في عدن ما إن تتلهف لشمّ رائحة نسيم البحر، أو الخروج لممارسة السباحة ومعانقة الأمواج والغوص في أعماق البحار، أو تنظيم رحلة ترفيهية مع أفراد الأسرة أو الأصدقاء لشرب الشاهي على صدى أصوات الأمواج وأنغام محمد سعد عبدالله ومحمد العزاني، تستقطبك حالة من الارتياح وتجذبك شواطئها، فلا تدري أين تحط رحالك؟ فكل الشواطئ في العاصمة عدن - قبلة الجنوب وواجهة حجيج الزوار - جميلة، فقد اكتسبت المدينة - التي ترقد بين الجبل والبحر - مكانتها التاريخية الجميلة من أهمية سواحلها التي تحيط بها كحزام ذهبي مغروس في خصر العروسة، ولكنها افتقدت وجهها المشرق منذ عقود مريرة من الزمن، إذ انتشرت بعض الظواهر السلبية الدخيلة، التي لا تمت للمدينة بصلة ولا تمثل ثقافة ساكنيها - ذات الوجوه الرضية والقلوب النقية والمشاعر الزكية - وقد آن الأوان لأن ينفض أهلها غبار الظواهر المسيئة من ركام التخلف المتوارث، وحان الوقت لأن يقول أهلها المسالمون: "لا لحمل للسلاح، لا لتعاطي القات في الشواطئ والمتنزهات، ونعم لتكون السواحل أمانًا للأحباب، وروقانًا للطفشان وملجأً للزهقان".. ومن هذا المنطلق عبّر أهالي المدينة الحالمة عن ارتياحهم الكبير للإجراءات الأمنية التي بدأتها قوات الأمن والحزام الأمني بعدن لمنع تعاطي القات في الشواطئ والمتنزهات العامة.
أهالي عدن احتفوا بالإجراء الأمني الذي يأتي امتدادًا لنجاحات أمنية متوالية خلّصت مدينتهم من إزعاج الدراجات النارية والسيارات المجهولة، حيث نفذت قوات الأمن حملات أمنية مطلع الأسبوع الماضي لمنع تعاطي القات في السواحل والمتنزهات العامة.
الحملة ابتدأت من ساحل أبين بمديرية خورمكسر وامتدت إلى سواحل البريقة، ووجدت ارتياحًا شعبيًا ودعمًا من كافة المجتمع العدني على وجه الخصوص وكافة المجتمع الجنوبي بشكل عام لمنع مضغ القات في الكورنيشات والأماكن العامة المفتوحة والمخصصة لتنزه المواطنين والعوائل والأطفال وليست لجلسات القات.
وفي استطلاع خاص بصحيفة "صوت المقاومة الجنوبية" عبّرت بنت عدن الأستاذة "وهج أحمد" عن سرورها الكبير بهكذا قرار.
وهج قالت: "لقد قامت القوات الأمنية بعمل رائع وقيم وجميل حين نفذت هذه الحملة التي تعتبر ثقافية قبل أن تكون أمنية، حين تظهر المدينة وشوارعها مثل باقي المدن العربية بشوارع تخلو من تجمع شباب يتعاطون هذه الآفة (القات)". وتواصل حديثها قائله: "المنتجعات والمنتزهات والسواحل هي أماكن راحة وترفيه وتمتع بمناظر جميلة، وليست أماكن للتحشيش". حد تعبيرها. وتضيف باللهجة العدنية: "أصلًا هذه الأماكن تعكس ثقافة نحنا وأخلاق نحنا ومناظر نحنا أمام العالم والسياح الأجانب، لذا فهو عمل قيم، ومن جانب آخر يوفر الأمن والأمان لهاذي الأماكن عندما تخلوا من هذه التجمعات."
