وسط الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها المواطنون بشكل عام، والتي كانت الحرب هي سببها الرئيس، ولا تزال، يعيش النازحون من ويلات الحرب والدمار في مخيمات النزوح أوضاعًا إنسانية شديدة الصعوبة، حيث يفتقد معظمهم إلى أبسط المقومات الأساسية والضرورية التي تبقيهم على قيد الحياة كالغذاء والمأوى، وتزداد حالتهم سوءاً خصوصاً هذه الأيام مع موسم نزول الأمطار.
لا يختلف الوضع الإنساني العام في محافظة الضالع عن المحافظات الجنوبية الأخرى، بل واليمن برمته، فالمواطنون يعانون من انقطاع المرتبات وغلاء الأسعار، وفقدان للخدمات العامة، ضف إلى ذلك أن هذه المحافظة تعاني أيضاً من ويلات الحرب الدائرة على حدودها الشمالية، منذ ما يقارب عامين، والتي أثقلت كاهل المواطن.
تتفاقم هذه المعاناة يوماً بعد آخر، فأوضاع النازحينَ والمشردينَ الذين دَمّرت المليشيات الحوثية منازلهم وشردتهم من قراهم وبلداتهم، لم يروا سوى مخيمات النزوح ملاذًا أخيرًا لتأوييهم وأطفالهم.
فمخيمات النزوح وحدها في محافظة الضالع لا تفرق بين جنس أو لون، ولا جنوبي أو شمالي، الجميع فيها يتقاسمون نفس المعاناة ويتجرعون مرارة العذاب وسط هذه القرى البيضاء والتي ما زادت حياة هؤلاء إلا سواداً وحلكة في حياتهم، يعيشون على بصيص أمل المساعدات اليسيرة التي تقدمها لهم بعض المنظمات الإنسانية.
واجه هؤلاء النازحون في بداية الحرب أصنافًا كثيرة من المعاناة، رحى الحرب التي اندلعت فجأة في شمال الضالع قبل نحو عامين فاجأت هؤلاء وأجبرتهم على النزوح بجلودهم هرباً من الموت، كما فاجأت أيضا جميع الهيئات والمنظمات الإغاثية التي لاقت صعوبة كبيرة في توفير المساعدات الإغاثية العاجلة لهم.
وبمجرد النفاذ بجلودهم وأطفالهم من الموت ووصولهم إلى المناطق الآمنة، وواجهتهم صعوبات كثيرة تحمل في طياتها أصنافًا من العذاب التي تجرعها هؤلاء النازحون منذ لحظة خروجهم من منازلهم حتى اليوم، حتى أصبح كلٌ منهم قصة بحد ذاته.
البحث عن مأوى
الحاجة نور محمد الصريحي، من أهالي من منطقة صبيرة –الجب، عند لقاءنا بها أخذت تحدثنا عن معاناتها وأسرتها مع النزوح، منذ تركها لمنزلها الكائن في عزلة الجب جنوبي بلدة صبيرة حتى وصل بها الحال إلى الظفر بخيمة صغيرة في هذا المخيم، والتي شيدتها لها ولأسرتها إحدى المنظمات في وقت قريب، بعد أن تركت - كغيرها من غالبية النازحين حينها - لفترات طويلة في المدارس التي كانت بمثابة ملاذهم الوحيد، دون أن تلتفت إليهم أي جهة إلا ما يقدمه المواطنون وفاعلو الخير.
الحاجة نور الصريحي وهي تتحدث معنا كنا نشعر بمدى مرارة الألم الذي يسكنها وهي تصف أبرز الصعوبات التي واجهتها وأسرتها طوال فترة النزوح، حيث قالت: "في بداية الأمر كانت من أكبر الصعوبات هي إيجاد مأوى لأطفالي بعد أن باتت جميع مدارس المدينة مكتظة بالنازحين وكانت أمنيتي أن أجد سقفا يأويني وأطفالي".
استمرت الحاجة مريم وأسرتها مع مئات الأسر النازحة في المدارس حتى بدأت بعض المنظمات تشيد مخيمات خاصة بهم، توزعت على مناطق الجليلة وجلاس وحجر وقعطبة، وكانت هذه الخطوة بمثابة بادرة أمل بالنسبة للنازحين، لكنهم لا يعرفون أنها كانت أشبه إلى سجون يلاقي فيها النزيل أصنافًا من العذاب - حسب وصفهم.
ذوو الاحتياجات الخاصة.. معاناة مضاعفة
الطفل حاشد علي عبدالله، الاثنا عشر ربيعاً، يعاني من إعاقة ويحتاج إلى رعاية صحية متواصلة في مرفق صحي متخصص، لكنه ترك هنا في زوايا الخيمة كغيره من النازحين، دون أن يقدم له أدنى ما يحتاجه من علاج لازم؛ نظراً لحال أسرته الذي أصبح يشكل لها ثقلاً إضافياً من المعاناة.
تقول والدته إنه إضافة إلى المعاناة التي يتشارك فيها النازحون هنا، تعاني هي وزوجها أيضاً معاناة توفير العلاجات وغيرها من متطلبات الرعاية اللازمة لطفلهم المريض، فرعايته يتطلب من الأم ملازمته والتواجد بجانبه ورعايته بشكل متواصل إلى جانب إخوته الصغار.
