كتب/ أحمد الربيزي
خطر في بالي السؤال العنوان "هل ستخسر المملكة العربية السعودية الجنوب العربي مجدداً؟! ولان السؤال كبير وبحاجة الى بحث أكثر تعمقاً حاولت هنا ان أذكّر فقط، لعل الذكرى تنفع المؤمن، واضع بعض الفقرات التي أرى ان علاقة الجنوب بالمملكة العربية السعودية وبدولة الإمارات وهي الحليف الاستراتيجي – يجب ان يأخذ البعد الشعبي وان يحترم الإرادة الشعبية، وضرورة ان لا يتم عزل الجنوب مرة أخرى بعيداً عن محيطه العربي.
حقق شعب الجنوب استقلاله من بريطانيا في 30 نوفمبر1967م، اليوم يرسم شعب الجنوب ملامح عودة دولته المستقلة، ولا شك ان قيادة الأمس قد شيدت دولة اختلفنا معها أو اتفقنا، الا انها صارت دولة يعترف بها العالم كله، وقد يأخذ عليها انها عزلت نفسها او حُوصرت عن محيطها العربي، كل ذلك صارت من التاريخ سوى حُوصرت أو عَزلت نفسها، اليوم يرتسم مستقبل الدولة الجنوبية، وينبغي الاستفادة من الماضي من جانب قيادتنا في الانتقالي بدرجة أساسية، ومن جانب الاشقاء العرب وخاصة الجارة الكبرى المملكة العربية السعودية، لا أعتقد ان مملكة الحزم والعزم بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز ستتخلى اليوم عن الجنوب كما فعلت في الماضي بعد استقلال الجنوب في 1967م دون ان تحرك ساكناً، ولا أعتقد بأنها ستقف اليوم عقبة في طريق الإرادة الشعبية التي فرضتها الجماهير الجنوبية.
ان سياسية المملكة العربية السعودية تجاه الجنوب اليوم في محك حقيقي، ويتطلب منها إدارة الملف الجنوبي بحنكة سياسية، وعدم الاندفاع العاطفي في ما تطرحه أقطاب سلطات (الشرعية) تحت أي مبررات عاطفية، قد تؤدي الى انعكاسات سلبية تجاه تعاملها مع الجنوب، ولما سيخلفه هذا الأمر من تكرار لأخطأ الماضي الذي خسرت فيه المملكة علاقاتها مع الجنوب، والحال نفسه ينطبق على القيادة الشابة للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يفترض به وضع في أولى استراتيجيته الحفاظ على العلاقة الهامة والارتباط المصيري مع التحالف العربي، وعلى وجه الخصوص علاقته مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية.
ان حساسية وضع المملكة كطرف يحظى بأحترام الجميع يتطلب من سياستها ان تكون أكثر عدلاً لما يخدم مصالح الشعوب الجارة بشكل أساسي في اليمن (شمالاً) وفي جنوب اليمن (الجنوب العربي) ولهذا في أعتقادي ان عليها التعامل الواقعي فيما فرضته الاحداث في الجنوب بالذات وفق المعطيات على الأرض، التي فرضتها الأحداث الأخيرة حيث أصبح المجلس الانتقالي الجنوبي واقع يحظى بتأييد غالبية شعب الجنوب، وضرورة وضع السياسة السعودية اعتبار لحقائق اثبتتها الاحداث خلال الاربع او الخمس السنوات الماضية، منذ إنطلاقة عاصفة الحزم، والتي يعرفها السعوديين قبل غيرهم، والتي تحمل عناوين هامة، لا تغيب عن أي سياسي حصيف، ويجب أحترامها والاعتراف بها، منها تمكن الحليف الأقوى والمفيد من استحقاقه على الأرض، والتأييد الشعبي الذي يحظى به، والذي يمتلك مكامن ومراكز القوة الجنوبية، والعنصر المقاتل الكفوء، والذي كذلك أثبت مصداقية التعامل معه، والوفاء بتعهداته، باعتبار هذه العناصر وغيرها هي التي تصنع الانتصارات، وتعد نصراً حقيقياً للتحالف العربي، والتعامل مع جنوب اليوم كأقوى حليف استراتيجي يملك أهم المواقع الاستراتيجية، والاعتراف به ودعمه ومساندته بأعتباره فرس الرهان الرابح حاضراً ومستقبلاً .
وفي المقابل النظرة الى السنوات الخمس الماضية في الشمال وما دونته لحلفاء التحالف العربي في اليمن (شمالاً) وبالذات التعامل الرسمي مع جماعة حزب الإصلاح اليمني (إخوان اليمن) الذي شمل على عناصر الهزيمة كان عنوانه الفاضح؛ ضعف الأداء وعدم الجدية واستنزاف التحالف وانعدام عقيدة المبادئ، والتنكر للجميل، والجحود، وعدم وجود المصداقية، والابتزازات وتعدد الأوجه والمشاكل، وعدم تحقيق اي انجازات تذكر، بالإضافة الى السمعة الدولية السيئة بأعتبار الإصلاح اليمني ينتمي الى حزب أو حركة أو جماعة محظورة دولياً، جعلت التعامل معهم وتمكينهم من الدولة محفوف بالمخاطر ليس إقليميا فحسب بل ودولياً .
بقي ان نشير ان ما ناله شعب الجنوب خلال الأيام الماضية ليس مجرد صدفة، أو ضربة حظ بل انه جاء نتيجة نضالات شاقة خاضها شعب الجنوب منذ ربع قرن، أي منذ اجتاحت جيوش الرئيس اليمني السابق علي صالح (عفاش) الجنوب وحتى اليوم، وأخذت وسائل نضالية عدة، وبذل شعب الجنوب في الوصول الى يوم 10 أغسطس 2019م الكثير من التضحيات، فليس من السهل على شعب الجنوب التخلي عن مكاسبه التي نالها اليوم، ولهذا وجب التعامل مع الأمر بحذر لان أي محاولة للنيل من مكاسب شعب الجنوب من أي طرفاً كان سيجد شعب الجنوب في مواجهته دون شك.