قرار الإدارة الذاتية وكما أثبتت التجربة خلال الأشهر الثلاثة الماضية؛ بأنه كان أساساً قراراً غير مدروساً بما فيه الكفاية ومهما كانت النوايا صادقة ومخلصة عند إتخاذه؛ وكان بمثابة رد فعل مباشر على عدم تطبيق إتفاقية الرياض ولسوء الأحوال العامة والخدمات في عدن تحديداً وفي الجنوب بصورة عامة؛ وكأنه رسالة سياسية لا أكثر يراد إيصالها لعدة أطراف وفي وقت واحد !
ولم يكن ممكناً من الناحية العملية تطبيقه وبنفس الأشخاص ونفس الإدارات والآليات المتبعة ودون تغيير حقيقي فيها؛ ناهيك عن الأعمال التخريبية المتعمدة في كثير من المؤسسات التي كانت هدفاً للتغير؛ وأستماتت قوى الفساد فيها دفاعاً عن مصالحها وبدعم من قوى أخرى تلتقي معها عند نفس الإهداف؛ مما جعل الأمر معقداً ومحكوما عليه بالتعثر وبغض النظر عن بعض النجاحات الجزئية هنا وهناك؛ مع وجود شرعية معترضة على القرار وهي الشرعية المعترف بها أيضاً من قبل الإنتقالي؛ والذي برر ما أقدم عليه بأنه يهدف للرقابة ومحاربة الفساد في مؤسسات الدولة وتوفير الخدمات !!
لقد أجتهدنا ونبهنا لبعض الأمور في حينه؛ وكيف يمكن التصرف وماهي الإجراءات المطلوب إتخاذها ليكون القرار خطوة جادة وفي الإتجاه الصحيح؛ وكان مبرراً بالنظر للأسباب التي أعلنت حينها وشكلت خلفية لإتخاذه؛ وعموماً هذه معركة سياسية حقيقية فيها التقدم والتراجع؛ في ظل عملية صراع محتدمة وقائمة على أشدها؛ وقد تزداد حدتها في الأيام القادمة بالنظر لخطورة وحساسية بقية البنود والملفات التي يتضمنها إتفاق الرياض؛ بشرط أن تكون الخطوات والتنازلات مدروسة وبحسابات دقيقة جداً؛ وربما هناك حسابات وأمور أخرى ما تزال غامضة لدى أكثر من طرف ومرتبطة بالوضع السياسي العام وبالحل النهائي للأزمة في اليمن وبالتسوية المنتظرة لها؛ والتي نخشى أن تكون على حساب الجنوب وقضيته إن لم يحسم الجنوبيين أمرهم في توحيد رؤاهم وموقفهم من كل ذلك؛ فهي البوابة الواسعة التي يدخل منها خصوم الجنوب وأعداء قضيته لينالوا منها ويعطلون كل خطوة بالإتجاه الصحيح؛ فبوحدة الصفوف والإرادة والموقف والقرار القائم على التفاهم والتوافق الجنوبي المسؤول سينتصر الجنوب؛ وبغير ذلك سيبقى الباب مفتوحاً لمزيد من عبث القوى الأخرى في الجنوب وبكل الأشكال والصور التدميرية؛ ونعتقد بأن تنفيذ إتفاق الرياض بين الحكومة والإنتقالي؛ يوفر الفرصة المناسبة لذلك ويشكل مدخلاً مهما لإستكمال الحوارات الجنوبية الجادة والبعيدة عن أية حسابات اخرى .
وأخيراً لا بد من الإشارة هنا لما كان قد ورد في بيان الناطق الرسمي للمجلس الإنتقالي الجنوبي؛ بأن قرار إلغاء الإدارة الداتية قد أتى بعد أن حققت أهدافها وكأنه لم يكن شرطاً موضوعاً من قبل ( الشرعية ) وبضغط من التحالف؛ وبأن القبول به كان له ثمناً سياسياً من نوع كذا وكذا وبضمانات من نوع ما؛ لهو أمر مؤسف وبعيد عن المنطق؛ فهي أساساً قد ألغيت بهذا القرار وقبل أن تحقق أهدافها؛ ومازال الناس يتفاعلون ويتحركون جماهيرياً لتأييدها والمطالبة بتطبيقها في محافظاتهم؛ وبالتالي نخشى من ردة فعل غاضبة من جانب المؤيدين لها والدخول في عملية تفاعلات سلبية وتبادل للإتهامات وما إلى ذلك؛ الأمر الذي يتطلب توضيحاً جادا وشفافاً؛ وبلورة للموقف المتخذ والأسباب التي أدت إلى ذلك وبما يحافظ على قوة الدفع عند الناس وتمسكهم بمشروعهم الوطني الجنوبي؛ والا يتم التخاطب معهم عبر البيانات في مثل هكذا أمور وعلى درجة كبيرة من الخطورة والتداعيات غير المنظورة !.