جددت المعارك الأخيرة التي شهدتها جبهات البيضاء اليمنية وتحديدًا بالزاهر، التذكير بحجم الضرر الذي يلحق بالمعركة ضد انقلاب الحوثي جراء العبث والفساد الذي تمارسه الشرعية يصل أحياناً إلى مرتبة الخيانة العظمى.
المعارك التي تدخل أسبوعها الثاني مثلت في بدايتها صدمة عسكرية لمليشيا الحوثي باكتساح مواقعها بشكل كامل بمديرية الزاهر وتحرير المديرية بعد 48 ساعة فقط من انطلاقها، على أيدي مقاومة آل حميقان وقوات العمالقة الجنوبية ووصولها إلى أولى مناطق مديرية البيضاء مركز المحافظة.
وعلى المحور الغربي المقابل للزاهر تساقطت مواقع مليشيا الحوثي في جبهات الصومعة على يد مقاومة الحازمية واقتربت المعارك من مفرق عوين الاستراتيجي الذي يمثل خط الإمداد الوحيد لمليشيا الحوثي بمديرية مكيراس وجبال ثرة، ما يعني تحريرها بالكامل وتطويق مركز المحافظة من الجهة الغربية.
ومثلت هذه التقدمات صدمة حقيقية لمليشيا الحوثي التي تناست مشاهد الفرار والهزيمة منذ نحو عامين، وتحديداً منذ أواخر عام 2018م حين أوقف اتفاق السويد سحقها في مداخل مدينة الحديدة على يد القوات المشتركة، واُعتبر أشبه بطوق إنقاذ لها على يد الشرعية من محرقة الساحل الغربي.
وأعاد الاتفاق الروح في جسد الحوثي ليجمع قواه ومليشياته وتوجيهها نحو أهداف أسهل وجبهات أقل صلابة وتماسكاً من جبهة الساحل يحقق من خلالها انتصارات تعيد حشد المقاتلين إلى صفوفه، ووجد ذلك في جبهات الشرعية التي بدأت بالتساقط أمامه في مشاهد محيرة، بدءاً بالعود وقعطبة بالضالع إلى جبهة كتاف بصعدة ثم جبهات نهم والجوف وقانية بالبيضاء إلى مشارف مدينة مأرب اليمنية.
وولدت سلسلة من الانتكاسات المؤلمة مشهداً محبطاً لمناهضي الحوثي وخلقت فقاعة وهمية له كقوة لا تقهر، إلى أن جاءت معارك البيضاء اليمنية لتعيد له صورته الحقيقية كمليشيا تستمد قوتها منذ عام 2015م من فساد وعبث الشرعية وتآمر جماعة الإخوان المسيطرة على القرار داخلها.
وتجسدت هذه الحقيقة في الانتكاسة التي تعرضت لها المعركة في البيضاء اليمنية، بتمكن مليشيا الحوثي من وقف زخمها مؤقتا وتحقيق اختراق مفاجئ مكنها من استعادة مركز مديرية الزاهر الخميس الماضي، واستعادة أغلب المواقع التي تم تحريرها مؤخراً.
ورغم تمكن مقاومة آل حميقان وقوات العمالقة الجنوبية من امتصاص ما حصل واستعادة زمام الأمور كما كانت عليها باستثناء مركز المديرية الذي باتت المعارك تدور حوله، إلا أن تفاصيل ما حصل جدد التذكير بحقيقة العبث والفساد الذي تدير به الشرعية ملف الحرب في اليمن بتواطؤ مفضوح مع جماعة الحوثي.
وقبل سقوط مركز الزاهر كانت الأصوات تحذر من استمرار المعارك في البيضاء اليمنية مع بقاء جبهات الشرعية متوقفة، ما يسهل على جماعة الحوثي تركيز قوتها نحو البيضاء وسحب مقاتليها من هذه الجبهات، وهو ما شكا منه الناطق باسم مقاومة آل حميقان بعد يوم من سقوط مركز المديرية، من أن مليشيا الحوثي حشدت أكثر من 3 آلاف مقاتل إلى البيضاء اليمنية من هذه الجبهات.
مشهد بات يتكرر مع أي تحرك لأي جبهة قتالية ضد جماعة الحوثي، وأعاد التذكير بمأساة مقاومة قبائل حجور في حجة في يناير من عام 2019م التي استمرت لأكثر من شهرين وتمكن الحوثي من الإجهاز عليها بعد أن مكنه تجميد اتفاق السويد لمعركة الحديدة من قبل الشرعية وتجميدها لباقي الجبهات من التفرغ لإخماد مقاومة حجور التي كان يفصلها عن أقرب جبهة للشرعية 25كم فقط.
وإلى جانب تجميد الجبهات أعادت معارك البيضاء اليمنية التذكير بكارثة بقاء ملف الاتصالات بيد جماعة الحوثي، حيث أكد مقاتلون في هذه المعارك بأن قطع جماعة الحوثي للاتصالات مثل أحد العوامل التي مكنتهم من اختراق جبهة الزاهر والوصول إلى مركزها.
ورغم خروج 70% من مساحة اليمن من سيطرة مليشيا الحوثي، إلا أن الشرعية عجزت عن توفير شبكة اتصالات مؤمنة لها بعيداً عن يد المليشيا رغم خطورة بقاء ملف الاتصالات بيد مليشيا الحوثي وبخاصة في الجانب العسكري والأمني.
وبرز ذلك واضحاً في الهجوم الذي تشنه جماعة الحوثي للسيطرة على مدينة مأرب اليمنية، حيث انتشرت عشرات التسجيلات لمكالمات أجراها عناصر الحوثي مع شخصيات قبلية وعسكرية في مأرب بهدف استمالتهم إلى صف الحوثي أو تحييدهم عن المعركة، وكان لافتاً تأكيد أحد عناصر الحوثي بمكالمة له مع أحد مشايخ مأرب بأنهم يملكون قائمة أرقام بأكثر من 5000 اسم لمعظم القيادات المتواجدة في مأرب اليمنية.