تابعنا باهتمام أصداء انعقاد حفل تدشين حلف قبائل الجنوب الذي انعقد في عدن 19/ يوليو/2018، واطلعنا على البيان الختامي الصادر عنه على طريق استكمال اعمال التحضير لعقد مؤتمره التأسيسي الأول، كما اطلعنا على ردود الفعل المؤيدة والمعارضة لهذه الخطوة، وشخصياً أرى أن تأسيس حلف قبائل الجنوب في هذه الظروف يمثل حدثاً بارزاً لم ينل حقه من الترحيب والاشادة كما ينبغي خاصة وان اشهار الحلف قد جاء استجابة حقيقية لتطورات اللحظة الراهنة التي غيبت الدولة ومنظومتها السياسية وادخلت الوطن في أتون الصراعات والحروب والانفلات الأمني والأزمة الاقتصادية الخانقة والفساد، وتوطين الارهاب والتطرف واشاعة الفوضى في شتى مناحي الحياة، ووضع كهذا لا تستطيع مواجهته والتخفيف من حدته أدوات السلطة القائمة بعقيدتها المركبة والمزدوجة وتوجهاتها المتناقضة التي تضعها جزءً من المشكلة بدلاً ان تكون جزءً من الحل للمعضلة الكارثية التي وصل اليها الجنوب تحديداً واليمن بصفة عامة.
واعلان حلف قبائل الجنوب عن وجوده في هذه الظروف العصيبة والتحولات المفصلية انما يعكس استعداد هذا المكون للدفاع عن الذات والمجتمع جنبا الى جنب مع بقية القوى الجنوبية الحية في مواجهة مختلف التحديات والمخاطر المحدقة بالجنوب ومستقبله تحت قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي بصفته الممثل الشرعي للجنوب أمام الداخل والخارج حسب ما جاء في بيان الحلف.
هذا وقد سبق هذه الخطوة ظهور عشرات الجمعيات والمنابر الاجتماعية والقبلية التي انخرطت في اطار المجهود المجتمعي للدفاع عن مصالح الأفراد والوحدات القرابية المختلفة فضلاً عن حشد اهتمامات هذه المكونات وتعزيز دورها في الدفاع عن استحقاقات الجنوب القريبة والبعيدة، وسيسهم وجود الحلف كذلك في توحيد كل الطاقات والتعبيرات الاجتماعية على مستوى الجنوب من أجل المستقبل تجسيداً لإرادة شعب الجنوب واهدافه المصيرية في التحرير والاستقلال واستعادة الدولة والتصدي لمختلف اشكال الظلم والقهر السياسي والاجتماعي واعمال الارهاب والتطرف وافشال المخططات والسيناريوهات العدائية الموجهة ضد الجنوب والجنوبيين بقصد اشغالهم بالصراعات والثارات الجانبية وحرفهم عن مسارهم النضالي الذي ضحوا من أجله بالآلاف من الشهداء والجرحى والمعتقلين والأسرى والمقصيين والمنفيين قرابة ثلاثة عقود من الزمن.. ان اشهار هذا الحلف يمثل اضافة نوعية في المسار الكفاحي الجنوبي وتعزيز الجبهة الداخلية واللحمة الوطنية الجنوبية وتأييد ومساندة خيارات شعب الجنوب بعيداً عن الوصاية والتدخل والاستثمار السياسي الرخيص لقضايا الجنوب من قبل أي طرف كان. وتبعاً لذلك فقد اختار حلف قبائل الجنوب في تقديري الشخصي ومن منطلق الاهداف التي أوردها البيان الختامي وميثاق شرف الحلف أن يؤدي دور ووظائف الكتلة التاريخية المجتمعية في الجنوب بقصد ملئ الفراغ الناشئ عن غياب الدولة ليغدو الذراع المجتمعية للجنوب مقابل الذراع الأمني والعسكري للجنوب الذي تمثله المقاومة الجنوبية والأحزمة والنخب المسلحة وتحت قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي كحامل سياسي لقضية الجنوب امام الداخل والخارج وصولاً إلى بناء أوعية اقتصادية ومالية واعلامية ودبلوماسية مختلفة تتفاعل مع بعضها لخدمة استحقاقات الجنوب المصيرية على كل المستويات.
