أنعشت زيارة وفد قيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي للعاصمة السعودية الرياض، آمال تنفيذ “اتفاق الرياض”، وأفشلت في المقابل، وفق مصادر سياسية خليجية، الرهانات التي يقودها تيار قطر داخل “الشرعية اليمنية” لتأزيم المشهد اليمني وإجهاض الاتفاق والدفع نحو خيارات معقدة تهدف لإرباك التحالف وخدمة الأجندة التركية والقطرية المتنامية في اليمن.
ووصل رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي ووفد من قيادة المجلس إلى العاصمة السعودية الرياض تلبية لدعوة رسمية. ووفقا لمصادر سياسية يمنية أكدت لـ”العرب” أن الدعوة تأتي في إطار المساعي التي يبذلها التحالف العربي لوقف المواجهات في محافظة أبين (شرق عدن) ودفع الحكومة اليمنية والمجلس لتنفيذ اتفاق الرياض الذي رعت الحكومة السعودية توقيعه في نوفمبر 2019.
ووفقا للمصادر يرافق الزبيدي وفد المجلس الانتقالي الموقّع على اتفاق الرياض الذي يضم رئيس وفد التفاوض ناصر الخبجي وأعضاء الوفد: علي الكثيري، عبدالرحمن شيخ، ونائب دائرة العلاقات الخارجية محمد الغيثي.
ولم تفصح المصادر عن جدول الزيارة، لكنها أكدت أنها ستشتمل على لقاء مع وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وسيتم فيها الاستماع لرؤية المجلس الانتقالي حول الأحداث الجارية في المشهد اليمني، والتداعيات الإنسانية والصحية في عدن، فيما تشير تركيبة الوفد إلى أن اتفاق الرياض سيكون المحور الأساسي للزيارة.
وقال المتحدث الرسمي باسم المجلس الانتقالي الجنوبي نزار هيثم أن الزيارة أتت بناء على دعوة رسمية من وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وأشار هيثم في تصريح لـ”العرب” إلى أن هذه الزيارة تأتي ضمن جهود القيادة السياسية للمجلس الانتقالي الساعية للسلام، مؤكدا “نحن دعاة سلام ولسنا دعاة حرب والواقع يؤكد على سعينا للسلام من خلال مبادرتنا منذ الوهلة الأولى لتنفيذ اتفاق الرياض رغم محاولات الالتفاف المستمرة من قبل حكومة ما تسمّى الشرعية والمرتهنة لميليشيات الإصلاح”.
من جهته قال منصور صالح نائب رئيس الدائرة الإعلامية في المجلس الانتقالي في تصريح لـ”العرب” إن الزيارة تأتي في إطار عملية التواصل المستمرّ بين المجلس وقيادة التحالف العربي وبالتحديد المملكة العربية السعودية التي تقود التحالف، وفي سياق التشاور والنقاش المتواصل حول العديد من الملفات وأهمها العودة لتنفيذ اتفاق الرياض ومناقشة المستجدات على الساحة اليمنية ومن ذلك “الحرب التي تشنها جماعة الإخوان المدعومة من قطر وتركيا على الجنوب والحرب الدائرة في أطراف محافظة أبين”.
وأضاف صالح “الزبيدي سيحمل في هذه الزيارة عددا من الملفات تتعلق بتوضيح وجهة نظر المجلس الانتقالي الجنوبي حول هذه المواجهات وتجديد تمسك المجلس باتفاق الرياض، إضافة إلى الملف الإنساني والخدمي والصحي المتدهور في عدن وانتشار الأوبئة الذي سيتم طرحه على قيادة التحالف بعد فشل الحكومة في أداء مهامها والتنصل من واجباتها”.
واعتبرت مصادر سياسية يمنية ان حالة الجمود العسكري في جبهة أبين وعدم قدرة أيّ طرف على تحقيق انتصار سريع وحاسم كما كان يعتقد، وفشل الرهان العسكري لتيار قطر وتركيا داخل الحكومة اليمنية الذي كان يطمح لتحقيق انتصار عسكري يمكّنه من العودة إلى عدن وفرض سياسة أمر واقع جديدة، كلها أمور أثبتت الأحداث الأخيرة فشلها، ما يعزز من فرص إحياء اتفاق الرياض على قاعدة المستجدات السياسية والعسكرية الراهنة.
وحول دلالات الحراك السياسي المتمثل في زيارة قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي للرياض، قال الباحث السياسي اليمني حسين لقور بن عيدان في تصريح لـ”العرب” إن الزيارة تكتسب أهمية كونها جاءت بعد أشهر من “مماطلة حكومة الشرعية تنفيذ اتفاق الرياض بل والنكوص عنه والقيام بأعمال عسكرية تتنافى تماما معه”.
