نصر الأشول- نوال باقطيان
جرحى الحرب.. قصة مؤلمة لشباب اغتالت زهور شبابهم آلام الجراح التي أنهكت أجسادهم، وهدت حيلتهم، وتركتهم مجرد أشباح أظلمت الحياة في وجوههم, وصار الموت أمنية بالنسبة لهم، من يصدق أن أبطالًا هناك في ساحات المعارك الطاحنة صالوا وجالوا وسطروا بطولات خالدة في معارك الدفاع عن الأرض والعرض والدين لكنهم صاروا مجرد ذكريات حين مُزِقت أجسادهم وهم يواجهون الموت في خطوط النار الأولى!.
جرحى الحرب يرضخون تحت ركام فساد الحكومة واللجان ويطالبون المسؤولين معالجتهم ويناشدونهم بمنحهم كراسي متحركة للمعاقين، بينما مسؤولي الحكومة ومن هم على هرم لجنة مركز سلمان في اليمن يتسابقون من يكبر على الآخر، ومن يلاقي الأكثر، وكم حصة كل عضو في اللجنة!.
بعد مشاهدتنا ومتابعتنا كل يوم لمعاناة الجرحى قمنا بزيارة أحد جرحى جبهة دمت في مستشفى البريهي، وعند رؤيتنا لذلك الفساد الممنهج الذي يطال حقوقهم توسعت حلقة تغطينا الإعلامية حول ما يجري لهم.
لم نكتفِ بزيارتنا لجريح واحد ولكن شدتنا إنسانيتنا لتفقد باقي الجرحى والاطمئنان على حالتهم. جرحى فقدوا أعضاءً هامة في أجسادهم تم بترها وهم في حالة إغماء حين تم إيصالهم المستشفى وإيداعهم إلى غرفة العمليات وتم بترها.
جرحى آخرون يناشدون بتسفيرهم كون حالتهم لا يمكن أن تتحمل أكثر مما هم عليه الآن.
"لقد أسمعت لو ناديت حيًا .. ولكن لا حياة لمن تنادي!".
*مأساة تُبكي العيون*
محمد نجيب شاب في مقتبل العمر تخرج من كلية الآداب تداعبه أحلامه بإتمام نصف دينه وتأسيس بيت وأسرة سعيدة، لكن محمد سقط جريحا وهو يدافع عن أرضه، وقف مع عدد من رفاقه في وجه العدو مستميتين بكل ما في أجسادهم من قوة، لكن القدر أراد له أن يدخل في ميعاد مع الحزن والألم.
محمد ابن عدن الباسلة قاتل مع رفاقه في البريقة والصولبان والخور، حيث أصيب بطلقة نارية إلا أنه تعافى منها سريعا وعاد يقاتل مع زملائه في المعلا والتواهي, وبينما أوشك الأبطال أن يعلنوا تحرير عدن بالكامل سقط محمد نجيب جريحًا حين حاصرتهم المليشيات في التواهي وأصيب هو بطلقة دوشكا أصابت عموده الفقري ظل على إثرها ينزف لأكثر من ست ساعات إلى أن أتت مدرعة وأنقذته ورفاقه، ومن ذلك الحين ظل محمد طريح الفراش فاقدًا أهم جزء في جسده. محمد سافر إلى الأردن وعاد لكن جرحه لم يفارقه، وبعدها عاد إلى الهند وتحمل تكاليف أثقلت كاهل أسرته البسيطة، لكنه عاد بجرح مفتوح ودماء نازفة، محمد يعيش خلف جدران الصمت يتألم ومعه أسرته لا تدري ماذا تفعل بعد أن أنفقت كل ما تملكه في سبيل علاجه.
زرنا محمد في منزله الكائن في العمودي بالمعلا فوجدناه قصة حزينة تُبكي العيون دمًا، قال لنا أنه يحتاج لعملية أخيرة تعيد الحياة لأربطة الفقرات وهي عملية مكلفة ولا يقوى على تحمل تكاليفها، فمن للبطل محمد نجيب ينقذ حياته بعد أن قدم روحه ودمه لأجل أن يحيى الوطن؟!.
