسار حركة الشعر الحديث.
ريادة أدبية ونقد اجتماعي
وفي ختام الأوراق المقدمة، سرد د.عبد المغني دهوان، في ورقته عن رواية سعيد لمحمد علي لقمان، التي اعتبرها “ريادة أدبية ونقد اجتماعي”.
وقال: “يعد محمد علي لقمان من أبرز وجوه الفكر والثقافة بعدن والجنوب عامة في النصف الأول من القرن العشرين، وقد كان مثقفا شاملا غزير الإنتاج ورائدا في مجالات الأدب والفكر والصحافة والتعليم والإصلاح الاجتماعي، ولا مجال هنا لحصر وتعداد إنجازاته في هذه المجالات، فكثير منها صار ذائعا ولا أظن أن أحدا لم يسمع بكتابه ذائع الصيت (بماذا تقدم الغربيون؟)، أو كتابه (قصة الدستور اللحجي)، أو بتأسيسه لصحيفة فتاة الجزيرة التي صدرت 1940م، بوصفها أول صحيفة عربية تصدر بعدن وجنوب الجزيرة”.
وأضاف: “رغم تنوع إنتاج محمد علي لقمان الفكري والثقافي تظل روايته (سعيد) التي صدرت عام 1939م، من أهم أعماله الخالدة ليس لأنها أول عمل روائي يصدر في عدن وجنوب الجزيرة وحسب، بل لأنه ضمنها خلاصة مشروعه الفكري النهضوي، ولأنها أيضا تشير بوضوح إلى الوعي المبكر لدى لقمان بأهمية الشكل الروائي وقدرته على التعبير عن هموم المجتمع وإشكالاته، وكذا قدرته على صياغة وتجسيد رؤية الكاتب وفلسفته في أهمية التغيير الجذري للقيم الاجتماعية السائدة التي يرى أنها السبب الرئيس في أزمة مجتمعه وتخلفه عن المجتمعات الأخرى”.
وتابع: “لقد كانت رواية سعيد محاولة مبكرة من لقمان للتحديث على مستوى النوع الأدبي والخروج عن التقليد السائد الذي يعلي من قيمة الشعر، ولا يمنح غيره من الأنواع الأدبية فرصة للظهور، بل ربما لا يعرف غير الشعر مذهبا وغاية، لذا جاءت رواية سعيد لتفتح بابا جديدا للإبداع يؤدي أو يهدف لفتح سبل جديدة نحو تأسيس منظومة جديدة من القيم الاجتماعية تغير الواقع السائد وتنطلق بالمجتمع نحو آفاق جديدة من المعرفة والتقدم، وهي الغاية التي كرس لها محمد علي لقمان جل أعماله”.
وشرح دهوان، في ورقته، كيف ظهرت القضايا الاجتماعية لمجتمع الثلاثينات في عدن عبر صراع الشخصيات التي تحركها منظومات قيمية متصارعة ترى كل منظومة أنها الأصل الذي ينبغي أن يسود ويهيمن، إلى جانب سرد البنية الدالة للنص في الرواية، وكذا الوعي القائم، وغيرها مما احتوتها الرواية من وعي، وتمرد، وغيرها.
مداخلات
وشهد حلقة النقاش الثقافية، تفاعلًا كبيرًا من الحاضرين، وتقديم عدد من المداخلات الخاصة بحلقة النقاش الثقافية، أثرت الحلقة بشكل كبير.