استطلاع /بكيل الجحافي
الضالع تعصف بالحوثي وتخسف بقواته في عملية عسكرية ثالثة هي الأكبر والأعظم منذُ انطلاق عاصفة الحزم
قال تعالى: (ونريد أن نمنّ على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئِمةً ونجعلهم الوارثين). أن تعيش في أرضٍ بلا وطن، وذات بلا انتماء، وإرادة مكبوتة أمام بقايا قوة كامنة واثبة ظلما وعدوانا فهذا يعني أن هزيمة ٩٤ لم تكتمل بعد، وأن إرادة المغلوب ستعاود حربها على قوة الغالب بكل الوسائل الممكنة والمتاحة حتى تنهزم الهزيمة النكراء، وتأتي الضالع بما لم تستطع أن تأتي به في العام 94م؛ لتجعل المستحيل ممكناً، وتزيل غشاوة المحتل وما لم يفهمه منذُ زمن.. (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين).
عندما بلغ الكيد أقصاه، ووصل المكر منتهاه، وتجاوز الظلم مداه بحق الجنوب وشعبه، لم يأتِ الله بمعجزة كزلزال ونحوه، بل جعل بعضهم يطغى على بعض ويقتل بعضهم بعضا، وزادهم طمعا بالجنوب ليعذبهم الله على أيدي المستضعفين، ويشفي صدور قوم مؤمنين.. نعم هذا ما حصل للحوثيين في ملحمتين سابقتين للعام ٢٠١٥م بالضالع يوم الاثنين ٢٥ مايو يوم تحرير الضالع، ويوم السبت ٨/٨ بتحرير سناح من نفس العام، ليُلحق بهم أبطالنا درسا ثالثا ملحمة الثلاثاء ٨ أكتوبر من عامنا هذا ٢٠١٩م في عملية عسكرية هي الأكبر والأعظم. لسنا في مقام ذكر كل ما حدث شمال الضالع والتي سمحت لنا الفرصة والظروف بزيارتها، واستغرقت كل وقتنا المتاح، فاعذرني أيها المقاوم الضالعي العزيز على طول وعرض جبهات شمال الضالع، أُقبـّل جباهكم السمراء وسواعدكم المشمرة الأبية، وأعِدكم أن نكون على صفحات صحيفتنا الغراء "صوت المقاومة الجنوبية" في استطلاعات ميدانية قادمة نسلط من خلالها الضوء على ملاحم الفداء التي سطرها الأبطال في كل شبر من تراب الضالع الأبية.
في هذا الاستطلاع الميداني نسلط الضوء على ملحمة من ملاحم البطولة التي كان أبطالها أسود القوات الجنوبية الذين حرروا موقع الجب الاستراتيجي شمال الفاخر، فما هو الجب؟ وكيف سقط؟! ما أهميته العسكرية؟ وماذا قال الأبطال هناك؟
ما هو الجب؟
الجُب، هو تل صخري مرتفع يعلو تقريبا (٥٠٠-٦٠٠ متر) عن سطح الأرض، يبعد عن أنياس/ باجة، حوالي ٩ كيلو متر غربا، تبلغ مساحته (٨ كيلومتر مربع) تحيط به القرى الشمالية من كل اتجاه، وهي قرى على خط التماس وفاصلة مع الجنوب مباشرة، ومن يسيطر على موقع الجب سيسيطر على حجر الشمال والجنوب بدون أدنى شك. ويعتبر الجُب أهم موقع عسكري يتوسط حجر القاع، ولأنه واسع وفسيح ومرتفع فلا يسيطر عليه إلا من كان قويا ويمتلك من القوة والدعم ما قوامها أقل شيء (٢٠٠٠) ألفي مقاتل. وهذا ما تم، فبعدما أشار القائد الساعة التاسعة والنصف من مساء الثلاثاء الموافق ٨ أكتوبر ٢٠١٩م قائلا: "اقتحموه يا رجال".. حتى لحقت به كتيبتان كاملتان، وفوق هذا مازالت مربعات تحتاج إلى من يغطيها. الجب يشبه أسطولا بريا كبيرا يرسو وسط حجر شمال الضالع لا يقوده إلا قائد بحجم عبدالعزيز الهدف، وهذه هي اللحظة التي يخلدها التاريخ.