ان انخراط قبائل الجنوب في الشأن الجنوبي العام بعد عقود طويلة من الاقصاء والتجاوز غير المبرر انما يؤكد مدى استشعار هذا المكون بالمسؤولية الوطنية واستعداده غير المشروط لتقاسم المعاناة والألم مع ابناء شعبهم دون منّ أو مزاحمة او لقاء الحصول على مغنم أو نفوذ او مصلحة خاصة بقدر ما املته مقتضيات وواقع الحال المتأزم الى ما لانهاية في ظل غياب الدولة وانكفاء القوى والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني عن المبادرة والتعبير وحشد المنتمين لمواجهة هذه المحنة مع علمنا باستحالة ان تقدم هذه التعبيرات شيئاً في ظل حالة الانقسام والتشظي القائم وتعدد الخيارات السياسية التي تعكس هذا الواقع وبقاء هذه القوى على الهامش في انتظار استعادة الدولة ومناخات الاستقرار والنظام التي تستطيع في ظلها فقط ممارسة دورها المأمول أو ما بقي من هذا الدور بعد أن تحولت بعض أو جُلّ هذه الاحزاب والتنظيمات ومنظمات المجتمع المدني الى هياكل فضفاضة توظفها النخب المسيطرة عليها من أجل خدمة توجهاتها السياسية المنفردة ومصالحها النفعية بمعزل عن جماهيرها وقاعدتها الاجتماعية وبرامجها ومواقفها السياسية المعلنة.
في هذه الظروف لا مكان للأحزاب الا من احتفظ منها بالسلاح والمليشيات مع الأخذ بعين الاعتبار ان المنظمات الجماهيرية العريقة التي نشأت منذ عقود على اساس خدمة مصالح المجتمع والمنتمين لها على اساس من الطوعية والديمقراطية والاستقلالية (اتحاد النقابات، اتحاد الشباب، اتحاد النساء، اتحاد المزارعين، لجان الدفاع الشعبي، اتحاد الأدباء والكتاب..) وغيرها من المنظمات المهنية والابداعية الاخرى قد جرى ضربها وتهميشها وعزلها ومصادرة ممتلكاتها وافراغها من محتواها بعد العام 1994م لصالح نموذج آخر من التنظيم المدني المعولم الذي تقاطعت اهدافه مع توجهات نظام صنعاء وسياسات الاقصاء والاحتكار وشروط العولمة الجديدة وحظي بدعم المؤسسات الغربية والاوروبية والمنظمات الدولية والاطراف المانحة حيث ساهمت هذه التجربة التي فشلت في مصر واقطار عربية أخرى في تعطيل الحياة السياسية والمدنية في بلادنا وخلقت اصطفاف واسع من الانتهازيين وتجار السياسة والنهب (القانوني المنظم) باسم هذا النموذج وبدا على القائمين عليه ان هدفهم لم يكن خدمة المجتمع واستحقاقات التمدن والتحديث والديمقراطية بقدر ما يهمهم انشاء اوعية وهمية تلتزم معايير النموذج الوافد من الخارج وترضي منهجه وفلسفته لتأمين انسياب الدعم المالي لنشاطها وحضورها ومشاركاتها في الفعاليات المحلية والخارجية.. وتدريجياً تحولت هذه المنظمات الى اقطاعيات خاصة للمؤسسين وبعض الأحزاب او حزب بذاته تستأثر بالدعم الخارجي وتلمع وجه النظام وتقيم ورشات عمل وندوات تستضيفها فنادق خمسة وسبعة نجوم لا تسمن ولا تغني من جوع.. وما نراه الآن يعكس هذه الحقيقة المؤلمة مع الاسف.
وفي هذه الاجواء المضطربة والمتحركة لا وجود لمنظمات المجتمع المدني الحقيقية مع احترامنا وتقديرنا لكل الدعوات التي تحاول احياء مثل هذه المنظمات التي عاشت في كنف النظام المنهار وسلكت نفس الطرق الملتوية اذا ما استثنينا عدد محدود يشذ عن هذه المظاهر الأمر الذي يتطلب اعادة النظر في الوضع القائم وصياغة الأسس والضوابط المطلوبة في هذا الفضاء لاستعادة النزعة الوطنية والاهتمام بقضايا ومصالح البلاد في المقام الأول.
وبالتوازي مع متطلبات ومهام بناء العمل الحزبي والجماهيري والمدني في الجنوب فإن من الأهمية اعادة النظر في التعاطي مع مختلف القوى السياسية تبعاً لموقفها من قضايا واستحقاقات الجنوب وفي هذا المقام نحيي الموقف المتقدم للهيئة القيادية للحزب الاشتراكي في الجنوب التي اعادت ترتيب وضعها وفقاً لمقتضيات الواقع الجديد المتصل بالقضية الجنوبية والحراك الاجتماعي الجنوبي عموماً من اجل استعادة الدولة وتقرير المصير لشعب الجنوب فضلاً عن تأييد الهيئة للمجلس الانتقالي وموقفه الداعم لإنجاز عملية الحوار الجنوبي الشامل ليغدو المجلس الحامل السياسي لقضية الجنوب في الداخل والخارج.
