إذا كان دعم الدوحة للإخوان واضحا ومعلنا، فإن لها أدوارا خفية أخرى أكثر إثارة للجدل من ذلك دعمها للحوثيين في اليمن.
وكشفت معلومات جديدة حصلت عليها “العرب” أن النظام القطري شارك بشكل فعال ومؤثر ومتصاعد في دعم الحوثيين قبل وأثناء وبعد مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في الرابع من ديسمبر 2017 في ظل مؤشرات على تورّط الدوحة في المواجهات التي اندلعت في صنعاء في الثاني من ديسمبر 2017 بين أنصار علي عبدالله صالح والميليشيات الحوثية.
وأشارت المصادر الرفيعة في حزب المؤتمر الشعبي العام، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، إلى لعب مسؤولين قطريين دورا بارزا في تقرير مصير علي عبدالله صالح والإيعاز إلى قيادات على ارتباط وثيق بالدوحة بضرورة تصفيته جسديا وعدم منح أي فرصة لاعتقاله، كما كان يفضل التيار السياسي في الجماعة الحوثية.
وقالت المصادر لـ”العرب” إن مسؤولين قطريين بارزين بعضهم كان ضمن لجنة الوساطة القطرية بين الدولة اليمنية والحوثيين في 2007 أجروا اتصالات مكثفة قبيل وأثناء المواجهات التي شهدتها صنعاء في مطلع ديسمبر 2017 مستفيدين من شبكة العلاقات القطرية الواسعة داخل الجماعة الحوثية وحتى حزب المؤتمر الشعبي العام.
وتركزت الاتصالات حول تحييد العديد من شيوخ القبائل، أو ما يعرف بطوق صنعاء، الذين تلقى العديد منهم أموالا طائلة من ضابط قطري كان يتواجد في صنعاء مقابل التزامهم الحياد. كما نجحت الاتصالات في تحييد القسم الأكبر من قادة حزب المؤتمر الشعبي العام الذين كان بعضهم مكلفا بدور ما فيما عرفت بانتفاضة صنعاء.
وأكدت مصادر “العرب” أن الأموال والعلاقات القطرية نجحت في إفشال خطة محكمة أعدها الرئيس السابق علي عبدالله صالح لإسقاط العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، حيث تخلى عدد كبير من أنصار صالح عن المهام الموكلة إليهم في هذه الخطة، تحت ضغط الأموال والإغراءات القطرية، إضافة إلى انحياز بعض الموالين لصالح إلى الميليشيات الحوثية ومن بين هؤلاء قادة معسكرات وشيوخ قبائل، فيما فضل البعض الآخر اتخاذ موقف محايد ومعظم هؤلاء قيادات تنتمي للصف الأول في حزب المؤتمر الشعبي العام، كان يفترض وفقا للخطة أن تقوم بإسقاط مربعات سكنية داخل صنعاء أو المحافظات التي تنتمي إليها.
وتجاوز الدور القطري، حسب المصادر، خانة دعم الحوثيين ماليا وإعلاميا والعمل على تحييد ضباط وسياسيين وشيوخ قبائل إلى التدخل بشكل قوي وحاسم في تقرير مصير علي عبدالله صالح. فبينما كان يرى تيار سياسي داخل الجماعة الحوثية يتزعمه صالح الصماد ويوسف الفيشي الاكتفاء بإلقاء القبض على عبدالله صالح ونقله إلى صعدة، بعد تطويق منزله وإجباره على الاستسلام، دعمت قطر التيار العقائدي والجناح العسكري في الجماعة الحوثية الذي كان يفضل طي صفحة صالح سياسيا وشعبيا وبشكل نهائي وعنيف من خلال تصفيته جسديا.
وقالت المصادر إن مسؤولين وضباطا قطريين أجروا اتصالات مكثفة في الساعات التي سبقت الإعلان عن مقتل علي عبدالله صالح. وعملت تلك الاتصالات على دفع قيادات حوثية على صلة وثيقة بالدوحة إلى عدم إفساح المجال أمام أي وساطات تستهدف خروج الرئيس السابق بماء الوجه أو اعتقاله بصورة غير مهينة.
وأكدت هذا التدخل أولى الصور المسرّبة لمقتل علي عبدالله صالح، والتي أظهرت تواجد نجل أحد أبرز تجار السلاح في اليمن والذي تربطه علاقات وثيقة بقطر، ضمن المجموعة التي نقلت جثة علي عبدالله صالح إلى ضواحي العاصمة صنعاء بهدف اختلاق قصة مقتله أثناء هروبه، وهي المحاولات التي لم تصمد طويلا بعد تكشّف الحقائق التي أكدت أن الرئيس السابق قتل داخل منزله.
تموضع قطري في معسكر الانقلاب
وفقا للمصادر، فقد حالت حساسية علي عبدالله صالح تجاه النظام القطري الذي يتهمه بلعب دور محوري في تأجيج الاحتجاجات التي أفضت إلى خروجه من السلطة في 2011، دون بروز أي دور قطري في معسكر الانقلاب، خصوصا أن رغبة الدوحة كانت تتصاعد لاستخدام الملف اليمني في إيذاء دول جوار اليمن وعلى وجه الخصوص بعد إنهاء مشاركة قطر في التحالف العربي لدعم الشرعية في يونيو 2017 نتيجة اتهامها بالتعامل مع الميليشيات الحوثية، بحسب ما جاء في بيان للتحالف.
وتوضح المعلومات التي حصلت عليها “العرب” أن علي عبدالله صالح كان يعارض بشدة مدّ أي جسور تواصل مع الدوحة بالرغم من محاولة النظام القطري فتح قناة تواصل معه عبر بعض قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام، لكن موقفه ظل متصلّبا تجاه قطر على الرغم من بحثه في تلك المرحلة عن حلفاء إقليميين ودوليين.