*صرخة ألم للطفلة الجريحة (سيناء)*
صرخة ألم تصرخها الطفلة "سيناء عبد الله دحان" من محافظة لحج في مستشفى ابن خلدون.
حيث أن الطفلة سيناء قد أصيبت بمقذوف شظايا بسبب صاروخ أطلقته مقاتلات التحالف الجوية مستهدفة المليشيا الانقلابية ولكن ياحسرتها اخترقت أشلاء ذلك الصاروخ جسد الطفلة سيناء.
تم عمل عمليتين للطفلة سيناء بين كل عملية مدة سنة ونصف، لم تذق الراحة بعد العملية الثانية غير ثلاثة أشهر ثم تعود للمرض ثانية.
وفي مقطع فيديو تم إرساله لنا من قبل أحد جيران الجريحة سيناء وهي تناشد كل المعنيين وأصحاب الأيادي البيضاء لنجدتها وإنقاذ حياتها وهي تصرخ "أنقذوني.. ساعدوني.. أنا أريد الحياة.. أريد أن أعيش مثل ما تعيشون أنتم، لا أستطيع الأكل ولا الشرب ولا أستطيع التبرز ولا البول ولا النوم"..
مشاهد تقشعر لها الأبدان وتنهمر دموع الأعين أمام تلك الجراح والمعاناة التي يتجرعها جرحانا من كؤوس الويلات والأوجاع.
*جريح يروي قصته*
الجريح سامح الميسري، من أبناء مديرية خور مكسر ، جرح في مارس ٢٠١٥ في محيط كلية الآداب بخمس طلقات نارية موزعة بين اليد اليسرى والظهر والقفص الصدري ، الجريح سامح يعاني من تقيح في فتحة إحدى الطلقات اللاتي في ظهره، كذلك بدأت عليها علامة السواد وهذا دليل على انتهاء تلك المنطقة.
ناشد الجريح سامح كل الجهات المختصة لعلاجه ولكن لا حياة لمن تنادي. حيث قال سامح أنه ظل طيلة ثلاثة أشهر يناشد الوزير الميسري أمام أبواب سور منزله ولم يستطع الوصول إليه ليقدم له ملفه ليتم التسفير به.
وعند عرض الجريح سامح للتقارير في الإنترنت أتته إجابة من إحدى المستشفيات التركية بتسعير قيمة العملية الخاصة به والتي تكلفه قيمة العملية لوحدها عشرون ألف دولار أمريكي قابلة للزيادة.
من أين سيأتي بها سامح ليشتري الصحة؟! أم أن الوزراء والمسؤولين قد اشتروا أرواح الأبرياء فداءً لسلامتهم وترفهم على كراسي الحكم؟!.
الجريح سامح يرضخ الآن للعام الثالث على مشارف العام الرابع منذ الإصابة ولم يجد أذنًا صاغية وقلبًا يرح ولا مسؤولًا يؤدي الأمانة تجاه رعيته.
*قرار معالجة الجرحى في خبر كان*
قرار مجلس الوزراء الذي صدر في عام 2017م، والذي أصدره رئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر آنذاك ووقعه الرئيس هادي، قضى بمعالجة جرحى 2015، وكان أول بنوده:
١- معالجة الجرحى المحتاجين للسفر إلى الخارج وعرض كشوفاتهم على الأطباء الكوبيين في مستشفى باصهيب العسكري.
٢- عرض الجرحى والمعاقين لتحديد الإعاقة الدائمة على اللجنة وليتم ترتيب أوضاعهم في لجنة الترقيم وترقيمهم.
٣- فرز ورفع كشوفات الجرحى والمعاقين إلى رئاسة الوزراء لإحالتها لوزارة الخدمة المدنية ليتم توظيفهم وترقيتهم حسب قانون وزارة الخدمة المدنية وعددهم ١٢٦ جريحًا متفرقين بين أربع محافظات "عدن، لحج، الضالع، أبين".
٤- استمرار لجنة الترقيم في ترقيم الجرحى المعاقين والذين ترفع بهم كشوفات على حسب الاتفاق السابق.