وتواصل والدة الطفل بشكواها أنه في نفس الوقت تحتاج للذهاب لجلب الحطب أو الماء من أماكن بعيدة، وإعداد الطعام والغسيل وغيره، وهذا الأمر سبب لها ضغطا كبيرا في مجهودها ووقتها في ظل غياب الأب الذي يظل طوال اليوم ساعياً في طلب الرزق حتى يوفر قيمة العلاج لطفله المريض، إضافة إلى توفير لقمة العيش لباقي أطفاله وأسرته التي باتت جميعها تقتات على الدخل اليومي المحدود الذي يحصله الوالد، والذي بالكاد يغطي قيمة العلاج اليومي لطفله المريض.
مرضى يعانون من أمراض مزمنة
مواطن ثلاثيني ينزل مخيم عسقة وسط منطقة حجر، يعاني من مرض مزمن تسبب في فقدان بصره بالكلية، إضافة إلى تورم في يديه ورجليه حتى أنه لا يقوى على الحركة لشدة تورم حافة قدميه، وبات طريح الفراش في خيمته بين أولاده وزوجته، ولأنه بحاجة إلى علاج متواصل، تزداد حالته سوءًا يومًا بعد آخر بعد أن بات عاجزا عن توفير ما يسد به رمق أطفاله، فكيف سيوفر قيمة العلاج في وضعه الصحي هذا.
وفي حديثنا مع زوجته قالت: "أصبحت لا أدري ماذا أصنع، ولا ماذا أفعل غير الدعاء إلى الله والبكاء، أتألم لمنظر زوجي وهو بهذا الحال وأتألم أكثر لأطفالي الذين لا زالوا جميعهم صغارًا بحاجة إلى رعاية، فلولا الله وما تقدمه المنظمات لمتنا جوعاً".
معاناة الموسم.. أمطار تقتلع الخيام وتفسد الأمتعة
في مثل هذه الأيام مع موسم نزول الأمطار، تضاف إلى معاناة هؤلاء النازحين، في هذه المخيمات، معاناة أخرى، حيث تتسرب المياه إلى داخل هذه المخيمات وتتلف أمتعتهم، فيما العواصف المصاحبة لهذه الأمطار تقتلع بعضها، ليبيت هؤلاء بلا مأوى وبلا غذاء.
زيارتنا للمخيم كان في وقت الصباح بعد ليلة ماطرة، وما إن وصلنا رأينا النساء والأطفال أشبه بالنمل يحملون أمتعتهم من فرشان ومواد غذائية وملابس وغيرها من داخل خيمهم ويخرجونها إلى الخارج.
التقينا أحد النازحين يدعى الحاج عبدالله علي حسين، نزح من بلدة صبيرة إلى هذا المخيم، سألناه عن سبب ما نشاهده، فقال والإنهاك والتعب بادياً عليه: "يا أولادي، لم ننم طوال الليل، لا نحن ولا أولادنا، يعترينا البرد والخوف والجوع أيضاً، بتنا ليلتنا لا ندري أنمسك بالخيام خوفاً من أن تقتلعها الرياح أم ندفع المياه بعيداً عنا وعن أمتعتنا أم نطمئن الأطفال، كانت ليلة مرعبة، دخلت كميات كبيرة من مياه المطر إلى داخل مخيماتنا وبللت كل شيء حتى ملابسنا، والآن نقوم بإخراج كل هذه الأمتعة حتى تتعرض للشمس لإنقاذ ما يمكن إنقاذه".
دعانا الحاج عبدالله بعدها إلى إحدى الخيم القريبة من مكان تواجدنا وأظهر لنا أكياسًا تحتوي على بعض الدقيق وبعض الأرز التي فعلاً باتت فاسدة بسبب تسرب المياه إليها، ثم ذهب بنا أيضاً لنلقي نظرة إلى بعض الخيام التي فعلاً اقتلعتها العواصف المصاحبة للمطر.
النساء يقمن بجلب الحطب من جبل يبعد نحو 3 كم2 عن المخيم
كل شيء في هذا المخيم يوحي بالمرارة، حتى عملية توفير الحطب لطهي الطعام، تتطلب من النساء جهدا شاقا لتوفيره، حيثُ يتوجب عليهن كل يوم قطع مسافة تقدر بـ 5 كم ذهاباً وإياباً بعد أن يقمن بعملية تسلق شاقة ومن ثم العودة يحملن حزم الحطب على رؤوسهن .
هكذا يعيش هؤلاء النازحون في مخيم عسقة وسط منطقة حجر وغيره من مخيماتِ النزوح هنا في محافظة الضالع، وسط ظروف استثنائية وقاسية، حيث يعيشون على هامشِ المساعداتِ الإنسانية التي تأتي أحياناً، وتغيبُ في أوقاتٍ كثيرة.
فمعاناة هؤلاء النازحين في مخيمات النزوح في الضالع كبيرة وتزداد كل يومٍ، فالنزوح وحده معاناة حتى وإن توفرت جميع الخدمات فيه، فكيف سيكون يا ترى بدون أيٍّ منها؟!