تسطر القوات المسلحة الجنوبية نجاحات متواصلة في جهود حفظ الأمن والاستقرار ومحاربة الإرهاب والتطرف في مناطق محافظتي أبين وشبوة، حيث تخوض القوات في المحافظتين حرباً مفتوحة ضد عناصر التنظيمات الإرهابية في مقدمتها تنظيما القاعدة وداعش بالمحافظتين، وأطلق القوات الجنوبية عمليتان متوازيتان الأولى في أبين تحت اسم "سهام الشرق" وأخرى في شبوة تحت اسم "سهام الجنوب"، أسهمتا في إعادة السكينة العامة للمواطنين وإنهاء الاختلالات الأمنية وتطبيع الأوضاع العامة، وتلقت تلك التنظيمات ضربات موجعة جراء الحملات المتفرقة التي تشنها القوات المسلحة الجنوبية بين الحين والآخر لمداهمة الأوكار الإرهابية والتحصينات التي تمركزت فيها تلك العناصر على مدى سنوات، وتمكنت من تطهير معاقل وبؤر إرهابية رئيسية في أبين وشبوة وسط إشادة محلية وإقليمية ودولية بما تحققه القوات الجنوبية من جهود في مجال مكافحة الإرهاب والقضاء على هذه الآفة الخطيرة.
وجاءت آخر الضربات التي تلقتها عناصر التنظيم الإرهابي في أبين منتصف مايو الجاري، عقب تطهير وتأمين أحد أهم الأودية التي كانت تتخذها معقلاً رئيسياً لإدارة عمليات التفخيخ واستهداف القوات المشاركة في سهام الجنوب بمحافظة أبين، وظل وادي الخيالة بضواحي مديرية المحفد بمحافظة أبين، بعيداً لسنوات طويلة عن الحملات الأمنية والعسكرية التي كان يتم إطلاقها من أجل القضاء على بؤر الإرهاب والتطرف في هذه المديرية، وخلال الأيام الماضية تمكنت القوات الجنوبية وتحديداً وحدات من اللواء أول دعم وإسناد وقوات الطوارئ التابعة للحزام الأمني من اقتحام هذا المعقل الإرهابي تحت عملية عسكرية أطلق عليها "نمر أبين2".
"المعركة مستمرة مع الإرهاب"
وبدت عملية الاقتحام والتطهير خاطفة، وتمكنت خلالها القوات من التوغل في الوادي والاشتباك مع العناصر الإرهابية التي كانت تتحصن فيه، وعثرت القوات الجنوبية على كمية كبيرة من الألغام والعبوات الناسفة بعضها كان مموهاً ومطابقاً للعبوات الناسفة التي تزرعها مليشيا الحوثي بجبهات القتال في المناطق المحررة،
وفي هذا السياق وأكد العميد نصر عاطف اليافعي، قائد اللواء أول دعم وإسناد، أن القوات مستمرة في عملية تأمين وتطهير كافة المناطق التي يتمركز فيها فلول الإرهاب بمديرية المحفد وباقي مديريات محافظة أبين، مشيراً إلى أن العناصر الإرهابية كانت تتخذ من "وادي الخيالة" والشعاب الجبلية المحيطة به مأوى لها ومخبأ للمتفجرات التي تستخدمها في زعزعة أمن واستقرار المحافظة، مضيفاً إن قوات اللواء أول دعم وإسناد وقوات طوارئ الحزام الأمني تمكنت من قتل وجرح عدد من العناصر الإرهابية، وأحكمت السيطرة على قرابة 90% من المواقع التي تأوي عناصر القاعدة الإرهابية في جبال ووديان الخيالة، مجدداً تأكيده بأن وحدات القوات المسلحة تواصل حملاتها العسكرية في تلك المناطق بهدف تأمينها ومنع العناصر الإرهابية من التسلل عبرها إلى المدن والقرى الحدودية من تلك المناطق لاستهداف المدنيين والقوات الجنوبية".
