المقدمة :
بحسب القوانين والمواثيق والصكوك الدولية فإن توفير الخدمات الاساسية حق لكل أنسان ويقع واجب توفيرها على عاتق الدولة ،فهي ملزمة بأن تحترم هذا الحق وتحمية ، وتنفذه ، و أي إهمال أو حرمان يعد من قبيل الانتهاكات لحقوق الانسان .
ـــ وبعد انتهاء الحرب في المحافظات الجنوبية عامة وعدن خاصة ورغم مرور ثلاث سنوات على تحرير الجنوب من مليشيات الحوثي وصالح ، لم تسعى الحكومة إلى تحسين مستوى الخدمات و أنهاء هذه الازمات في ظل فساد كبير تتمتع فيه الحكومة بلغ أعلى مستوياته في العام 2017م وفقاً لمؤشر إدراك الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية .
وكان لهذا الفساد الكبير الذي تتمتع به حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي برئاسة أحمد عبيد بن دغر تأثيراً عكسياً ومؤثرا على حياة المواطنين ، حيث تسببت الحكومة في العديد من الازمات التي طالت الخدمات الاساسية كالكهرباء والماء والصحة و انعدام المشتقات النفطية فضلاً عن تأخير الرواتب وعدم أتخاذ الحكومة لأي من الاجراءات لإيقاف تدهور الريال اليمني مقابل الدولار مما أدى إلى ارتفاع الاسعار وضعف القدرة الشرائية للمواطنين .
ـــ كل هذا الفساد الكبير للحكومة والتعذيب المتعمد بالخدمات وتدهور المستوى المعيشي للمواطنين أدى إلى نفاذ صبر المواطنين وخروجهم إلى الشوارع في مظاهرات و احتجاجات غاضبة للمطالبة برحيل الحكومة الفاسدة .
ـــ وفي هذا التقرير الموجز ترصد دائرة حقوق الانسان بالأمانة العامة للمجلس الانتقالي الجنوبي حالة التدهور في قطاع الخدمات الاساسية وما تسببت به الازمات والتي تعاني منها العاصمة عدن بشكل خاص
ومدن الجنوب بشكل عام منذُ الاجتياح العسكري على الجنوب في عام 2015م والذي شكل امتداد لحرب صيف 1994م .
وعليه نذكر بعض من هذه الازمات :
أولاً:ـ أزمة انقطاع الكهرباء :
على الرغم من الدعم الذي تتلقاه الحكومة من كثير من الجهات الدولية والداعمة كالتحالف العربي ، والاتحاد الاوربي ، ومن الولايات المتحدة الامريكية ودولة الامارات العربية المتحدة الذي دعمت قطاع الكهرباء بأكثر من 155 مليون دولار ( وفق ما جاء في قناة سكاي نيوز العربية) .
الا أن أزمة انقطاع الكهرباء لم تنتهي وظلت الحكومة عاجزة تماماً عن حل هذه المشكلة في التخفيف من معاناة الناس ولم تشكل زيادة حوادث الوفيات التي تم تسجيلها إضافة إلى ماتلقية هذه الازمة من تاثير على مناحي الحياة اي هاجس للحكومة .
بل أن أزمة انقطاع التيار الكهربائي تفاقمت أكثر وتجاوزت فيه عدد ساعات انقطاع الكهرباء في بعض الاوقات إلى 18 ساعة باليوم .
ـــ وقد تم تسجيل عدد من الوفيات بحسب مصادر طبية من كبار السن و ذوي الامراض المزمنة في ظل ازدياد درجات الحرارة التي وصلت إلى أكثر من 40 درجة مئوية فاقت 90 درجة .
ثانياً :ـ أزمة انقطاع المياه :ـ
تتفاقم أزمة المياه في العاصمة عدن يوماً بعد يوم جراء انقطاعها المتواصل عن المنازل والاحياء السكنية ، بسبب تضرر شبكة التوزيع في الحرب وعجز مؤسسة المياه عن صيانة و تجهيزاها بسبب افلاسها وعدم وجود الدعم الحكومي .
