تحل غدا الثلاثاء الذكرى الـ 30 لإعلان فك الارتباط، والتي تصادف 21 مايو من كل عام، وكان الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض، قد أعلن في هذا اليوم من عام 1994، فشل ما تسمى بالوحدة، وفك الارتباط عن الجمهورية العربية اليمنية، بسبب غزو النظام اليمني للجنوب في ذات العام 1994م.
وكان النظامين في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، والجمهورية العربية اليمنية، قد اعلنا بقرار متسرع قيام ما سميت حينها بالوحدة اليمنية عام 1990م، ويمثل 21 مايو، الذي يحتفل به الجنوبيون سنويا، أولى مسارات النضال الجنوبي ضد الاحتلال اليمني.
وتحل الذكرى الـ 30 لفك الارتباط وقد تحقق للجنوب الكثير من المكاسب علط كافة الصعد السياسية والعسكرية بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، ومثل قرار فك الارتباط، انطلاقة للنضال الجنوبي ضد قوى الغدر والخيانة التي اشعلت الحرب ضد شعب الجنوب المسالم متجاهلة كل الأعراف والمواثيق والقوانين.
وتعد المنجزات الحالية لأبناء الجنوب، امتداداً لمراحل نضال بزغت في يوم 21 مايو 1994م، لترسم ملامح الدولة الجنوبية، وهو ما يتحتم على القيادة الجنوبية، العمل على توحيد الصفوف لمواجهة المؤامرات التي تحاك ضد شعب الجنوب وحقه المشروع في استعادة دولته والذي يحمل رايته المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس القائد عيدروس الزبيدي.
ويدرك الجميع، أن الإعلان الدستوري المتمثل في الاعلان الرئاسي الصادر يوم 7 أبريل 2022م، قد ألغى ما يسمى بدستور الجمهورية اليمنية، وهو ما يعطي الحق لابناء الجنوب لكي يتمسكوا بفك الارتباط عن الجمهورية العربية اليمنية بعد ان تم الغدر بهذه الوحدة وذبحها من الوريد إلى الوريد عقب اجتياح قوات نظام صنعاء للجنوب واحتلاله بقوة السلاح في حرب صيف 94م.
كما يتمسك الجنوبيون، بإعلان فك الارتباط واستعادة الدولة الجنوبية بحدود ما قبل 1990م، وذلك تجديدا للعهد منهم للشهداء والجرحى بالاستمرار حتى تحقيق الأهداف التي سقطوا من أجلها، ويطالب شعب الجنوب، منذ ثلاثة عقود بحقه القانوني في تقرير مصيره وانهاء وحدة الظلم والالحاق (22 مايو 1990)، والوصول إلى هدفه الأسمى في التحرر والاستقلال وإقامة الدولة الجنوبية الاتحادية.
" يومً تاريخي في مسيرة نضال شعب الجنوب"
ويصادف يوم غد الثلاثاء الموافق 21 مايو 2024، الذكرى الثلاثين لإعلان الجنوب التاريخي بفك الارتباط عن نظام الاحتلال الدموي في صنعاء واستعادة دولة الجنوب، وقد اثبت التاريخ ومجمل الاحداث والوقائع التي مر بها الجنوب وحركته الوطنية التحررية وكل التطورات موخرا انه كان قراراً وطنيا شجاعاً وصائباً رغم كل التأويلات الخائبة التي استهدفته ودارت حوله حينها.
وشكل اعلان فك الارتباط دافعا وحافزاً لمناضلي الثورة الجنوبية الثانية للاستمرار في الرفض والمقاومة للواقع الذي فرضه الغزو والاحتلال اليمني للجنوب حينها، وتجلى ذلك بأشكال وصور نضالية متعددة كحركة حتم المسلحة واللجان الشعبية ثم بالحراك الجنوبي السلمي والأسطوري الذي انبثقت عنه المقاومة الوطنية الجنوبية.
ولاتزال حتى اليوم ذات الإرادة الشعبية التي انطلق منها قرار 21 مايو عام 94 حاضرة وبقوة وتؤسس للمشروع الوطني الجنوبي، وقد مثل قيام المجلس الانتقالي الجنوبي بمقاومته الوطنية وكل القوى والمكونات الحية التي عبرت جليا عن تلك الإرادة الشعبية المؤمنة بفك الارتباط واستعادة الدولة والاستقلال.