وفي ذات السياق من الأهمية بمكان التعاطي الايجابي مع دور القبيلة واستعداداتها الوطنية المعلنة للدفاع عن الوطن وسيادته وأمنه واستقراره والتصدي لمختلف الاحداث والتطورات المركبة والمعقدة التي لم يشهد لها الوطن مثيلاً على امتداد التاريخ المعاصر.
وبروز دور القبيلة عند انهيار الدولة أمر لا مفر منه وهي استجابة لضغوطات الواقع والتطورات وهذه من طبيعة الاشياء.. بيد أن بروز دور القبيلة ولو لملئ الفراغ الناشئ عن غياب الدولة وتعقيدات الازمة المركبة في الجنوب لا يعني بأي حال ان تأخذ القبيلة مكان الدولة او تؤدي وظائفها.
والقبيلة كمكون سياسي واجتماعي اصيل في النسيج الاجتماعي والهوية الوطنية الجنوبية ليست دخيلة على المجتمع أو نبتة شيطانية وافدة من الخارج اذا ما أخذنا بعين الاعتبار ان الغالبية الساحقة من افراد المجتمع ينتمون الى قبائل ووحدات قرابية قبلية على طول وعرض البلاد في المدنية والريف بدون استثناء وللقبيلة في الجنوب تاريخ مشرف وحضور وطني مكثف في المنشأ الكفاحي الوطني وتحتفظ بإرث تاريخي مدني ومنفتح على الدولة والنظام والقانون ولها تجربة غنية في ادارة التنوع والصراع والممارسة الديمقراطية القائمة على اساس عدم اقصاء الآخر داخل الوحدات القرابية في كل قبيلة على حده وبين كل قبيلة واخرى كما تخضع بناها وترتيباتها وهياكلها لآليات خاصة تراعي تكافؤ الفرص والمساواة ونصرة المظلوم وردع الظالم والالتزام لمصلحة الجماعة ومصالح الوطن الكبرى وضمن تراتبية قيادية خاصة مبنية على الاجماع والتوافق وتساوي الحقوق والواجبات امام الجميع رأسياً وافقياً..
ولعل في تجربة احدى قبائل ابين المعروفة خلال فترة ما قبل الاستقلال خير مثال على ذلك حيث يتناوب وجهائها على قيادة القبيلة دورياً كل عام او اكثر الامر الذي يعكس انفتاح القبيلة في الجنوب على النظام واحترام الحقوق في اطار التعدد والتنوع داخل مكون القبيلة.. هذا فضلاً عن امتلاك القبيلة لتقاليد واعراف واجراءات صاغتها بنفسها منذ القدم ولم تفرض عليها من أي طرف وهي غاية في الدقة والصرامة والحسم عندما يتعلق الأمر بقضايا حل المنازعات والثأر والمصالحة وما الى ذلك.. كما أن القبيلة في الجنوب لا تحتفظ بأي من مظاهر البداوة التي تعرقل الدولة ولم تقف القبيلة في الجنوب (كمكون سياسي واجتماعي) في اي مرحلة ضد الدولة وليس لها اي موقف عدائي معها وذلك خلافاً للمكونات الاثنية والعرقية والطائفية التي تعبث بالنظام والمجتمع وتجيزه لصالحها كمزاحم ومنافس للدولة وتشكل خطراً حقيقياً على مقتضيات الاندماج والسلم الاجتماعي . دون اغفال حقيقة أن القبيلة شيء والمناطقية والشللية شيء آخر لا ينبغي الخلط بينهما بأي حال من الاحوال.