و أصبح الحصول على الماء في العاصمة عدن امراً صعباً ويشكل عناء على حياة المواطنين مما يضطرهم احياناً إلى شراء الماء بأثمان باهضه .
ـــ ومن المناطق المحرومة من وصول المياة إليها و إن وصل احياناً فبشكل ضعيف وقليل جداً :
ــ مديرية التواهي : احياء الشولة ، جبل التوانك ، جبل عين ، جبل هيل ، حي جولدمور ،حي القلوعة .
ــ مديرية المعلا : احياء كاسترو ، جبل القوارير ، جبل شمسان .
ــ مديرية صيرة : العيدروس ، الطويلة ، الخساف .
ــ مديرية الشيخ عثمان : احياء الممدارة ، الشيخ الدويل ، اجزاء من حي عبدالقوي ، القاهرة .
ــ مديرية خورمكسر : حي النصر ، حي العريش ، حي الانشاءات .
ــ مديرية دارسعد : الاحياء الشعبية .
ثالثاً : أزمة المشتقات النفطية :
تشهد مدينة عدن والجنوب عامة أزمة خانقة في المشتقات النفطية بشكل مستمر ، وتلك الازمة لها انعكاسات مباشرة على مختلف مناحي الحياة ودون أن تضع الحكومة أي حلول لهذه المشكلة .
ــ افتعال الازمات في مشتقات النفط والغاز هي احدى اوجه المعاناة التي طالت حياة المواطنين مما أدى إلى اصطفاف طوابير طويلة من المركبات أمام محطات الوقود اضافة إلى ارتفاع قيمة المواصلات ، والتسبب بانقطاعات التيار الكهربائي عن المنازل والمستشفيات وتوصيلات المياه و أعمال الورش والمحلات والاعمال الخاصة والعامة والتعليم ، مما ادى إلى تراجع الحركة العامة في الشوارع بشكل عام ،ونتج عن غياب المشتقات النفطية إلى طهور السوق السوداء التي تبيع البترول والغاز بأسعار مضاعفة عن السعر المحدد ، وطهور الغش في المشتقات النفطية مما ادى إلى خراب اغلب المركبات وتعطيلها .
رابعاً : انقطاع الرواتب وعدم انتظام صرفها والتدهور الكبير للعملة :
يمر شهر تلو الاخر وتتفاقم معاناة الموظفين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين في العاصمة عدن والمحافظات الجنوبية ، بسبب عدم تسليم الرواتب في ظل الازمات الخانقة التي تعصف بالمجتمع .
وقد زادت معاناة الاسر التي لا يوجد لديها من يعيلها ، في ظل انقطاع الرواتب التي كانت تعتمد عليها في سد جوعهم ، فقد اضطر كثير من الاسر إلى بيع اثاث منازلهم ومصوغاتهم وما يمتلكونه للحصول على المال لشراء ما يطعمهم والذي لا يكفي سوى لفترة بسيطة ، والبعض يعيشون في بيوت مستأجرة مما يزيد من الضغوط عليهم ومن معاناتهم .
ــ وقد بلغ الامر في بعض الاشخاص إلى الانتحار نتيجة الوصول إلى طريق مسدود في توفير مستلزمات اسرته الضرورية .
ــ لم يألف المواطن البسيط وضعاً أكثر مأساوي من هذا الوضع ، فأصبحت بعض الاسر المنكوبة جراء هذه الازمة تتناول وجبة واحدة في اليوم لسد الجوع الذي يكاد يعصف بمدينة عدن والجنوب .
ــ كما ان حجم الانفاق للحكومة وتبديدها للمليارات يؤكد أن المسالة ليست أزمة سيولة بقدر ما هو عقاب جماعي للسكان في الجنوب . فقد أضطر العديد من الموظفين لترك وظائفهم والبحث عن مصادر رزق اخرى لسد ما تحتاجه عائلاتهم من أساسيات الحياة .