"تحركات القاعدة من الجبال"
ويتخذ تنظيم القاعدة من مثلث جبلي بين شبوة وأبين والبيضاء ملاذاً لتحركات عناصره، وخطوطاً رئيسية للتنقل بين المحافظات الثلاث وتنفيذ عمليات إرهابية ضد أبناء الجنوب وقواتهم المسلحة، ويمثل تطهير وادي الخيالة نقطة استراتيجية في استهداف هذا المثلث الجبلي ووأد التنظيم من هذه المرتفعات الجبلية شديدة الوعورة، ودفعت مؤخراً القوات الجنوبية بمزيد من التعزيزات العسكرية إلى مديرية مودية وسط أبين ضمن خطة الانتشار التي تعتزم القوات تنفيذها من أجل ملاحقة فلول القاعدة وإنهاء الهجمات الإرهابية التي تنفذها ضد القوات المرابطة في المديرية.
ورافقت التطورات المتلاحقة في أبين، تحركات أمنية موازية نفذتها قوات دفاع شبوة من أجل فرض الأمن والاستقرار وتعقب العناصر الإرهابية وتضييق الخناق على تحركاتها بين مناطق أبين وشبوة، وبدأت القوات الشبوانية عملية انتشار جديدة في مدينة عتق ومديريات مجاورة خصوصاً في منطقة المصينعة التي جرى تطهيرها ضمن عملية "سهام الجنوب" أواخر العام الماضي، وتأتي عملية الانتشار الجديدة في إطار خطة أمنية شاملة تهدف إلى تطبيع الأوضاع وحفظ الاستقرار وإحلال السكينة العامة في مديريات شبوة، كما شملت عملية الانتشار أيضا نشر وحدات من قوات دفاع شبوة على طول الخط الرئيسي الرابط بين مدينة عتق، مركز المحافظة ومنطقة العبر بمحافظة حضرموت المجاورة، ونشرت حسابات قوات دفاع شبوة تسجيلاً مصوراً يوضح بدء عملية الانتشار التي قامت بها القوات في الطريق العام كمرحلة أولى، وقالت القوات إن نشر الوحدات يأتي ضمن خطة استكمال الانتشار وتأمين مديريات محافظة شبوة، وضمن المرحلة الأولى في الخط الدولي الرابط بين عتق والعبر لتأمين المسافرين وتثبيت الأمن والاستقرار وحماية المواطنين.
"دعم الحوثي لإنقاذ القاعدة"
ومع استمرار تضييق الخناق على تحركات عناصر القاعدة بأبين وشبوة، دفعت الميليشيات الحوثية الحليف الاستراتيجي للتنظيم إلى تفجير معارك عنيفة في عدة محاور لتخفيف الضغط على التنظيم الذي بات يعيش أنفاسه الأخيرة في المحافظتين، وصعدت مليشيا الحوثي من هجماتها على قوات دفاع شبوة في الشريط الحدودي مع محافظة البيضاء، ناهيك عن الهجمات الجوية الفاشلة التي تنفذها الميليشيات المدعومة من إيران عبر طائراتها المسيرة ضد مناطق شبوة، وتزامنت حملات تطهير وادي الخيالة في أبين مع هجمات عنيفة شنتها الميليشيات الحوثية في جبهة الحد يافع محافظة لحج في مسعى لإنقاذ تنظيم القاعدة من السقوط، كما نفذت الميليشيات مناوشات متكررة ضد القوات الجنوبية المتمركزة في جبهة عقبة ثرة بمحافظة أبين وسط تمكن القوات من إفشال عمليات التسلل والهجمات المتكررة التي تسعى من خلالها الميليشيات إلى دعم وإسناد عناصر الإرهاب التي تواجه مصيرها المحتوم وتكتب نهايتها في المناطق المحررة على يد القوات المسلحة الجنوبية.