هذا وترفض القبيلة الاعمال والسلوكيات المخلة بالشرف والامانة والنخوة والغيرة الوطنية التي عرفت بها القبيلة وما يشاع عن تصرفات طائشة او خارجة عن النظام والقانون قد يمارسها من ينتمون للقبائل الجنوبية وهم يتقلدون المناصب الحكومية بالاستناد الى آلية وعمل هذه المؤسسة الحكومية او تلك لا ينبغي تحميل القبيلة وزر هذه الممارسات لأن القبيلة لم تخول اي من هؤلاء للتحدث او العمل باسمها وليس من حق هؤلاء ان يمثلوا القبيلة في مواقعهم الرسمية وليس من حق الجميع كذلك ان يعلقوا مسلسل اخطائهم وممارساتهم المنفردة على شماعة القبيلة ظلماً ودون اي مبرر موضوعي.. كما أن وجود ابناء القبائل في مؤسسات الامن والجيش للقيام بمهمات قتالية تنفيذاً لأوامر السلطات المختصة في المدينة والريف انما يتم بمعزل عن القبيلة ومن اجل معالجة خلل او مشكلة ما لم تصنعها القبيلة وانما صنتعها اوهام وطموحات الساسة والسياسيين وبالتالي ليس من الانصاف تحميل القبيلة النتائج المترتبة عن كل ذلك موضوعياً. ووجود الحلف حالياً من شأنه ترشيد هذه الممارسات وضبط الملابسات الناجمة عن الفهم الخاطئ بهذا الخصوص.
وفي هذا المقام لا ينبغي أن نجلد ظهر القبيلة كلما وصلت الاوضاع الى حالة من السوء في كل مرة بينما القبيلة براء من كل ذلك وسيكون من الافضل ان نعيد قراءة التاريخ ونفهم الوقائع عن قرب ونتعرف على دور القبائل الجنوبية في الحقب التاريخية المتعاقبة حيث سنجدها رغم حالة البؤس والجهل والحرمان الذي عاشته منذ القدم الا أن لها تاريخ مشرف في مقاومة الظلم والاستبداد والغزو الخارجي على امتداد كل المراحل وصولاً الى يوم الاستقلال واعلان الدولة الجنوبية في 30/ نوفمبر/ 1967م، حيث شكلت جمعيات القبائل الخيرية والاجتماعية مصدر البناء الذاتي والمؤسسي لدولة الجنوب والرافد الرئيسي الذي تشكلت منه الجبهة القومية لتحرير الجنوب قبل انضمامها لاحقاً الى حركة القوميين العرب ثم معاودة القبيلة للعب دور رئيس مساند للحراك الجنوبي السلمي وتصعيد الاحتجاجات ومقاومة ادوات السلطة القمعية والعدوان الحوثي العفاشي الشمالي لأراضي الجنوب في العام 2015م، وهاهي القبيلة في الجنوب تنهض مجدداً من خلال اشهار الحلف الجنوبي الجديد من اجل توحيد قبائل الجنوب لمواجهة التطرف والارهاب واستكمال مهام التحرير والاستقلال واستعادة الدولة بعد ان استشعرت حجم المخاطر واستحالة مواجهة هذه الملفات المعقدة بالطريقة والعقلية التي تمارسها السلطة القائمة او بواسطة الحوار والمساومة وانما عبر تسخير المجهود المجتمعي الشامل الذي يستحيل ان تهزمه اية قوة طالما انه مؤمن بقضيته التي يهون من اجلها كل التضحيات واولها التضحية بالنفس من اجل مستقبل الاجيال وفداءً للوطن الجنوبي وتأمين العاصمة عدن بما لها من رمزية ودلالات عظيمة تجسدها الهوية الجنوبية الجامعة والغيرة الوطنية الراسخة في وجدان الجنوبيين وكمصدر فخر لهم باعتبارها خاصرة الجنوب وعاصمته الأبدية وصاحبة مركز مرموق اقليمياً ودولياً بحكم مكانتها الاقتصادية والريادية التي يجسدها الموقع والدور المأمول والارتباط الوثيق والمتبادل بينها وبين محيطها الوطني على امتداد الجنوب ككل تجسيداً للارتباط الوجداني وعلاقات التكامل والتفاعل المشترك بين الساحل والداخل الجنوبي فيما يشبه علاقة الرأس بالجسد إذ إذ يستحيل فصل احدهما عن الآخر بأي حال من الاحوال، وما يحاك ضد عدن هدفه اثارة النعرات والصراعات الجنوبية الجنوبية ومن قبل مطابخ قوى واوساط معروفة تحاول قصقصة اجنحة عدن ضمن هدف اشمل يستهدف خنق الجنوب اولاً واخيراً. لقد آن الاوان لدعوة الساسة والنخب وما تبقى من مؤسسات الدولة المنهارة الى الكف عن الاستثمار السياسي في اطار القبيلة والزج بها في الصراعات العبثية خدمة لأجندات سياسية مشبوهة ومصالح نفعية خاصة ليس للقبيلة فيها لا ناقة ولا جمل وصولاً الى تخلي هؤلاء عن الممارسات الطفولية والطيش السياسي الذي يتخذ من القبيلة شماعة لتعليق اخطاء وتجارب الفاعلين السياسيين واجهزة السلطة على مدى عقود طويلة.
