فيما كان المحتفون - من أنصار الغزو الثالث - يحتفلون في فنادق الرياض والدوحة واسطنبول بسقوط درة الجنوب - عدن - على شاشة الحدث والجزيرة وقنوات التزييف الإعلامي، وبينما كانت هذه القنوات قد أسقطت بر عدن وبحرها، وبدأت تعد برامج للحديث عن عدن ما بعد انتصار الشر - عية في هجمة إعلامية تذكرنا بتلك التي أسقطت بغداد ذات أمس قبل أن تطأ أي قدم أمريكية أرض العراق؛ في هذا التوقيت بالذات كانت عدن منشغلة حد الإنهماك في كتابة التأريخ الحقيقي بعيداً عن شاشات الدجل الإعلامي، تركل آخر غازي على أبوابها في نقطة العلم لتعلن معادلات الانتصار النهائي، وتنتصر بتأريخها وجغرافيتها وعظمتها وتراثها، وترفض كل دخلاء على حضارتها، دخلاء أتوا مما وراء جغرافيا ما قبل خديعة أيار بهستيريا الغازي المتعطش لسفك الدماء وقهر الرجال والعودة لاحتلال الجوهرة - عدن - من جديد بعد بضع سنوات من لفضها لهم !.
لم يمهل الواقع على الأرض هؤلاء المتحفلون أن يكملوا تبادل التهاني كما لم يمهل ذلك المثقف الذي كان يوماً ما وزيراٌ للثقافة - خالد الرويشان - بأن يحتفل كثيراً لينشر فيديو أغنية ( وعادت عدن ) للفنان أيوب طارش من على صفحته التي تعج بعشرات الآلاف من المتابعين من جنسه السياسي الذين كانوا ينتظرون أن يزفهم البشرى النهائية بسقوط عدنعدن ورفع راية الوحدة التي مات عشرات الآلاف من الجنوبيين باسمها؛ قبل أن تتبدد أوهامه ويكتشف أنه كان مثمول بالوهم وأثمل معه متابعيه في جلسة احتساء الكترونية وهمية جماعية ليقوم ذلك المثقف بحذف تغريدته بعد ساعات من إطلاقه بشارة عودة عدن ! .
نعم ... ساعات وانتهت حفلات الوهم بالانتصار فعاد المحتفلون أدراجهم يولون ويطلقون البكاءات من على ذات الشاشات وبتلك الصفحات ولم يجدو أمامهم مبرراً لحجم التناقظ الذي وقعوا فيه بين ما يروجوه وبين الواقع إلا القول أن الإمارات قد قصفت قواتهم (( بغارة واحدة )) سقط لها ضحايا في دار سعد وكريتر وخورمكسر وزنجبار والمحفد وشقرة واسطنبول والرياض والدوحة، وكلاً منهم ناله نصيباً من الغارة ! بينما ولى الفاتحون الجدد أدبارهم هاربين الى حيث أعلنوا بداية النفير المقدس، ليستحضروا بعد ذلك حقوق الإنسان والحيوان والجماد، وكأن جنودهم القادمون من حضارة سبأ التي حولوها الى غابة تعج بالإرهابيين والقتلة وكأن هؤلاء كانوا قادمين الى عدن للمشاركة في حملة وطنية للتلقيح ضد شلل الأطفال، قيمة الإنسان لديهم لا تساوي شيئا حين يتعلق الأمر بالجنوب ولا يهم حينها كم يموت من الأبرياء، ومن لا يعلم لم مات!، ولكن في الحالة الشمالية يجب استحضار حقوق الانسان في حالة العسكر المقاتلين حتى، واستحضار معها فيديوهات من سوريا والعراق يتم دبلجة أصواتها ليطلقوا بعدها صيحات الضحية المذبوحة !.
بينما كان الأبطال يطهرون عدن من آخر خلايا الفيد والسلب والقتل قبل أن يرقصوا طرباً ونصراً، وهي الرقصة التي فهمها الوزير الجبواني على أنها " نفضة المذبوح وخلال ساعات ستطلق الشهقة الأخيرة " كما قال، ليكتشف فيما بعد أنه وقرنائه من وزراء الغفلة ومرتزقة الموت وحدهم من يعيشون الشهقة الأخيرة!