وتكمن أهمية إعلان 21مايو 94 بانه كان بمثابة الصاعق الايجابي الوطني الذي ساعد في تشكيل الوعي الجنوبي الجمعي تجاه أهمية استعادة الأرض والتمسك بالهوية الجنوبية والانتماء للوطن فوق كل الاعتبارات الضيقة كالحزبية والمناطقية والفئوية وكل العلل والأمراض والإشكاليات التي زرعها المحتل.
وما يشابه مايو الأمس أي قبل ثلث قرن بمايو اليوم، انه يأتي في ظل استمرار حرب قوى صنعاء وعدوانها على الجنوب، وهذا يثبت ويؤكد صوابية وأهمية قرار اعلان فك الارتباط بالنسبة للجنوبيين حينها والذي اتخذته قيادتهم السياسية عقب اعلان صنعاء الحرب على الجنوب، ولعل ما يميز مايو اليوم عن مايو الأمس ويجعله ايضا مباركا، هي تلك الانتصارات والملاحم البطولية التي يسطرها أبطال القوات المسلحة الجنوبية والأمن في ميادين الشرف دفاعا عن أرضهم وعرضهم.
كما يأتي 21 مايو اليوم والجنوب العربي قد اكمل سنوات عديدة وهو في خندقٍ واحد جنبا إلى جنب مع دول التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات العربية مجددا العهد والوفاء والمصير المشترك، وكذلك مثل الـ21 من مايو رمزية وطنية للقضية الجنوبية وعدالتها، واسقط بمشروعيته وبقوة الحق وحدة الـ 22 مايو (وحدة الغدر والضم والالحاق وإلى الأبد).
"ذكرى خالدة ترسخت في عقول ووجدان شعب الجنوب"
وتأتي ذكرى اعلان فك الارتباط هذا العام لتضع العالم اجمع أمام عظمة هذا الشعب الجنوبي القوي الصابر والمثابر من أجل الحفاظ على مسيرته النضالية وتضحياته الجسيمة في سبيل تحقيق الهدف المنشود.
ويحيي الشعب الجنوبي، الذكرى الـ 30 لاعلان فك الارتباط الذي اعلن عنه في 21 مايو من العام 1994م، وإنهاء شراكته فيما تسمى بالوحدة مع الجمهورية العربية اليمنية، في ظل الانتصارات الكبيرة التي تحرزها القوات المسلحة الجنوبية على الأرض والتي ساهمت في الحصول على مكاسب سياسية ودبلوماسية استطاع من خلالها الجنوب انتزاع الاعتراف الإقليمي والدولي بقضيته العادلة وحقه في تقرير مصيره.
وكان لهذه الذكرى رجال شجعان حفظوا لها الاستمرارية والحياة وذلك بما قدموا من تضحيات جسيمة تجسدت في البذل بالمال أو النفس أو الجهد حتى أصبح هذا الأمر واقعا وحقيقيا يترجم على أرض الواقع وكان على رأس هولاء الرجال العظماء الرئيس القائد عيدروس ابن قاسم الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، القائد الأعلى للقوات المسلحة الذي قدم هو ورفاقه الكثير التضحيات منذ عام 1994م وحتى يومنا هذا.
"اعلان فك الارتباط في ذكراه الثلاثين"
وفي 21 مايو / أيار عام 1994، أعلن الرئيس الأسبق علي سالم البيض فك الارتباط بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية، وذلك بعد ثلاثين عاماً على الإعلان السياسي الذي جاء بعد أن شن نظام الهالك علي عبدالله صالح هجوماً عسكرياً على الجنوب ناقضاً وثيقة العهد والاتفاق التي رعاها الملك الراحل الحسين بن طلال في العاصمة الأردنية عمّان.
ونظام صنعاء منذ أن أطلق الطلقة الأولى للحرب الغاشمة سماها "حرب الردة والانفصال"، وهي تسمية عميقة الدلالة على كل ما يجب على هذا الجيل أن يستوعبه بمقدار الحقبة التاريخية التي مرت بحقائقها ودلائلها وأوجاعها وظلمها، وفيما يجب أن تتداركه الذهنية المعاصرة فيما نتناوله بين ذلك الإعلان وما يجب أن نخوض فيه بمساعي الخلاص.