واستغل النظام القطري تصاعد حدة الخلاف بين علي عبدالله صالح ومن خلفه حزب المؤتمر والحوثيين لخلط الأوراق في المعادلة اليمنية وتمكين الطرف الأكثر راديكالية وتصلّبا في مواقفه تجاه دول الجوار والمتمثل في الحوثيين.
ولم يتوقف الدور القطري عند مرحلة ترجيح كفة الحوثي وقتل علي عبدالله صالح، حيث امتد ذلك الدور المشبوه إلى مرحلة ما بعد عبدالله صالح من خلال محاولة إعادة تشكيل حزب المؤتمر الشعبي العام وتطويع قراراته لما يخدم سياسة استعداء دول الخليج وخصوصا السعودية.
وقامت الدوحة بدفع العديد من قيادات المؤتمر باتجاه استمرار الشراكة بين المؤتمر والحوثيين. وأجرت في هذا السياق الكثير من الاتصالات مع قيادات حزب المؤتمر وخيّرتها بين البقاء ضمن الشراكة مع الجماعة الحوثية أو التزام الصمت في أحسن الأحوال.
ونجحت تلك الخطة التي دفعت قطر من أجلها الكثير من الأموال في إبقاء جزء من قيادات حزب المؤتمر داخل صنعاء والمضي قدما في خطاب الكراهية تجاه دول التحالف العربي.
كما التزمت العديد من قيادات المؤتمر الصمت مقابل ضمان الدوحة الحفاظ على سلامتها وعدم تضرر مصالحها الشخصية، فيما فضل تيار آخر من الدائرة الضيقة التي حافظت على ولائها لعلي عبدالله صالح، حتى بعد رحيله، أن يتخذ موقفا مغايرا من خلال مغادرة مناطق سيطرة الحوثيين وإطلاق خطاب تصالحي جديد مع التحالف العربي على قاعدة العداء المشترك للحوثيين التي استلهمها من الخطاب الأخير لعلي عبدالله صالح الذي أعلن فيه عن إنهاء الشراكة مع الحوثيين ودعا أنصاره إلى الانتفاض عليهم.
دعم قطري سافر
شهد الدور القطري في اليمن تصاعدا ملموسا منذ إنهاء مشاركة الدوحة في التحالف العربي لدعم الشرعية. وبلغ هذا الدور ذروته بعد مقتل الرئيس اليمني السابق وتصاعُد الأزمة بين قطر ودول المقاطعة.
ودفع ذلك الخلاف قطر إلى وضع ملفها الخفي في إقلاق أمن المنطقة على الطاولة بعد أن كان ذلك يتم من خلف الكواليس، حيث ألقت بثقلها الإعلامي بشكل لافت لصالح دعم الحوثيين وتشويه التحالف العربي والتشكيك في دوره عبر وسائلها الإعلامية وفي مقدمتها الجزيرة التي أعادت افتتاح مكتبها في صنعاء وحولته إلى منصة دعائية لقادة الميليشيات الحوثية، كما ساهمت في شراء العديد من المنابر الإعلامية اليمنية وتطويعها لخدمة الانقلاب وتشويه الشرعية والتحالف والتشكيك بهما، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، حيث دعمت قطر بشكل مباشر افتتاح قنوات حوثية جديدة مغلفة بطابع ليبرالي مثل قناتي “الهوية” و”اللحظة” اللتين يشرف عليهما إعلاميون حوثيون سابقون، ويشارك فيهما صحافيون وكتاب من تيارات سياسية مختلفة تحت دوافع واحتياجات مالية.
وعملت الدوحة على التقريب بين تيار من إخوان اليمن أو ما يعرف بجناح إسطنبول والحوثيين وظهرت نتائج ذلك سريعا عبر تطابق الخطاب الإعلامي والسياسي لهذا التيار والميليشيات الحوثية.
كما استطاع النظام القطري أن يستثمر علاقاته في صفوف الشرعية واستقطابه المباشر وغير المباشر لقيادات بارزة لتوجيه خطاب استعدائي ضد دول وأطراف فاعلة في التحالف العربي. واتضح ذلك في عدة محطات حيث عمد بعض المسؤولين في الحكومة الشرعية إلى إطلاق تصريحات مسيئة للتحالف وبلغ الأمر ذروته في أزمة جزيرة سقطرى التي اختلقتها وسائل الإعلام القطرية والحوثية وشارك فيها ناشطون من الإخوان.
وتكرر الأمر في أزمة مختلَقة أخرى بمحافظة المهرة التي ضيق فيها التحالف العربي الخناق على موجات تهريب السلاح القادم إلى الحوثيين، وهو ما أثار حفيظة الدوحة ودفعها إلى تسخير كل إمكانياتها لصالح الجماعة الحوثية في هذا الملف.
وأشارت المصادر إلى أن إعلان الدوحة عن إعادة افتتاح فرع مؤسسة قطر الخيرية في صنعاء هو إشارة إلى اعتزامها تحويل هذه المؤسسة إلى غطاء لإيصال أموال طائلة للحوثيين، وهو التطور الذي تزامن مع كشف وسائل إعلام غربية النقاب عن دعم الدوحة لجماعات إرهابية مسلحة في العراق وسوريا ولبنان بأكثر من مليار دولار أميركي تحت ذريعة تحرير رهائن، وهو ما يعطي انطباعا عن حجم الأموال القطرية التي وصلت للحوثيين أو من المحتمل أن تصل إليهم في الفترة القادمة.