لحظات سقوط الجُب
الثلاثاء، الثامن من أكتوبر، الساعة الخامسة والنصف مساءً.. القائد الأسطوري عبدالعزيز الهدف يشير بيده قائلاً: "يجب أن نُسقطه قبل الغروب مهما كان الثمن".. غروب الشمس وحُمرة المكان يبدو وكأنّ وجه الغروب مخضبٌ بدم.. كان الموقف مرعبا للغاية ومدهشا، وأشد وحشة، فالطبيعة تواجهك قبل البشر، والمسألة ليست نزهة ولا قصة بل إسقاط موقع، وإيُّ موقع؟! إنه موقع [الجـُب].
الساعة السادسة والنصف تقريبا مساء الثلاثاء، تقدم القائد عبدالعزيز الهدف بمدرعته الخاصة، والقائد زكريا قابوس، وكتيبة تتبع وليد سكرة، بكل شموخ تقدموا، وبخطوات عازمة ترجلوا، بعد ما التف حولهم عشرات المقاتلين، وصولا إلى قرية الجُب المحاذية للجُب مباشرة وبأي ثمن كان.. "إلى سفح جبل الجُب بدأنا بالصعود ونحن نحمل أرواحنا على أكفنا، والحمد لله تم السيطرة على الجُـب رغم مساحته الشاسعة، مع الساعة السابعة والنصف من مساء الثلاثاء ٨ أكتوبر".. هكذا ختم بطل ملحمة الجُب العزيز الهدف قصته.
الجُب بعد سقوطه
بعد ٣٦ ساعة فقط من سقوط موقع الجُب الاستراتيجي بيد قوات المقاومة الجنوبية، حاولت مليشيا الحوثي المنُهارة لملمة صفوفها واستعادة معنويات مليشياتها من خلال التحشيد والتعزيزات الكبيرة التي استقدمتها من محافظة إب وتعز وذمار وذلك لاستعادة الجُب في هجوميين متتابعين، بدأ الأول منذُ صباح الخميس ١٠ أكتوبر وحتى فجر الجمعة في عملية متواصلة مستمرة لكل دقيقة ولحظة، وتركز الهجوم على الجهة الشمالية للجُب، بالذات على موقع البطل المقاوم سليمان ناصر الذي سطر في هذه الليلة ملحمة بطولية نادرة ليس لها نظير، وخسر فيها اثنين من أبرز أبطاله. أما الثاني فكان في مساء السبت ١٢ أكتوبر منذُ الساعة العاشرة ليلاً وحتى الثانية بعد منتصف الليل، والذي تركز الهجوم فيه على وسط الجُب وشماله وجنوبه، إلا أن صمود الأبطال الأسطوري شكل حاجزا فولاذيا؛ لتتضح النتيجة صباح الأحـد.. عشرات الجثث لقتلى الحوثي ظلّت مرمية في ضواحي صبيرة الجنوبية والشرقية، بحسب شهود عيان، ومستشفيات إب تعج بالجرحى.
أبطالنا الأشاوس زادوا قوةً وعزيمةً وتمترساً وتموضعاً وتمكيناً.. (وما النصر إلا من عند الله) وإن أصابنا شيء فبما كسبت أيدينا..