قرارات زائفة حبر على ورق ، قرارات لم تنفذ ولم يعطَ حق من حقوق الجرحى سواء من مرتباتهم أو مصاريفهم أو علاجهم.
أين ذهبت تلك القرارات؟! بلعتها الأرض أم بلع المسؤولون ميزانيتها؟!.
*مكرمة الملك سلمان*
منذ اندلاع حرب ٢٠١٥ وبعد تحرير العاصمة عدن ونحن نسمع ونرَى تصريحات لمركز سلمان ومملكة الحزم بمنح الجيش والجرحى مكرمة سلمان، ولكن للأسف لم تصرف ولو مرة واحدة لا للجرحى ولا للجنود في المحافظات المحررة ، بينما جبهات الشمال وجيش التباب التابع للجنرال العجوز يتسلمون مكرمة سلمان منذ ٢٠١٥، لماذا لم يتم صرفها في المحافظات الجنوبية؟!.
نائب رئيس هيئة الأركان العامة اللواء ركن صالح الزنداني مسؤول ملف علاج الجرحى، في فيديو له، في وقفة احتجاجية للجرحى المطالبين بحقوقهم، خرج عليهم ووعدهم بالعلاج والتسفير ولكن لم يرَ الجرحى أي شيء من ذلك غير عدد قليل.
وأضاف قائلا: "إننا عندما نرحّل عددَا من الجرحى الأولين سنلحقهم بدفعة أخرى".
كذلك مكرمة سلمان المقدمة من المملكة والملك سلمان للجرحى والجيش وقال : "مكرمة سلمان لم نستلمها نحن ولكن السعودية تعطيها لجبهات الشمال بينما جبهات الجنوب على الإمارات والإمارات تقدمها في الساحل الغربي".
*2مليون ريال شهريًا*
2 مليون ريال يمني شهريًا بتوجيهات رئيس الوزراء للجنة مركز سلمان في عدن، تصرف بدل عن الحفاظات والأشعة للجرحى ، وليس لكل الجرحى ولكن جرحى مركز سلمان ، والذين يقبعون في مستشفيات لا توجد فيها أشعة مقطعية، كذلك ليس كل جريح يحتاج إلى أشعة مقطعية إلا أصحاب الحالات الحرجة وإصابات الرأس والعمود.
وبحسب ما أدلى لنا به أحد المرافقين لأحد الجرحى أنهم يجلبون الحفاظات على حسابهم الخاص وليس على حساب اللجنة ، أضف لذلك الدواء غير المتوفر في المستشفيات المتعاقدة مع المركز.
*تماسيح تلتهم (2مليون) دولار*
اثنان مليون دولار تم منحها من قبل السعودية لتسفير جرحى الحرب، والتي تسلمتها الحكومة الشرعية ولم يتم تسفير إلا جزء يسير من ذلك الكم الهائل من الجرحى.
ونحن نكتب نضع مساحة للقارئ للتفكير ونثبت على صحة كلامنا الذي نكتبه ومعلوماتنا التي ننقلها جراء ما يجري من فساد بحقوق الجرحى، انظر أيها القارئ الكريم ولتنظر كل الجهات المسؤولة عن هذا الاستهتار بحق الجرحى، كيف للجنة رئاسة الوزراء ووزارة الصحة ابتداء من اللواء الزنداني نائب لرئيس هيئة الأركان العامة وباعوم وزير الصحة إلى وكيل محافظة عدن النوبة وباقي أعضاء اللجنة ، كيف يسلم مبلغ 2مليار دولار لتسفير الجرحى بينما جرحى حرب ٢٠١٥ مازالوا مرميين في منازلهم وفي المستشفيات، ومعظمهم على حسابه الشخصي يتعالج؟! وخير دليلنا الجريح سامح الميسري، والجريحة الطفلة سيناء؟!