ويعكس تصعيد الميليشيات الحوثية من عملياتها العسكرية ضد محافظات شبوة وأبين ولحج، طبيعة العلاقة الوطيدة والتخادم بين عناصر التنظيم الإرهابي والمليشيات الحوثية، ولم تكتف الميليشيات بالتصعيد العسكري بل وسعت الدعم اللوجيستي للتنظيم الإرهابي من خلال خط إمداد مفتوح للمتفجرات والعبوات الناسفة المموهة التي تطابق بشكل كبير العبوات الناسفة التي تزرعها خلاياها بالمناطق المحررة، ووصل التنسيق والدعم الحوثي لتسليم تنظيم القاعدة طائرات دون طيار إيرانية الصنع لشن هجمات إرهابية ضد مواقع القوات الجنوبية، وبرز أول هجوم نفذه تنظيم القاعدة ضد قوات دفاع شبوة في منطقة المصينعة بمديرية الصعيد في الـ 12 من مايو 2023، واعترف تنظيم القاعدة في بيان صادر عنه، بشن الهجوم الجوي الذي يؤكد حقيقة المعلومات التي تحدثت عن تسلم القاعدة شحنة طائرات مسيرة من الحوثيين خلال الفترة الماضية.
ويأتي تسلم القاعدة طائرات مسيرة من الحوثيين في إطار التعاون المشترك بين الطرفين وفي ظل مساع إيرانية عبر الحوثيين لإنقاذ التنظيم الإرهابي من السقوط وإنهاء تواجده في المحافظات الجنوبية، ووفقاً لمصادر عسكرية فإن إيران بدأت بتفعيل كرت القاعدة عن طريق إيصال دعم حديث عبر مليشيات الحوثي المسيطرة على محافظة البيضاء المجاورة لمحافظتي أبين وشبوة، موضحة أن الضربات الموجعة التي تلقاها التنظيم على يد القوات المسلحة الجنوبية، دفعت بإيران والحوثيين إلى التحرك نحو تعزيز قدرات القاعدة ولمنع سقوطه، وأشارت المصادر إلى أن الميليشيات استغلت الهدنة الأممية الأخيرة وما بعدها من هدوء ومرحلة اللا حرب، من أجل تعزيز قدرات تنظيم القاعدة عبر أجهزة وأسلحة حديثة مهربة من إيران قادرة على شن هجمات جوية ضد القوات الجنوبية.
"إيران وراء تمويل الإرهاب بالجنوب"
وخلال عمليات التطهير التي نفذتها قوات سهام الشرق وسهام الجنوب ضد معاقل الإرهاب في أبين وشبوة، عثرت القوات الجنوبية على دلائل تؤكد الدعم الإيراني لهذه العناصر الإرهابية من أجل زعزعة الأمن والاستقرار وإثارة الفوضى والخراب في المحافظتين الجنوبيتين،
وفي هذا السياق قال المتحدث الرسمي للقوات المسلحة الجنوبية المقدم محمد النقيب:" إن إيران وخبراءها هم الممول الرئيس لتنظيم القاعدة الإرهابي في الجنوب، مضيفاً: في كل مرة يأتينا ما يثبت من حقائق بأن عناصر تنظيم القاعدة وداعش يحصلون على إمدادات عسكرية كالمتفجرات المصنعة محلياً بالتقنية ذاتها التي يتم ضبطها على مسرح العمليات العسكرية في مواجهة المليشيات الحوثية، مشيراً إلى أن ميليشيا الحوثي تقر بالحصول على تسليحها المتطور من إيران عبر خطوط التهريب خصوصاً عبر البحر الأحمر الذي تسيطر على جزء كبير منه، لافتاً إلى أن المليشيات تحصلت دعم إيراني على دفعات كثيرة ليس فقط على مستوى الامداد العادي بل الامداد الاستراتيجي وهي اليوم تمتلك طائرات إيرانية مسيرة لضرب المصالح الدولية سواء داخل الجنوب أو داخل السعودية وصولاً إلى الإمارات.
كما أوضح المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة الجنوبية المقدم محمد النقيب، بإن القوات المشاركة في عملية "نمر أبين2" تمكنت من الوصول للعناصر الإرهابية التي كانت تحاول إعادة التموضع في مرتفعات وجبال وادي الخيالة، مؤكداً بإن تطوير وتحديث أدوات مكافحة الإرهاب مكن القوات الجنوبية من الوصول إلى مكان تموضع العناصر الإرهابية، وافقدت شبكتها النارية تلك العناصر من القدرة على الدفاع وجعلتها تلوذ بالفرار"، مشيراً إلى أن القوات المسلحة الجنوبية مستمرة في ملاحقة العناصر الإرهابية في وادي الخيالة حتى يتم تطهيره بشكل كامل".