بالنسبةِ للأعداء وبعد الانكسار والفشل الذي منيت به مليشيا الحوثي، رغم التعزيزات الكبيرة التي تستقدمها الميليشيات الحوثية كل يوم باتّجاه جبهات الجُب، إلا أنها لن تستطيع التقدم خطوةً واحدة أمام دفاعات وتحصينات القوّات المُسَلَّحَة الجنوبيَّة وخططها وتكتيكاتها العسكريَّة، لجأت تلك المليشيات منذُ مطلع الأسبوع الفائت إلى الاستهداف المباشر لمواقع الجُب بالسلاح الثقيل كالدبابات والكاتيوشا والمدافع وسلاح الهاون، وهذا جعل من قواتنا "قوات اللواء السابع صاعقة"، وكتائب وليد سكرة، وسرية الدبابات التابعة لقوات الدعم والإسناد، وكتيبة أخرى قادمة من عدن تتبع اللواء الثالث صاعقة، وكل القوات المرابطة أن تعيد تموضعها من خلال التمترس والتخندق وإعادة الانتشار.
ماذا قال الأبطال المرابطون بالجُـب؟
في لقاءات مقتضبة مع قادة وضباط وأفراد من وسط موقع الجُب. سليمان ناصر قائد السرية الأولى اللواء السابع صاعقة، قائد موقع، قال: "نحن اليوم مسيطرون سيطرة كاملة على الجب ومن كل اتجاه، والحوثي محتجي بأهالي صبيرة، وقد حاول مرتين العودة إلى الجب إلا أننا كنا له بالمرصاد، وحتما سنخرجه من صُبيرة ونحن على ظهر الجُب دون أن نقتحمها"..
المقاوم عبده الصوفي قائد موقع في الجُب قال: "الحمد لله الذي مكننا من دخول الجُب ولن نفرط بالجُب وما زال في عروقنا قطرة دم تنبض".
عبدالباسط علي محسن (لفطس) المقاوم والمهندس سلاح في لواء عبدالعزيز الهدف قال: "والله والله لو يمطرنا الحوثي بقذائف الهاون كالمطر لن نخاف، ولن تهتز لنا شعرة، ونحن ثابتون هنا بالجُب ثبوت الجبال".
العقيد/ محمد صالح صيوات، أركان الكتيبة الثامنة اللواء الثالث صاعقة، قال: "لقد جئنا من عدن إلى هنا كتيبة كاملة بقيادة العقيد/مثنى علي، لتعزيز ومساندة قوات اللواء السابع بمنطقة الجُب، وإذا دعت الضرورة فهناك كتائب أخرى جاهزة".
العقيد فضل علي العبل، قائد كتيبة الدبابات لواء الدعم والإسناد، قال: "الجُب لن نفرط فيه مهما كان الثمن، لأنه ذات أهمية عسكرية كبيرة وموقع استراتيجي هام، وقد عززنا هذا الموقع بالسلاح الثقيل وكل ما يلزم".
المقاوم علي باكازم، محافظة أبين، أحد أفراد الكتيبة الثامنة اللواء الثالث صاعقة، قال: "الجنوب واحد، وتراب الجنوب واحد، وأنا جندي لهذا الوطن، سندافع عن تراب الجنوب هنا بالضالع إلى جانب أهلنا، وإذا استتب الأمن سنعود بحسب ما تأمرنا بها قيادتنا".
أخيرا كان لقاؤنا مع قائد وبطل الجُب، القائد عبدالعزيز الهدف، قائد اللواء السابع صاعقة، ختمنا معه اللقاء، فقال لنا بمعنوية عالية تناطح السحاب، وبنبرة فيها الشموخ والاعتزاز والتفاؤل: "دخولنا وسيطرتنا على الجُب لها دلالات ومعاني كبيرة في الجانب العسكري، أولها أننا نحن الأقوياء بفضل الله ثم بفضل الأبطال ودعم التحالف ممثلاً بالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية الشقيقة، وأن الحوثي ضعيف ومتخبط ومُنهار. ثانياً: أدعو القادة العسكريين، وخاصة الهندسة العسكرية في المقاومة الجنوبية، إلى مساعدتنا لعمل خنادق ومتارس حتى نتجنب الإصابات من سلاح الهاون الذي يمطرنا به العدو ليل نهار، وهو سلاح الجبناء والمهزومين والمطاردين. كما أحيي جميع الأبطال المرابطين، وأحيي معنوياتهم العالية، ونقول للحوثي: لم ولن تمر إلا على جثثنا"..