كتب .. عبدالسلام السييلي
في الرابع من مايو 2017م ، شهدت مدينة عدن حدثاً تاريخياً فارقاً في مسيرة النضال الجنوبي، حين أعلن عن تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزبيدي وتم تفويضه جماهيرياً بمليونيات حاشدة لاستعادة دولة الجنوب بكامل سيادتها على حدودها المعترف بها دوليا قبل الوحدة مع الشمال في 22 مايو 1990م. جاء هذا الإعلان تتويجاً لسنوات من النضال الشعبي السلمي والكفاح المسلح والمطالبة بالتحرر من هيمنة نظام الاحتلال اليمني ، التي تجسدت في معاناة الجنوبيين بعد حرب 1994. وسياسات التهميش والإقصاء الممنهجة والنهب للثروات الجنوبية وحرمان أهلها منها.
السياق التاريخي للإعلان :
بعد اندلاع الحرب وإجتياح الجنوب للمرة الثانية من قبل قوات الإحتلال اليمني ممثلة بمليشيات الحوثي المدعومة من إيران وحلفاءهم من القوى اليمنية عام 2015م إستطاع أبناء الجنوب كسر عدوان المليشيات وتحرير مدينة الضالع في 25 مايو 2015 لتصبح أول مدينة عربية تكسر المد الفارسي بعد أن سقطت دول بأكملها بيد إيران ومليشياتها ، ليتبعها تحرير باقي المناطق الواحدة تلو الأخرى خلال فترة قصيرة ، برزت بقوة المطالب الجنوبية كقضية مستقلة تتجاوز الصراع العسكري إلى مشروع سياسي واضح :
إستعادة الدولة الجنوبية رغم أن هذه المطالب لم تكن وليدة اللحظة حيث بدأت منذ أجتياح الجنوب بحرب صيف 1990 الظالمة وتشكلت على إثرها العديد من حركات الرفض والمقاومة الجنوبية للإحتلال اليمني منها حركتي (موج ) و (حتم ) المسلحتين مروراً بالحراك السلمي الجنوبي في عام 2007م.
وقد مثّل إعلان عدن تتويجاً لتلك التطلعات، حيث أكّد على:
- الشرعية التاريخية: باعتبار الجنوب كان دولة ذات سيادة قبل الوحدة ولها مقعد في مجلس الأمن وعملة معترف بها دولياً، وانطلاقاً من حق تقرير المصير.
- الإرادة الشعبية: عبر تفويض الرئيس القائد الزبيدي من قبل جماهير الجنوب من المهرة إلى باب المندب لقيادة المرحلة حتى إستعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة.
- الرفض المطلق للوصاية اليمنية: سواءً من الحوثيين أو نظام صنعاء السابق أوقوى الاحتلال اليمني الأخرى.
مضامين الإعلان وأبعاده :
لم يكن إعلان 4 مايو 2017 مجرد خطاب رمزي ، بل كان:
1. إعلاناً سياسياً بتفكيك الشراكة مع العربية اليمنية ، بعد فشل الوحدة وإخفاق مشروع الدولة اليمنية الموحدة التي إنقلب عليها الشركاء في العربية اليمنية وشنوا حربا ظالمة على الجنوب في صيف العام 1994م..
2. تأكيداً على الهوية الجنوبية المنفصلة، التي ظلت مقموعة لعقود وتعرضت للطمس والتشويه ومحاولات إستبدالها باليمننة .
3. تأسيساً لمرحلة جديدة من النضال السياسي والدبلماسي الدولي، عبر السعي للحصول على اعتراف إقليمي ودولي بالجنوب ككيان مستحق للاستقلال.
التحديات والآفاق :
رغم الظروف المعقدة التي أحاطت بالإعلان - من حرب مستمرة وتدخلات إقليمية وتضارب مصالح - إلا أنه أعاد الجنوب إلى الواجهة كقضية لا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال ولا يمكن القفز عليها أو الإنتقاص منها.
اليوم وبعد سبع سنوات من هذا الإعلان، يواصل المجلس الانتقالي الجنوبي، بدعم شعبي واسع، السعي نحو تحقيق الاستقلال الكامل عبر الوسائل السياسية والدبلوماسية، مدعومًا بالإرث القانوني للدولة الجنوبية السابقة حيث ظهر ذلك جلياً من خلال لقاءات الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي مع دبلماسيين من كل أنحاء العالم .
واليوم وبالتزامن مع الذكرى السابعة لإعلان عدن التاريخي يتم إفتتاح بعثة للمجلس الإنتقالي الجنوبي في واشنطن عاصمة القرار في العالم وهذا يعد إنتصاراً سياسياً جديداً لقضية شعب الجنوب.
الخلاصة :
((الرابع من مايو ليس تاريخًا عابرًا، بل هو يوم انتصار الإرادة الجنوبية التي رفضت الانصهار في مشاريع الآخرين، واختارت أن تكتب مصيرها بيدها)).
إعلان عدن التاريخي لم يكن مجرد لحظة احتجاج، بل كان بيان ميلاد جديد لدولة الجنوب، يؤكد أن شعب الجنوب لم - ولن - يتنازل عن حقه في استعادة كيانه المستقل. وهو يمثل اليوم حجر الزاوية في أي حل سياسي شامل، حيث باتت قضية الجنوب جزءًا لا يتجزأ من أي تسوية دولية لأزمة اليمن ولا يمكن تجاوزها أو الإنتقاص منها.