"إشادة أمريكية بمعارك القوات الجنوبية ضد الإرهاب"
على صعيد متصل، أوضح تقرير صادر عن المركز الأميركي للدراسات «ACSYS، أن محافظة أبين ابتليت بآفة الإرهاب لسنوات عدة، دمرت خلالها مدنها وقراها، مشيراً إلى أن إطلاق القوات الجنوبية عملية سهام الشرق ضد تنظيم القاعدة بداية فصل جديد سيعيد السلام والاستقرار إلى المحافظة، وقال التقرير إنه منذ بدء عملية سهام الشرق في 23 أغسطس 2022، سيطرت القوات المسلحة المؤلفة من تشكيلات الحزام الأمني ومحور أبين ووحدات مكافحة الإرهاب والمقاومة الجنوبية، على مناطق ومعسكرات رئيسية في مديريات خنفر وأحور ولودر والوضيع ومودية والمحفد، وكانت تكلفة السيطرة على أبين باهظة باستشهاد أكثر من 70 جندياً من أبطال القوات الجنوبية.
وأضاف التقرير: لم يكن إطلاق العملية العسكرية سهام الشرق لمكافحة الإرهاب في أبين مصادفة، بل رد فعل على الهجمات الإرهابية المتزايدة من قبل خلايا القاعدة والحوثيين ضد القوات الجنوبية والمدنيين، وحث المركز الأميركي للدراسات في ختام تقريره على ضرورة حماية المكاسب التي حققتها القوات المسلحة الجنوبية في مجال مكافحة الإرهاب في محافظتي أبين وشبوة، مطالباً التحالف العربي والولايات المتحدة بمواصلة دعم وتدريب هذه القوات التي أثبتت مراراً جدارتها وفعاليتها ضد القاعدة والجماعات الإرهابية والتنظميات المتطرفة الأخرى، لأفتاً إلى إطلاق عدة عمليات أمنية وعسكرية في الماضي لتحرير أبين من سيطرة القاعدة ولكن تلك المكاسب المحققة غالباً ما تتلاشى بسبب سيطرة جماعة الإخوان التي مهدت الطريق لعودة العناصر الإرهابية إلى محافظتي أبين وشبوة كما حدث في أواخر عام 2019، مما سمح للقاعدة في شبه الجزيرة العربية بحرية الحركة والوصول إلى المخيمات والمخابئ التي طردوا منها.
"مخاوف جماعة الإصلاح الإرهابية بعودة دولة الجنوب "
تثير تحركات المجلس الانتقالي في سبيل توحيد الصف الجنوبي لتحقيق هدف استعادة الدولة، قلق بعض القوى الشمالية في اليمن ولاسيما حزب الإصلاح الإرهابي الذي يشكل الواجهة السياسية لجماعة الإخوان، وتقول الكثير من الأوساط السياسية إن النداءات التي يوجهها الحزب الإخواني بشأن أهمية الوحدة وضرورة الحفاظ عليها نابعة من موقف ضعف بعد أن استحوذ جماعة الحوثي في وضع يدها على كل الشمال تقريباً أو ما يعرف بالجمهورية العربية اليمنية، وتلفت الأوساط إلى أن جماعة الإخوان تدرك أنه مع بسط الجماعة الموالية لإيران نفوذها على الشمال باستثناء جزء من محافظة مأرب وانطلاق مسار استعادة دولة الجنوب، فإنه عملياً لم يعد لها أي ثقل أو موطئ قدم مؤثر، وهذا ما يدفعها إلى الترويج لخطاب وحدة اليمن، مع أنه كان لها الدور الرئيسي في فشل هذا المشروع وإجهاضه في مهده، كما تشير الأوساط نفسها إلى الدور الذي لعبه تنظيم الإخوان في اليمن في ضرب مشروع الوحدة سواء كان قبل الإعلان عنه في العام 1990، حيث اعتبروا تلك الخطوة مستعجلة وسعوا لإفشالها في ذلك الحين وأيضا في حرب صيف 1994، وما تلاها حينما استباحوا الجنوب ونكلوا بأهله.