أحد وزراء حكومة الفنادق الذي خرج لتوه من حصار أطبقه عليه الأبطال في عقر داره قبل أن يتركونه يخرج بسلام ليعود بعد أقل من شهر شاهراً سيفه وناشراً فرق الفيد والبلطجة في أحياء المسالمة عدن، متوعداً بخطابات فندقية بدخول عدن مهما كان الأمر، وراح يوزع أوامره ويقسم المهام هنا وهناك ويتوعد الجميع بكسر إرادتهم، وأن على البسطاء أن يقبلوا مغامراته كونه أحد أعضاء الخلية المؤتمنين التي يرأسها علي محسن، وكأني به في خطابات التحريض يقول : أيها البسطاء اوقدوا النيران في خيامكم واعتلوا قمة أحد ولا تابهوا للغنائم واعلموا ان الموت قادم اليكم فموتوا بهدوء وافسحوا المكان للشيطان بان يسود فهذا ليس عصركم ومن الممنوع عليكم ان تعتاشوا وتحيوا في كنف اطواق عسروسة البحر ... انتظروا الموت كما تشتهون ولا تخجلوا من الهزيمة فنحن قادمون لنذكركم بها كل مرة .
أو كأنه يريد أن يقول ايها البسطاء الجالسون في الطرقات الوسخة اطردوا جميلاتكم من المكان حيث انهن سبايا العصر الجديد وعتقوا خمركم فجند الوحدة سيعبرون المكان واعلموا ان تكبيراتهم لن تعلوا بفضل موتكم وقتلكم سيحدد مسار موتهم وقتلهم ونهايات احلامهم ...
لقد أرادوا لهذه المعركة أن تكون الغزوة الثالثة للجنوب وللحبيبة عدن بعد غزوتيهم المقدستين في 1994 و 2015 فضخوا مئات الملايين لإحداث إرباكات وافتعال الفوضى وهزبمة نفسية المارد الجنوبي، غير آبهين بتغيرات الزمن ودروسه، فكانت النتيجة بعكس ما أرادوه تماماً . ذهب الغزاة ومن معهم من المرتزقة وبقت عدن تطلق الضحكات المعتادة بعد كل انتصار .
ربع قرن ولم يرتوِ الحاقدون بعد من عروقنا النازفة! يريدون للصباح أن يغادرنا حزيناً، ويتسلّل الظلام إلينا لاجئاً ناشراً أرديته السوداء على كل جوانب حياتنا، ويزيحوا الشمس عنوة من نهاراتنا.
ربع قرن وكل ما في عدن والجنوب يصرخ حرقة ولوعة. حتى الحجر فيه أثقله الهمّ، يتّكئ على ذيل الطرقات يبكي الدموع وينزف الدماء، وهي تستجدي راجية أقصى الجهد وعدم الإبطاء في إنقاذ العروسة الجميلة - عدن - التي كادت أن تلفظ أنفاسها الأخيرة. ولكن ليس في غرفة إنعاش فاخرة ومشفى كبير، إنما شُرّدت تحتضر في شوارعها الملغومة بأحقاد دعاة الوحدة المقدسة.
25 عاماً والجمر يسترخي على أكتافنا، والموت يساق إلينا يدور وينشط حولنا بألسنته الغادرة الممتدة من كافة أصقاع يَمَنِهِم.
كل ذلك لم يكن كافياً بالنسبة لهم واستكثروا على مدينة الحب والسلام - عدن - بضع سنوات قليلة عاشتها بعيداً عن زناتهم ومجنزراتهم فحشدوا لها قبائل الطوق وجيوش الأعراس والحفلات كي يخضعوها من جديد لسطوتهم .
فكان الانتصار وكانت عدن الجنة التي حولوها الى جحيم، رأينا فيها أطفالاً يتعانقون على الأنقاض، رأينا عجوزاً يبكي فرحاً وهو يتربع على سقف بيته، بيته الذي اعتلاه للتو قناصة أنصار الخلية ليقتنصوا الحياة من قلب عدن، رأينا وجوها عدنية مستبشرة تعبر عن وجه المدبنة المشرق وحضارتها التي لطالما أرادوا تدميرها، ولطالما قيض الله لها كفًا وحبل نجاة. هكذا قدر الجمال أن يصبح مطمعًا للوحوش وعديمي الإنسانية.
اصبري يا عدن، اصبري يا ماضٍ مجيد ومستقبل سيشرق رغم أنوف الأعداء. اصمدي، فلأنك عروس النصر أرادوا لك الهلاك والدمار. لأنك نقطة الفصل الهامة أرادوا نسف كل ما فيكِ كي لا تنهضي من جديد، ولينهزم الجنوب بلد الكرامة والإباء.
فيا عروس البحر لا تيأسي ، وقاومي وباء اللص الأحمر والمرتزق الجنوبي، . لا تحزني فإني أراك جميلة شامخة رغم كلّ ما حصل في أنحائك من تشويه. أراك منتصرة رغم الدمع، ورغم فظاعة ما عانيتِه عدن !.
عبدالله فضل الحسام