واعتبر بن عيدان أن المشكلة التي تواجه الجميع اليوم في اليمن هي أنه “لم تعد هناك شرعية واحدة بل شرعيات، متعددة ومراكز قوى ونفوذ عديدة”.
وأضاف “هذا التمزق في الشرعية لا يساعد على تقديم حلول يمكن أن تصمد، لذلك أعتقد أن هناك ما يمكن أن نسميه محاولات خلق شرعية جديدة تستكمل مسيرة المعركة ضد الميليشيات الحوثية”.
ولفت بن عيدان إلى أن “عيدروس الزبيدي جاء محمولا على انتصار سياسي وعسكري متمثل في فشل الشرعية والإخوان والجماعات المتطرفة في الوصول بأهدافها التدميرية إلى أبين أو عدن”، وهو ما يعزز من فرص مناقشة تشكيل حكومة التكنوقراط والتركيز على الجوانب الإنسانية والخدمية التي وصلت إلى مستوى لا سابق له من السوء”.
واعتبر الباحث السياسي اليمني هاني مسهور دعوة السعودية لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي تأكيدا على “الدور السعودي في قيادة العالم العربي بعد اختلالات ما يسمّى الربيع العربي وما تم بذله من محور الاعتدال العربي في مواجهة تيارات الإسلام السياسي”.
وقال مسهور في تصريح لـ”العرب” إن ما تحقق في اليمن من منجزات سياسية كبير ويستحق المحافظة على المكتسبات ومنها تثبيت الاستقرار السياسي والعسكري في المحافظات الجنوبية المحررة، لافتا إلى أن اتفاق الرياض “يصب في هذا الجانب، عبر هيكلة الشرعية اليمنية لمواجهة الاستحقاقات السياسية والعسكرية خاصة مع الضغط الدولي لعقد مفاوضات لحل الأزمة اليمنية ووضع حد للانقلاب الحوثي والعودة لمسار العملية السياسية”.
وعن أسباب الجمود الذي أصاب الحراك السياسي منذ توقيع اتفاق الرياض وتعثر تنفيذ بنود الاتفاق، أشار مسهور إلى أن هذا متوقع “نظراً لتركيبة الشرعية التي تحاول التمسك بما تعتقد أنه مكسب يصبّ في الحقيقة لمصلحة تيار الإخوان المسلمين الذين كانوا خلف الربيع العربي في 2011″، وأضاف “زيارة عيدروس الزبيدي للرياض وبعد أن انكسرت محاولة الميليشيات التابعة لحزب الإصلاح اليمني يمكن أن تشكل فرصة حقيقية للقيادة السعودية لكسر حالة الجمود والضغط على الأطراف للانخراط في تنفيذ اتفاق الرياض استعدادا لكل ما يمكن أن يتشكل في المدى المنظور سواء عبر التسوية السياسية التي تتطلب وجود شرعية قوية أو عبر عملية عسكرية لدخول صنعاء وهي كذلك تتطلب إعادة هيكلة لقوات الجيش بعد تفكيك المليشيات الإخوانية”.
وأكد مسهور على أن الفرصة مواتية لتحقيق اختراق سياسي مهم، خصوصا وأن السعودية التي تقود التحالف العربي تمتلك الإرادة القادرة على ذلك وهو ما ينعش الآمال مجددا في إمكانية تنفيذ اتفاق الرياض وتطبيع الحياة السياسية والاقتصادية في المحافظات المحررة وهو ما سيؤدي لمعالجة الأزمة الصحية المتفاقمة في عدن وتعز وبقية المحافظات.
وجاءت زيارة قيادة المجلس الانتقالي للرياض في أعقاب توتر إعلامي غير مسبوق، إثر تصريحات منسوبة لمصدر مسؤول في التحالف العربي، الاثنين، اتهم المجلس بمنع قوات خفر السواحل اليمنية من أداء مهامها، بعد ساعات من الإعلان عن تعرض سفينة تحمل العلم البريطاني لهجوم قبالة سواحل حضرموت.
وقال المسؤول الذي لم يفصح عن اسمه إن “المجلس الانتقالي لم يتجاوب معنا بشأن استمرار عمل خفر السواحل اليمني”، مضيفا أن “التهديد البحري بخليج عدن مازال قائما، وعلى كافة الأطراف تحمل مسؤولياتها.”