في خضم التحديات الجسيمة التي يواجهها الجنوب اليوم ، لا تُشنّ الحروب فقط بالصواريخ والدبابات والمسيرات ، بل أيضًا بالكلمات والصور والشائعات . إنها « الحرب الناعمة» ، التي تسعى إلى النيل من تماسك الهوية الجنوبية ، وزعزعة الثقة بالقيادة ، وتشويه المشروع الوطني التحرري من الداخل .
وفي هذا المقال ، نحاول تفكيك أدوات هذه الحرب وأشكالها وأساليبها ، ونضع تصورا عمليا لمواجهتها ، مع تأكيد دور القيادة كمثال حي ومُلهم في معركة الوعي .
أولًا: ماهية الحرب الناعمة ضد الجنوب :
الحرب الناعمة هي ذلك النوع من الحروب التي لا يُستخدم فيها السلاح التقليدي ، بل تُستخدم فيها أدوات الثقافة والإعلام ، والمعلومة المضللة ، والاختراقات النفسية والاجتماعية ، بهدف تفتيت المجتمعات من الداخل ، وإعادة تشكيل وعيها بما يخدم أهداف الخصم . وهي في الحالة الجنوبية ، تستهدف :
ضرب الروح المعنوية لشعب الجنوب.
تشويه صورة القيادة والقوات المسلحة والأمن والمقاومة الجنوبية.
إثارة الشكوك حول عدالة القضية الجنوبية ومشروعها السياسي .
زرع الانقسامات المناطقية والسياسية والمجتمعية.
إضعاف الثقة الذاتية بالمستقبل والقدرة على الانتصار .
ثانيًا : أدوات وأساليب الحرب الناعمة ضد الجنوب :
الإعلام الموجه والمشبوه:
ضخ حملات تشويه ضد قيادات جنوبية عبر منصات ناطقة باسم خصوم الجنوب .
التلاعب بالمصطلحات (مثل: تحويل ااقوات النسلحة الجنوبية والأمن والمقاومة إلى ميليشيا ، أو وصف الانتقالي بـ"الانفصالي" ).
تزييف الوقائع وتشويه رموز الكفاح.
صناعة الأزمات المعنوية والاقتصادية:
دعم فوضى الخدمات وخلق انطباع بأن القيادة الجنوبية فاشلة أو عاجزة .
التلاعب بالعملة والمرتبات لخلق شعور دائم باللاجدوى .
الاختراقات الفكرية والنفسية:
نشر مقالات وبرامج تشكك في جدوى المشروع الجنوبي .
دعم أصوات جنوبية مأجورة أو مضللة تعمل من داخل الصف .
تفخيخ النخبة والرموز:
تشويه الرموز التاريخية.
اختراق قنوات ثقافية وتعليمية لنشر خطاب رمادي يُميع الهوية .
زرع الفتن المناطقية والسياسية:
الترويج لفكرة تهميش مناطق معينة داخل الجنوب .
تشجيع نزعات مناطقية ضيقة على حساب المشروع الوطني .
التغليف بشعارات براقة:
استخدام خطاب حقوق الإنسان والديمقراطية لتبرير حملات الضغط والتشويه .
تصوير دعوات الفوضى كـ «ثورات تصحيحية».
ثالثًا: أمثلة واقعية من الجنوب اليوم :
الحملات المنظمة لتشويه المجلس الانتقالي الجنوبي وتصويره كسلطة قمعية.
الدعم الإعلامي الخارجي لبعض النشطاء الذين يهاجمون المشروع الجنوبي تحت غطاء "النقد البنّاء" .
استغلال الأزمة الاقتصادية في عدن لإحداث نقمة شاملة .
اختراق وسائل التواصل لزرع أخبار كاذبة تُضعف ثقة المواطنين ببعضهم.
إثارة الفتن في شبوة والضالع وأبين عبر رموز تم تجنيدهم لتمزيق وحدة الجنوب.
رابعًا: دور القيادة كمثال وقدوة في التصدي للحرب الناعمة :
في معركة الوعي ، لا تكفي السياسات والخطط ، بل تُصبح سلوكيات القادة وممارساتهم الشخصية هي الرسالة الأقوى تأثيرا في وجدان الناس . لذلك، فإن أولى خطوات مواجهة الحرب الناعمة تبدأ من داخل القيادات ذاتها ، من خلال:
الالتزام بالقيم الوطنية في السلوك اليومي:
التواضع ، العدل ، الشفافية ، وتقديم المصلحة العامة .
القدوة في النزاهة والتقشف:
البساطة في المظهر والسلوك ، والابتعاد عن الترف .
محاربة الفساد داخل محيط القيادة .
الوعي الثقافي والفكري:
تطوير أدوات الخطاب ، والارتقاء بمستوى الحديث السياسي والإعلامي .
الانفتاح والإنصات:
استقبال النقد بصدر رحب ، وفتح قنوات تواصل مع الجماهير .
تجسيد روح التضحية:
الوجود في الميدان ، ودعم المشاريع المجتمعية والتعليمية .
خامسًا: سبل المواجهة الشاملة للحرب الناعمة:
بناء إعلام وطني احترافي ومؤثر:
تطوير مؤسسات إعلامية جنوبية ذات خطاب عقلاني ومهني.
تنمية الوعي المجتمعي:
تكثيف برامج التدريب والتأهيل في مجال الوعي والإعلام والهوية.
تنقية الصفوف:
مواجهة الطابور الخامس ، وعدم التهاون مع من يتعمد الإضرار بالمشروع الوطني.
إعادة الاعتبار للثقافة الوطنية:
دعم الإنتاج الثقافي والفني الذي يعزز الهوية الجنوبية.
بناء شبكات حماية إلكترونية:
تطوير منظومة تقنية لرصد ومواجهة حملات التضليل.
أخيرا أقول :
الحرب الناعمة ليست أقل خطورة من الحرب العسكرية ، بل قد تكون أخطر لأنها تستهدف البنية الذهنية والوجدانية للشعوب . ومن دون وعي قيادي وشعبي شامل ، يُمكن لأعداء الجنوب أن ينتصروا دون إطلاق رصاصة واحدة . وعليه ، فإن مسؤولية التصدي لهذه الحرب تقع على الجميع ، وفي مقدمتهم القيادة ، التي يجب أن تكون حاملة للمشروع ، ناطقة بقيمه ، مجسّدة له في سلوكها اليومي ، قبل أن تطالب الشعب بالالتفاف حوله .
.....
# فضل معبد #