بقلم/ عبدالسميع الأغبري
ها وقد أوقفت عجلة الحسم دورانها وانطفى محركها مؤقتاً وأُرغَمت على السكون والجمود لبضع شهور ، بعد أن حفرت بكل جوانبها أثراً كبيراً في أرض تهامة التي دونت نصراً فريداً مسقى بدماء غزيرة سالت واختلطت بسهول تهامة الأبية .
مزيج من الدماء خُضِّبت بها الحديدة وأرواح خرجت لترسم لوحة بهية على أمل الوصول لما تنشده تلك الأرواح والأجساد الطاهرة ، الا وهو خيار الحسم ورسم فرحة في وجوه أهالي الحديدة الموجوعة جراء الظلم والجور الذي أرهقهم بفعل الحرب العبثية والظالمة التي فرضتها عليهم مليشيات الحوثي .. فجثمت على بلد أسموه ذات يوم باليمن السعيد وحولته إلى اليمن الجريح والحزين والتعيس بفعل مشروع إيراني لايقبله الإنسان اليمني .
لم تكمل مرحلة الحسم أهدافها بعد أن أُوقف المحرك عن الدوران بسبب إعتراض بلد المنشأ على استمراره ، لكونه لايتوافق مع سياستها ، وأمام توقف العجلة والمحرك عن الدوران ، أُوجدت البدائل الشكلية في خيار السلام وعلق عليها آمال عريضة لتعويض الخيار الأول المتمثل بالحسم ، ولكن كل شيء مما كان يرجى من هذا البديل تلاشى وأصبح واقع الجمود هو السائد بل وتسعى بعض الجهات لإعادة العجلة إلى الوراء لإنقاد المليشيا الإرهابية .
صحيح توقفت العمليات العسكرية من جانب واحد ، فيما تواصل المليشيا رفضها الإلتزام بعملية السلام وهو الموقف السائد للأوضاع في عروس البحر الأحمر التي يحلم اليمنيين بأن تكون بعيداً عن التواجد الحوثي في أي شبر منها ، ولكن كما يقال " تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن" .
أما السلام فقضيته لن تنتهي في القريب العاجل على أقل تقدير ، ولكنها تتوسع وتتطرق لجوانب متشعبة فلم تحل المشكلة لأنها لا تسير وفقاً لتطلعات الإنسان اليمني وهي خارجة عن كل الطموحات والآمال ، فصار من المحال أن يكون صوت التهامي غالباً ومثله صراخ الإنسان اليمني .
فالحديث أصبح كبيراً والسجال يدور في سفن أممية في بحار لاتسمع عندها سوى أمواج البحر ولا يسمح لها بالرسو في البر ، وهناك الحوار الذي يأس وسأم منه كل من يتطلع لنتائج مرضية للجان عجزت منذ شهور عدة لم تفضي بمجملها لتنفيذ مرحلة واحدة من مراحل اتفاق السويد الذي يحوي سجل من كم هائل من الأوراق أفرغت تفاصيله في سجلات كبيرة لتمديد وتعليق إجتماع بري هنا ورحلة مكوكية هناك ، طيران لايتوقف والسفن ترسو والكاميرات ترافقهم ، في جولة حرب ودية لا خاسر فيها من المتحاربين ، وحدهم التهاميون من يستمر فقرهم وعجزهم وقلة حيلتهم .
لأهالي الحديدة "التهاميون" حكاية مريرة مع كل الطقوس أكانت الحرب فهي لم تأتي لهم بجديد أو ماتسمى بعملية السلام ، فقد قضي على الأحلام والأمنيات بانجلاء هم ضل يلاحقهم وظنوا أنهم سيرون شيء أجمل وأبهى بعد أن تضع الحرب أوزارها ، فلا الحرب وضعت أوزارها وتحقق نصراً ، ولا السلام يحمل موشرات لحياة أجمل مما كان سيثمرها الحرب لو اكتملت فصولها .
وتبقى المعاناة هي حديث التهاميون منذ زمن غابر ، بؤس الحياة وتجلياتها يستمر ، وضيق نافذة الأمل يتجدد ، وانفراجة قريبة تبدو مستحيلة اذا لم تتدخل قدرة إلهية تلين الصعب وتحولة سهلاً وسلساً.