صورة وحيدة، غصة، صمت، صمت - طويل، أسى، ذهول، وفاجعة مريرة، هذا كلما استطعت ان افعله لأجلك. أخي القائد عبود سالم الردفاني أعلم ان الموت مؤلم ولكن ألم مشاهدتك وانت مفارق الحياة لا يوصف ، أنه لمن الصعب أن نعش ونفرح سوياً وتفارق الحياة وحيداً، وأنه لمن المحزن أن يحدث لك كل ذلك دونما نستطع أن نفعل أي شيء لأجلك .. يوسفني إننا لم نستطع اللحاق بك، لا لإنقاذك من الموت ولا اللحاق بك إلى جوار الرحمن.. أخي القائد أن هول رحيلك لم أراه في وجوه أفرادك أو في دموعهم الحيرئ فحسب، بل أن السماء شاركتهم الأحزان وأعلنت حداد في الأفق خيم على جميع الأمكنة، حتى أن امواج بحر العرب الذي مضى جثمانك بمحاذاتها كان يسعَ متلهفاً لإحتضانك في موعد أخير لأثر واقعة إستشهادك على كل شيء في هذا الوطن الغالي.
أخي القائد/ في الوقت الذي أشعر فيه بالخذلان إتجاهك فأننا أتمنى أن تعود بي الأيام قليلاً للحاق بك في ذلك اللقاء المأمول الذي قطعت مئات الأميال بغية حدوثه، ولكن إرادة الله كانت أسرع. أخي القائد لا أعرف لماذا لم تصغِ إلى أحاديثي التي تدعوك للمزيد من الحذر، لقد أخبرتك في آخر لقاء أنه كان عليك ألا تعط كل هذه التضحية فالوطن مازال بحاجة لك في جولات أخرى، لكن إجابتك بضرورة الظفر بخيارين هما بناء نواة لجيش جنوبي أو اللحاق بزملائك الشهداء، ومحاولات تبريري بعدم فحواها التي أعجزتها بالرفض جعلتني أصمت طويلاً وألزم الدعاء لك أملاً بعمر طويل تظفر به وأن يجنبك الله كل مكروة. أخي القائد/ أناديك هكذا (أخي القائد) وأنا لم أعتد على الولاء لقادة ولم أرد الإنقياد لأوامر عسكرية ونحوه، ولكنك بمبادئك فرضت علي أن أجعل منك قائدي الذي لم أنضوي ضمن قائمة لواء أفرادة للحظة ولكنني أنضويت مسروراً تحت أمرتك ضمن لواء وطن يسكن قلبك وفؤادك، وطن هو الجنوب، وطن ظل معلق في وجدانك وضميرك حتى الآن.. ما يخيفني هو أن تلك الإرادة المفعمة فيك والأمانة العظيمة قد رميتها علي أو على أيّ من الزملاء، ان الإرادة التي تحملها أكبر من أن يحملها أي شخص عادي، هي أكبر من تكتنف روح أي احد غيرك إطلاقاً ..
أخي القائد/ ما يجعلني أشعر بالحيرة والإفتخار في ذات الحين هو أنك كنت تعلم بقرب استشهادك، وكان الكثيرين يخشون حدوث ذلك، كما كنت أنا أخشى ذلك أيضاً، وكنت تخبرني بتلهفك لتلك اللحظة، أنا لا أعرف لماذا كل تلك الرغبة الملحة والإنسياق إلى الشهادة.!؟ نعم لقد خذلك الكثيرين وحدثتني طويلاً عن ذلك، ولكنك أخي القائد لم تكن صعب المراس إطلاقاً، كنت شعلة من الوهج في خضم ثورة الجنوب، وكنت المعادلة الأصعب بالنسبة للمليشيات الحوثية، ثم أصبحت الشخص المطلوب لدى القاعدة بعد أن لقنتهم دروس قاسية، ومازالت مشاهد قتلاهم أثناء تحرير العاصمة عدن وأنت تقف حولهم كأسد صهور خير شاهد على ذلك، وستظل لعنة تلاحق فلول متمردي تلّب ومازالت مكالمتك الصوتية مع زعيم التمرد موجودة وأصبح الجميع يستشهد بها عند الحديث عن الشجاعة والإقدام ، لقد رسمت صورة وطنية مشرفة يشهد لها الجميع، تشهد لك جبال الأحمرين، متاريس العند، رمال العاصمة عدن، مزارع لحج، وجبال أبين وصحارى باب المندب، ثم أن مواقفك إلى جانب المظلومين - المستضعفين ترسخ دورك الفاعل في جميع الأصعدة، ولكن مع ذلك حاربك الكثيرين وتعارضوا معك لكونك تؤمن بوطن بينما غيرك ربما كان يؤمن بأشياء أخرى، ونعلم كيف هُمشت أثناء قيادة كتيبة الدعم والإسناد! وكيف أخترت الطريق إلى المخا! وكيف دُفع بك إلى مقدمة الصفوف برغبة منك! وكيف سلكت درب المخاطر عوضاً عن مسلك الأمان! كيف كنت تفاخر بأفرادك!ً وكيف من ذلك الكثير ..
أخي القائد/ أن الخسارة التي اصابتنا بإستشهادك لم تضرب قلوبنا فحسب بل ضربت قمم ردفان وألمت بالجنوب. مازلنا وسنظل بحاجة ماسة إليك، بحاجة لأن تظل بيننا أيها الذئب الأحمر، غادرتنا ولم تغادر أفكارك وتوجيهاتك وبصماتك التي ستظل للتأريخ .. غادرت ضمن مخطط إفراغ الساحة الجنوبية من الأبطال الأفذاذ، أودي بك إلى معركة كان أملك أن تحقق فيها إنتصار وأن تعود حامل رأية الجنوب تؤسس من خلاله واقع عسكري جنوبي ونواة لتأسيس دولة الجنوب التي حلمنا بها طويلاً .. أن الأثر الذي خلفته من بعدك سنظل نفاخر به جميعاً، نفاخر بمن بذل روحه لأجل وطن حلم به طويلاً، شخص كان بوسعه أن يصبح هامور سلطوي فأختار أن يكون جندي ولائه للوطن فحسب، أسمح لي أخي القائد أن أقول بأنك ورب السماء كنت ومازلت وستظل في ضميرننا ووجداننا شخص لن يتكرر، شخص مقدام قلما نجد له مثيل في أيامنا هذه وأن خسارتك لا تعوض ..
أخي القائد كما لم أكن أعرف كيف أستقبل صدمة رحيلك! فأنا أيضاً لا أعرف كيف أقول عندما ألتقِ الأصدقاء الذين عاشوا معنا كثيراً! وكيف أن نقضي أوقات ألفنا وجودك فيها! ومن سيمدنا بالعزم سواك! وكيف لنا أن نعيش! وكيف أن نعتد على ما حدث!؟ السلام والمجد لك، الخزي لقاتلك، وليتقبلك الله في جنات النعيم، نم قرير العين يا أنبل الناس، ستظل أغنية "كفكفي الدمعة يا أم الشهيد وارفعي الهامات فخراً" التي طلبت مِنا نشرها عند استشهادك تصدح في القلوب قبل المسامع، ولتكفكف والدتك الدموع ولتفاخر بك كما نفاخر ويفاخر الجميع. لقد توجب على ردفان أن تحزن عند رحيل أبنائها الذئاب أمثالك.. إلى إللقاء أخي القائد الحي في قلوبنا، ذو الأسم الناصع على صفحات التاريخ، ولتعذر ركاكة كلماتي وتعابيري التي ورغم طولها إلا أنها لم توفيك حقك أبدا ..