2 مليون دولار تلتهمها تماسيح مستنقع معاشيق وأزلامها ، فلا رادع ديني ولا وازع أخلاقي ولا حس للمسؤولية ليقفوا عند حدهم من هذه المهزلة بأموال الغلابى، ورغم ذا وذاك إلا أن الحكومة شريكة كل هذا الفساد ، فكيف لنا أن ننقذ الجرحى ونسلمهم حقوقهم؟!.
*جرحى في خانة الإهمال*
جرحى آخرون تم تسفيرهم إلى جمهورية مصر لتلقي العلاج أصابهم داء الإهمال وتركوهم يتضورون جوعا، ولم يوفروا لهم مساكن حتى وصل بهم الحال إلى أن يناموا على سلم الدرج وفي الصالة لا يجدون فراشا ولا سرائر. تقول أمل قاسم أحد مندوبي الشهداء والجرحى :" عندما كنت أصيح وأناشد على الجرحى تم محاربتي من قبل اللجنة، مليوني دولار يا سماسرة؟! الجرحى يتألمون في مصر يستلفون من جرحى الساحل مصاريف لهم!".
وأشارت أمل قاسم إلى أن المبلغ من شهر يوليو ٢٠١٨ في البنك يتم استثماره، وقالت أن لديها مصادر توافيها بهذه المعلومات، وعندما عرفت اللجنة بأنها تعلم بهذه التفاصيل تم إصدار دعاية تحريضية عليها.
كما تدعو أمل قاسم كل الجرحى وأهالي الجرحى إلى الانضمام إلى جمعية الجرحى للمتابعة على حقوقهم وإزاحة هوامير الفساد من لجنة الشهداء والجرحى.
من جانب آخر ، رئيس جمعية الشهداء والجرحى "أبو زكي" يصف لجنة الشهداء والجرحى بلجنة "الفساد". وقال أبو زكي " أن لجنة الشهداء والجرحى هي لجنة الفساد".
وأضاف : "طالت أياديهم حقوق الجرحى الذين أعادوا لهم كرامتهم وأعادوهم إلى كراسيهم".
ودعا أبو زكي الجرحى وأهالي الجرحى وخاصة المعوقين للخروج إلى بوابة رئاسة الوزراء في خور مكسر للتنديد بالفساد الذي طال حقوق من وهبوا أرواحهم فداءً للوطن. وأبو زكي هو رئيس جمعية الشهداء والجرحى في كلٍ من عدن وأبين ولحج والضالع.
*جرحى الساحل الغربي*
يرصد التحالف العربي موازنة ضخمة تبلغ ٢مليار لعلاج جرحى الساحل الغربي والذين يتم نقلهم من الجبهات هناك بالتنسيق بين مكتب الساحل الغربي في عدن وغرفة العمليات في الساحل الغربي عبر مستشفى الخوخة والمخا حيث تستأثر أغلبية الموازنة المستشفيات الخاصة دونًا عن المستشفيات الحكومية.
يقول الأستاذ عبد الرحمن الكلدي أحد المندوبين في مكتب الساحل الغربي في مستشفى الكوبي موضحا: (نحن غير مسؤولين عن توزيع الجرحى، هناك من هم أعلى منا في مستشفى الخوخة والمخا والذي يقومون بالتواصل رأسا بغرفة العمليات المشتركة في عدن وتحديد المستشفيات التي سيتم نقل الجرحى لديهم وإسناد مهمة علاج الجرحى سواء كانت في المستشفيات الخاصة أو الحكومية كلا حسب نوعية الإصابة ومدى السعة السريرية وأهلية المستشفيات لاستقبال الجرحى).
ثم يضيف: (التحالف يعلم إلى أين يتم نقل جرحاه وهو من يقوم بالدفع، والمهم لدينا تضميد جرحانا وهذه الأسئلة ممكن أن توجيهها للرقيمي المسؤول عن الجرحى).
توجهت بأسئلتي إلى مكتب الرقيمي الذي لم يكن متواجدًا في المكتب لظروف خاصة، بينما تواصلت مع الأستاذ عبد الرزاق أحمد رئيس قسم الجرحى في مكتب الساحل الغربي الذي رفض الرد على تساؤلاتي ورفض إجراء اللقاء.