ــ وفيات جراء انتظار المعاش أمام بوابات البريد ومواطنون يعرضون أعضائهم للبيع : كان يوم 13/12/2016م اخر يوم للحاجة / حورية محمد مهدي (65) عاماً فقد فارقت روحها جسدها وهي في طابور انتظار معاشها أمام البريد فلا راتب ولا حياة .
ــ وايضاً في 18/3/2017م توفي المواطن عبدالله عثمان القباطي والذي يبلغ من العمر 60عام أمام بريد خورمكسر وهو في انتظار راتبة لعدة أشهر .
ــ مواطنة من عدن تعلن عن بيع كليتها لتوفر لأطفالها ما يأكلونه متهمة الحكومة بأنها هي السبب ، وفي صحيفة الايام الصادرة في 5/8/2018م ، أن المواطن مرعي غازي علي جابر من أبناء حضرموت يعلن عن نيته بيع إحدى كليتيه لعدم قدرته على توفير متطلبات اسرته .
خامساً : تدهور أوضاع الصحة والمستشفيات :
ـــ إن الحق في الصحة هو حق انساني حيث يقصد به ان لكل شخص الحق في التمتع باعلى قدر يمكن الحصول عليه من الصحة الجسدية والنفسية ، والحق في الصحة تم تشريعه في الاتفاقيات الدولية وكذا في التشريعات الوطنية .
ـــ لقد كان قطاع الصحة في دولة الجنوب ( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ) قبل الوحدة يحظى باهتمام كبير من قبل الدولة ، حيث كان العلاج مجاناً لكل افراد الشعب بما فيها العمليات الجراحية والرقود وحتى السفر للعلاج بالخارج على نفقة الدولة ويعتبر حقاً اساسياً للمواطنين في الدستور . وبعد عام من احتلال الجنوب في 94م ، أصبح قطاع الصحة في الجنوب يواجه الاهمال مع تدمير الحرب للمرافق الصحية والمشافي ، و أصبح لا وجود للدعم والمجان حتى في المشافي الحكومية ولم يشهد قطاع الصحة أي تقدم ، ولم يتم بناء أي مستشفيات جديده حكومية كبيرة حيث تتناسب مع الزيادة في اعدد السكان .
ــ وقد تعرضت المرافق الصحية في الجنوب للتدمير والنهب والسلب أثناء الحرب الثانية على الجنوب عام 2015م ، ولم يشهد قطاع الصحة أي تحسين يذكر رغم وجود الدعم المادي للحكومة .
سادساً : أزمة تراكم القمامة وطفح مياه الصرف الصحي و انتشار الكلاب الضالة :
ـــ قالت منظمة الصحة العالمية في 5 يونيو2018م أن المعركة مع الكوليرا في اليمن لم تنتهي بعد ولازال الوباء يهدد الملايين ، وتعتبر اليمن أكبر حالة تفشي لوباء الكوليرا في العالم ، و اشارت إلى انه حتى نهاية يناير 2018م وصل عدد الحالات المشتبه بإصابتها بالمرض إلى اكثر من مليون حالة و أكثر من الفي حالة وفاة و أشارت إلى جهود تبدلها للحد من انتشار الوباء وحملات التطعيم .
ــ ان الجهود الذي تبدلها المنظمات الدولية لم تكتب لها النجاح في ظل فساد الحكومة وعدم قيامها بواجباتها ومن اهما عدم معالجة طفح المجاري المستمر وتنظيف الشوارع أول بأول وتوفير المياه كعوامل يمكن أن تساعد جهود المنظمات في محاربة الاوبئة ، لكن الحكومة بدلاً من أن تساعد في الحلول ، مع الاسف أصبحت جزء من المشكلة :
أ)عدم جمع القمامة وتراكمها يشكل كارثة بيئية :
تنامت في عدن والمحافظات الجنوبية أزمة تراكم القمامة وانتشرت روائحها الكريهة . فتحولت عدد من شوارع المدن الجنوبية وخاصة مدينة عدن إلى مكبات للنفايات المكدسة والتي تبقى مرمية ومتراكمه لعدة أيام دون اخذها اولاً بأول مما يجعلها تتحلل وتتعفن وتصدر منها الروائح الكريهة ويتكاثر عليها البعوض مما يسبب انتشار الامراض والاوبئة بين سكان المدينة بشكل مستمر . وهذا التراكم للقمامة لا يقف عند تشوية المنظر العام للمدينة وشوارعها ، بل ينذر بكارثة بيئية وصحية قد تزيد من تعقد الوضع الانساني المتردي ، مالم يتم تداركها ووضع الحلول لها.