أما الأستاذ محمود مثنى مساعد فقد أكد بأن الخلل في المدينة يمكن في الدولة نفسها وغياب مؤسساتها، إذا أصبح المواطنون هم من يوجهون الدولة وهم أول من ينفذ التعليمات، حيث يستطرد محمود قائلاً: "منذ عشرة أعوام ظللت مواظبًا على ممارسة طقوس القات برفقة أصدقائي في السواحل وخاصة في ساحل أبين، وخلال تلك الفترة كنت لا أستمتع بالقات إلا بالساحل فقط، وقد أدمنت على هذه العادة لأنه لم نجد من يقول لنا: لا، ولهذا أصبح الأمر عاديًا".
ويواصل "محمود" حديثه: "ولكن بعد ما بدأت الحملة على محاربة هذه الظاهرة نظرت من الزاوية الأخرى وكيف ستبدو السواحل من غير المخزنين وكيف أن العائلات تأخذ راحتها أكثر وكذلك الأطفال، خصوصاً أن لديّ طفلين يفضلان رؤية البحر واللعب على شاطئه أكثر من أي مكان آخر". وتابع مستشعراً بالذنب قائلا: "تفاعلت مع الحملة وبدأت أشعر أنني كنت مخطئًا طيلة هذه الفترة، لذا لزاماً على كل مواطن محب لعدن أن يتفاعل ويساهم بنجاح هذه الحملة."
أما الأستاذة هبة حسين حسن، التي تنظر إلى شجرة القات نظرة السم القاتل، فتقول: "تعاطي القات في أي مكان هو منظر سيء وغير حضاري، وهي شجرة مضرة بالصحة وسبب في إهدار المال، فما بالك بأماكن النزهة والشواطئ التي ترتادها الأسر في العطل والإجازات والتي تعتبر واجهة للطابع الحضاري لمدينة عدن". ثم أضافت مؤيدة بشدة للحملة الأمنية: "أعتقد أنه قرار ممتاز ويجب أن تتضافر الجهود لإنجاحه، وعلى المواطنين التفاعل بقوة مع الحملات التي تحد من تعاطي القات وتشوه عدن بطابعها المدني". وتزيد: "تعتبر مثل هذه الظواهر السلبية تشويهًا لجمال عدن ومدنيتها وتعكس صورة سلبية، فنتمنى أن تكون خطوة أولى لتستعيد عدن رونقها".
واختتمنا استطلاعنا بالتواصل هاتفيًا مع الناشط الجنوبي أحمد السيد الذي كان من أوائل المطالبين بمنع القات ومن الذي سخّروا صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بكل حماس لتداول المظهر المجتمعية السلبية ومكافحتها. يقول "أحمد": "إن تعاطي القات على كورنيش ساحل أبين وكرونيش الساحل الذهبي جريمة إنسانية ونفسية وأخلاقية يحاسب عليها مرتكبها، نظراً للأذى الذي يتسبب به المخزنون بالتبول بكل بشاعة في أماكن عامة وكذا بمضايقة العائلات."
لم يقف "أحمد" عند الإدانة والاستنكار فقط، بل طالب بتكريم القيادة التي ستستجيب لشكاوى المواطنين، حيث يقول أحمد بأن صديقة أبو أسامة - رجل الأعمال - أبدأ استعداده بتقديم سيارة لاندكروزر "مونيكا " تصل قيمتها إلى 260 ألف ريال سعودي لأي قيادي يمحي ظاهرة تعاطي القات في الشواطئ.
ثم يستطرد "أحمد" قائلاً: "نتمنى أن تفرض عقوبات سواء بالتوقيف أو غرامات مالية ضد المخالفين والمتحدين للتحذيرات الأمنية، كذلك نشر لوحات على طول وعرض الأماكن العامة والمتنزهات التي يمنع فيها تعاطي القات مكتوباً عليها أرقام تحثّ المواطنين على الإبلاغ عن هكذا حالات مخالفة يرونها في الأماكن الممنوع فيها جلسات القات".