وفي هذا السياق لا يجوز بأي حال من الاحوال ان تقابل استعدادات قبائل الجنوب للذود عن الوطن وتطهيره من فرق القتل والارهاب وايقاف مسلسل الوفادة والتغلغل للتنظيمات المتطرفة الى مختلف القرى ومناطق الجنوب والقضاء على الفساد واستعادة الدولة من قبل البعض بهذا المستوى من السطحية واللامبالاة نزولاً عند رغبات وهواجس عفى عليها الزمن او بقصد الانتقام والثأر الشخصي من القبيلة او لدوافع واسباب محددة افرزتها وقائع التراتبية القبلية التي مر عليها اكثر من خمسة عقود من الزمن لاشك انها قد تغيرت وذابت بفعل الصيرورة والاندماج الاجتماعي والانتقال من حال الى حال.
ومانحن بصدد الحديث عنه الآن ليس احياء هذه الملابسات والانقسامات في اطار التراتبية القديمة او الجديدة بقدر ما يهمنا توحيد وحشد طاقات القبيلة واسهامها المجتمعي الشامل في التصدي للملفات العالقة وافرازات التحول المفتوحة على كل الاحتمالات.
وفي ضوء ما تقدم لا غرابة أن تطالب بعض المراكز البحثية الاكاديمية الاوروبية والغربية التي قامت بإجراء دراسات ومسوحات تطبيقية ميدانية لواقع القبيلة في اليمن ونشرت بعض نتائجها في دوريات مركز سبأ للدراسات الاستراتيجية باعتبار القبيلة احدى (منظمات المجتمع المدني) بحكم ما تقوم به من دور مجتمعي الى جانب الدولة على مستوى الوحدات التابعة لها وبين كل قبيلة واخرى وعلى مستوى العلاقة مع السلطات القائمة وصولاً الى مطالبة المؤسسة التشريعية والمشرعين الى استيعاب حزمة من الاجراءات والاعراف القبلية المعمول بها في اطار القبيلة فيما يخص حل النزاعات والثارات والعلاقات والحقوق والواجبات ضمن القوانين والتشريعات الوطنية السائدة والجديدة باعتبار ان الأعراف احدى مصادر القانون بهدف تحقيق العدالة والتسريع بإجراءات التقاضي.
وفي المحصلة ينبغي ان يكون واضحاً تماماً اننا لا نراهن على دور القبيلة او اي تكوينات اخرى ما دون الدولة الا بالقدر الذي يساهم في القضاء على المخاطر المحدقة بالجنوب وتهيئة الظروف لاستعادة الدولة وتمكينها من بسط نفوذها في سائر ارجاء الوطن.
واذا كان من كلمة نوجهها الى القائمين على حلف ابناء الجنوب فإننا ننصح بإعادة النظر في بعض المفاهيم والمسميات وعدم التعاطي مثلاً مع مسمى الامراء والسلاطين كفئة قائمة بذاتها وذلك بحكم ارتباط بعض هذه المسميات بالمناصب التي تبوؤها على رأس السلطنات والامارات التي ظلت حتى الاستقلال تجنباً لإحياء ما ترسخ في الذاكرة الوطنية من مظاهر الانقسام والتشظي الجنوبي، دون ان يقلل ذلك من مكانة و حق اولاد واحفاد السلاطين والامراء من الحضور و المشاركة جنباً الى جنب مع سائر الوجاهات الاجتماعية والقبلية والمشيخية لانهم جزء من هذه الوحدة القرابية او تلك كأفراد قبليين ينتمون الى القبيلة اولاً واخيراً..
كما ندعو القائمين على الحلف الى التعامل بشفافية مع مقتضيات التحضير والاعداد لمؤتمر الحلف التأسيسي ونشر مشروع ميثاق الشرف وتوجهات الحلف واستكمال بناء مؤسساته على مستوى الجنوب ككل وصولاً الى تأطير علاقة مؤسسات الحلف مع هيئات المجلس الانتقالي على مستوى القيادة والفروع.. كما ندعو قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي الى اعطاء الاهتمام اللازم والدعم المطلوب لحلف قبائل الجنوب واتاحة الفرصة لممثليه للمشاركة في هيئات المجلس الانتقالي المركزية والمحلية بما يومن تعزيز هذه العلاقة ومنحها القدر المناسب من التكامل والتضامن والتفاعل المشترك لخدمة الاهداف والاستحقاقات المصيرية للجنوب على المدى المنظور.
والله الموفق.