ب) طفح مياه الصرف الصحي في الشوارع :
يشهد قطاع الصرف الصحي في مدينة عدن تراجعاً ملحوظاً منذُ انتهاء الحرب عام 2015م والتي تسببت بتدمير ونهب مقدرات المؤسسات الخدمية في المدينة ، ونتيجة اهمال الحكومة وانعدام الصيانة أصبح طفح المياه الصرف الصحي مشهداً مألوفاً في الشوارع ، متسبباً في اعاقة حركة السير ، ناهيك عن انتشار الحشرات والروائح الكريهة وعدد من الامراض اهمها الكوليرا.
حيث لا يكاد يمر شهر حتى تعود المعاناة مجدداً وتتفاقم أكثر دون وضع حلول جدرية من قبل الجهات المختصة في الحكومة ، فمياه الصرف الصحي تحاصر عدة احياء سكنية وبوابة المدارس في بعض الشوارع حيث بات خطر الفرق محدقاً بالأطفال والطلاب الصغار .
وبسبب عدم اغلاق قنوات الصرف الصحي وغرف التفتيش بأحكام مما تسبب في وفاة طفلة وشابين حاولا انقاذها .
في 4 أغسطس 2018م توفيت الطفلة دنيا فهد العطار 4 سنوات في حي ريمي المنصورة بسبب سقوطها في فتحة البالوعة للصرف الصحي عمقها اربعة امتار وقد توفى شابان (محمد خالد 26عام ، وأحمد عزت عبده ابراهيم 33عاما ) حاولا انقاذها لكنهما أيضاً فرقا الحياة بسبب انعدام الاوكسجين وعمق الحفرة دون تحرك من الجهات المختصة .
ج) أنتشار الكلاب بشكل مخيف :
هناك انتشار كبير جداً لقطعان الكلاب الضالة المسعورة في جميع أحياء وشوارع عدن حيث أن انتشار القمامة وغياب عملية التخلص منها وعدم محاربة الكلاب من قبل الجهات المختصة قد أدى إلى تكاثرها بشكل كبير مما يشكل خطراً على حياة المواطنين .
ـ وفي احصائيات عن الكلاب في العاصمة عدن أكد مختصون أنه يوجد مالايقل عن (10,000) كلب منتشرة في احياء عدن وهو رقم كبير جداً.
يذكر أن تلك الكلاب قد تغذت على لحوم البشر أبان حرب 2015م . قد تسببت بموت الكثير من السكان متأثرين بجراح بعد عضهم من تلك الكلاب المسعورة خصوصاً مع قلة وجود الصل المضاد و ارتفاع سعره الذي وصل إلى أكثر من 21,000 ريال .
ـ ونذكر بعض حالات الوفاة بسبب حوادث العض جلهم من الاطفال كمثال : سمية يسلم 3 أعوام ، همام محمد أحمد والطفل فهيم جلال صالح 10 سنوات ، وكان اخرهم الطفلة قبلة أحمد سالم .
ـ كما أكد شاهد عيان من محافظة شبوة المواطن أحمد عبدالله الهقل ، أن هناك اعداد هائلة من الكلاب المنتشرة في منطقة خورة والمصابة بداء الكلب قد تسببت في عض عدد من الاطفال وهو ما أدى إلى وفاة ثلاثة أشخاص و أن الحالات في أزدياد نظراً لعدم وجود المصل المضاد ولا يوجد مستشفى قريب في المنطقة .
صادر عن / دائرة حقوق الإنسان في المجلس الانتقالي الجنوبي.