اوجعتنا يا ثائر

اوجعتنا يا ثائر

اوجعتنا يا ثائر

محمد الزبيري

☆†☆†☆†☆†☆†☆†☆
# محمد الزبيري
انا مثقل بالوجع والعار يا ثائر ربما بحجم وجعك،وربما يزيد فأنت على الأقل لا تحمل عاراً إنسانياً ولم ترتكب جرماً بحق طفل تركته للموت، قلبي لم يحتمل رؤيتك يازهرة الربيع التي تذوي  بصمت، وجهك الملائكي الذي اشحت به بعيداً، ونظراتك الباردة  سحقت روحي المتعبة والمثقلة  بالخزي والعار والذل.
انا السبب يا ثائر، نعم انا واحد من آلاف القتلة الذين استعذبوا أناتك،وتجاهلوا  صرختك اليتيمة التي لم تُسمع،وزفرة الصدر التي لا تُرى،وتركناك تُقتلع من جذور الطفولة عنوة،لتلقى على حافة الموت،كغصن يافع قطفته يد البؤس والشقاء،وبعثرت دمك واشلائك وابتسامتك على رصيف الإنسانية المهدورة بكل دم بارد،بعد أن زرعنا الصخور في أرواحنا وحصدنا الأشواك في اعماقنا حتى اعتدنا عليها وصارت جزءاً منّا.
اعترف انني واحد ممن خذلوك، ومعك المئات من أطفالنا،وتركناكم تبحروا وحدكم في رحلة التشبث بالحياة وتتساقطون في طريق مظلمة ومحفوفة بالجوع والبؤس والشقاء.
 اترى جسدك الهزيل وعظامك التي تكاد تخترق جلدك،وعروقك التي تكاد ان تجف...هذا مقياسنا يا ثائر ..إن لم يصل أطفالنا لمثل حالتك فلن نتحرك..
. هذا طفل جيراني ذو الشهور الستة.
 كم ظل يعاني  مغص في معدته الصغيرة بسبب إرضاعه  حليب البقر،بعد عجز والديه عن توفير ثمن علبة حليب.وكم كنت اتضايق من بكاؤه المستمر خصوصاً عند تناولي للقات الذي كان يكلفني الفي ريال كل يوم وهو مبلغ يساوي تماماً ثمن علبة حليب كانت ستنهي آلام الطفل الصغير،لو كنت إنساناً،بدلاً من إنتظار تدهور حالته وبروز عظامه لأقوم بتصويره ونشر الصور مقرونة بمناشدات عاجلة لإنقاذ الطفل من شبح الموت
 هل رأيت ضلوعك الصغيرة التي تقوست لتحمي  قلبك المتعب ؟ نعم اصبحت بارزة  يا صغيري،لم يبقى عليها سوى جلدك الواهن،هي لم تتعرى كلياً بعد،لكنها عرّت وجوهنا ،وازالت عنها قناع الزيف والخداع  ، وادانت ضمائرنا المتحجرة،وفضحت إنسانيتنا الزائفة،وأخبرتنا كم نحن تافهون
ثائر...اي عار تصفه الكلمات والحروف وقد تركناك فريسة للجوع يمتص دمك، ويقتات على احلامك التي لم تكن بأكثر من علبة حليب.
آه يا ثائر،كلما حدقت في صورتك شعرت ان العالم يتوقف من حولي،احس انني قد تعريت من كل معاني الرحمة والإنسانية،بعد ان تحجرت الدمعة في عيني وفقدت القدرة على البكاء.
اتسمر طويلاً امام جسدك المتهالك،وعظامك الواهنةالبارزة،
وعروقك النافرة، وعيونك المنطفئة كسراج بلا زيت معلق في كهف مظلم،اتخيلك تحملق بهم في الفراغ وفي صمت مهيب،وكأنك تعاتبنا بنظراتك الشاردة،او تقول لنا بلغة العيون .الم تسكروا من كؤوس دماءنا بعد.
ثائر يا صغيري،لا تصدق صراخنا والبكاء والتعاطف الذي ابديناه من أجلك بعد ان عرفنا بقصتك.
اتظن انك وحدك يا ثائر من يعاني، اتصدق اننا وقبل ان نتعرف عليك لم نعرف اطفالاً يقاسون الجوع، وتنهش اجسادهم الأمراض،وربما سلبتهم زهرة أرواحهم، اوسببت لهم إعاقة وقصت أجنحة حريتهم،واحرقت فراشات أحلامهم.
كلا يا ملاكي الصغير ..فكم من طفل معرض لما تعرضت له انت، قوت يومه الخبز والماء،  لكن معانات الكثير من أطفالنا   تختفي خلف ستارة  من عزة النفس والكرامة عند اهلهم.
اتدري يا ثائر،قررت انا أن اكون ثائراً مثلك.
من اليوم قررت ان اتفقد أطفال قريتي طفلاً طفلاً ..لن انتظر حتى ارى ثائراً اخر يعاني، لن اكتفي بالصراخ والعويل والبكاء والإستجداء .
أنا وأبناء قريتي سنمد إيدينا لكل من يتعثر،وسنقتسم اللقمة الواحدة بيننا جميعاً حتى يأتي الفرج من الله ..