برزت جهود قيادة المجلس الانتقالي السياسية الحكيمة مؤخراً من خلال توقيع الأحزاب والمكونات والكتل السياسية والمنظمات الاجتماعية الجنوبية، ميثاقاً وطنياً لبناء دولة الجنوب الفدرالية المستقلة، وأكدت بنود الميثاق الوطني، على إعادة الدولة التي كانت قائمة في محافظات الجنوب وبناء "الدولة الجنوبية كدولة اتحادية ديمقراطية مدنية عربية ومسلمة ذات سيادة"، وأشارت إلى أن اسم الدولة المستقبلية سيحدده المواطنون في استفتاء على الدستور، فضلاً عن ذلك يحتوي الميثاق الوطني على التزام بالحفاظ على علاقات حسن الجوار وتنميتها أولاً وقبل كل شيء مع الجمهورية العربية اليمنية ودول الخليج العربي.
"نهج وطني جنوبي لاستعادة الدولة"
ورغم الوقت الضيق لصياغة قضايا كبيرة تمت مناقشتها في مؤتمر الحوار الجنوبي الذي انعقد في العاصمة عدن من 4 - 8 مايو الجاري، فقد تضمنت مخرجات المؤتمر قرارات هامة بشأن القضية الجنوبية وتحديد مصير الجنوب ساعد في ذلك بشكل واضح الانخراط الطويل للمكونات الجنوبية في صلب القضية والذي يعود إلى ما يقارب العقدين من الزمن، وخرجت القوى المشاركة في هذا المؤتمر بخمس وثائق، وسوف تتطرق هذه القراءة إلى مضمون "الميثاق الوطني الجنوبي" باعتباره الوثيقة التي تتضمن الخطوط العريضة لنهج القوى والمكونات الجنوبية الخاص بمصير الجنوب بعد 33 سنة من الوحدة مع الشمال وما رافق الوحدة من اختلالات في الشراكة الوطنية لليمن الموحد أدت في نهاية المطاف إلى رفع شعار "فك الارتباط" ثم "استعادة الدولة الجنوبية".
"مشروع التحرر والنهوض الوطني"
وتضمن الميثاق الوطني الجنوبي محورين رئيسيين: الأول تحت عنوان "أسس ومبادئ عامة حاكمة" والثاني "قضية شعب الجنوب"، وفي المحور الأول تم التركيز على عنصرين أساسيين من عناصر تكوين الدولة: "الأرض والإنسان" وتنويعاً عليهما تناولت البنود التفصيلية للميثاق تحديد الجغرافيا بحدود ما قبل 22 مايو 1990، والإنسان: كل مواطن يعيش على هذه الجغرافيا ضمن النسيج الاجتماعي للجنوب، واعتبر الميثاق هذين العنصرين "مرجعين حاكمين" لمضامين "مشروع التحرر والنهوض الوطني" لدولة الجنوب المنشودة.
وتحت عنوان المحور الأول ورد تعريفان أحدهما لـ"مرجعية الوطن والهوية الجامعة" والآخر لـ"مرجعية الإنسان / الشعب"، وخصص للأول عشرة بنود شملت بناء الدولة وتنميتها وحقوق المواطنة المتساوية واحترام الهويات والخصوصيات الثقافية والتاريخية والجغرافية لكل المناطق الجنوبية وصيانتها في إطار هوية جنوبية جامعة في ظل هوية عربية إسلامية وتحت نظام حكم فيدرالي أساسه المدنية والديمقراطية والسيادة الوطنية غير المنقوصة، على أن يقوم بناء الدولة الجنوبية المنشودة على "الإرادة الشعبية والمواطنة المتساوية واحترام القانون وضمان حق الأقاليم في الإدارة المحلية كاملة الصلاحيات" بدون أي هيمنة مركزية بشرط الحفاظ "على الوحدة الوطنية في نطاق الدولة الاتحادية ودستورها".
"الجنوب جزء من الأمة والهوية الإسلامية"
وفي ما يتعلق بالنظام السياسي للدولة، نص الميثاق على أن يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عن طريق الانتخابات، واللافت في هذا البند هو "تحريم وتجريم تكوين الأحزاب السياسية على أساس ديني أو مذهبي أو طائفي أو عرقي أو سلالي أو جهوي أو مناطقي"، وتطرق هذا المحور أيضاً إلى ضمان استقلالية القضاء ونزاهته، وإعطاء حق اتخاذ القرار النهائي حول اسم الدولة إلى الشعب عبر استفتاء شعبي، وهو ما يتكرر في بعض بنود الميثاق التي تحيل القرار النهائي في القضايا الكبيرة إلى الشعب وعبر عملية ديمقراطية تتمثل بالاستفتاء والانتخاب، وعرج هذا المحور أيضاً إلى تعريف الجنوب كـ"جزء من الأمة والهوية العربية الإسلامية والإنسانية" وإلى احترام الشعوب والبلدان الأخرى والتعايش السلمي، معطياً الأولوية للشعب في شمال اليمن ودول الخليج العربي، كما نص على التكامل والتعاون في مكافحة الإرهاب والتطرف وإنشاء برامج تعليمية وتوعوية خاصة لهذا الغرض.
وفي تعريف "مرجعية الإنسان"، تطرق الميثاق إلى ضمان احترام حق ممارسة الشعائر الدينية ونبذ ثقافة التطرف والإرهاب والعصبية والعنصرية، ونبذ العنف بكافة أشكاله واعتماد الحوار كوسيلة وحيدة لحل كل الخلافات في جميع القضايا الوطنية والسياسية، وهي قيم لا يغفل عن أهميتها عاقل للحفاظ على استقرار المجتمع والدولة.
"احترام التباين والاختلافات .. مرجع ضامن للحرية"
كما تناول الميثاق أيضاً حرية الفكر والإبداع والتعبير وانتهاج خطاب سياسي وإعلامي يجمع ولا يفرق، ونص في هذا الشأن على ضرورة صياغة ميثاق شرف إعلامي يتضمن تفاصيل الخطاب الإعلامي المنشود، ولم يفوت كذلك البنود الخاصة بالمرأة والشباب وبالتعليم العام والديني وضمان احترام التباين والاختلاف بين المدارس الفقهية وانتظام كل مراكز التعليم في إطار المؤسسات التعليمية للدولة، وهذه نقطة مهمة للغاية، حيث لا يمكن أن تُحل مثل هذه الاختلافات أو التباينات سوى في إطار الدولة وهي المرجع النهائي والضامن لحرية وضوابط الاختلاف على أساس التنوع وليس على أساس التعدد المفضي إلى صراعات تخل بسكينة واستقرار المجتمع والدولة، كما نص أحد بنود الميثاق الوطني على "حماية الديموغرافيا الجنوبية وحفظ وتوثيق السجل المدني قبل العام 1990م، ومراجعته عقب ذلك".