ويرى سياسيون ومحللون عرب، ان الصراع السياسي لم يأتِ طارئاً فهو الأعمق والأجدر بالنظر إليه بالحالة السياسية المشدودة بعد ثلاثة عقود، عدن الليبرالية تواجه غزو الرجعية بكل ما في الرجعية من عصبية دينية وقبلية ومناطقية، والجهل يواجه النور، والباطل في صراع الحق، ذلك الوصف الذي يجب أن تتفهمه الأجيال الحاضرة لهذه اللحظة التي عشناها وكنا شهودها يوم أن أعلن البيض فك الارتباط السياسي عن صنعاء، كنا في تلك اللحظة كما نحن اليوم تماماً نعيّ أن خطأ جسيماً قد أوقع الجنوب عندما انجر بعاطفة عمياء خلف الشعارات القومية، أمان الجنوب بالمشروع القومي وأن العرب لهم وحدة مصير وأن تحرر الأوطان مسؤولية الكل فلم يتأخر الجنوبي من بعد الجلاء البريطاني عن أن يحتضن على أرضه كل حركة تحررية عربية كانت يمنية او غيرها.
ودفع الجنوب، ثمناً بل أثماناً باهظة في سبيل أن تحقق حركات التحرر الوطنية أهدافها، طعنات الغدر اليمنية جاءت وأوجعت الجنوب ومع ذلك مضى مع الفلسطيني وهو يطعن الخاصرة في كل مرة ومع ذلك مضى حتى جاءت الكاشفة عند الغزو اليمني للجنوب في صيف عام 1994، يوم كانت المجنزرات اليمنية تعبر على الأرض الجنوبية وعليها الأفغان العرب يطلقون قذائف المدفعية على البيوت ويدفعون الناس الذين كانوا في عيون كل من جاء ليقاتل الجنوبيين باعتبارهم كفاراً ملحدين، كان الجنوب أول شعب يتعرض في التاريخ الحديث لفتوى تكفيرية لم تراعِ قيماً ولا جواراً ولا رحماً.
وفرضت صنعاء على الجنوب سياسة الأمر الواقع السلب والنهب باستباحة الممتلكات كانت بالنسبة للغزاة مأخوذة من تعاليم التكفيريين الذين كان في مقدمتهم جماعة الإخوان، التنظيم الدولي وجدها فرصة انتقام من النظام السياسي لليمن الجنوبي الذي كان منذ أن أنشأ الدولة الوطنية منع أنشطة الإخوان وكل جماعات الإسلام السياسي، ومع الانتقام كان مخططاً للتنظيم أن يستغل التسهيلات التي وفرها نظام علي صالح مما حوّل الجنوب لجغرافيا ظهر فيها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وبدأت هجماته الإرهابية باستهداف العاصمة السعودية.
وبحسب خبراء ومحللون، فان توطين الإرهاب في الجنوب مخطط نظام صنعاء وحلفائه في جماعة الإخوان غير أن ما كانوا يظنون أنه سيدوم تغير بانتفاضة المكلا في 1997، حتى تشكل الحراك السلمي الجنوبي وتبلورت التوجهات الوطنية في ردفان 2007، الحركة النضالية السلمية وحتى مع "الربيع العربي" لم تتغير بوصلة الحراك الجنوبي وظل متمسكاً بثوابته باستعادة دولته رغماً عن إقصاء الجنوب في المبادرة الخليجية وتهميشها في مؤتمر الحوار الوطني إلى أن جاءت عاصفة الحزم وظهر فيها كل الحقائق، الحوثيون وكل قطاعات الجيش اليمني أعادوا غزو 1994، غير أن الجنوبيين في هذه المرة وجدوا في ظهرهم عيال زايد فكان لرجال الإمارات وقفتهم في تحرير عدن وتطهير محافظات الجنوب من الإخوان وخلاياهم من القاعدة وداعش وأنصار الشريعة.
ومع الذكرى الثلاثين لإعلان الجنوب فك الارتباط عن نظام الشمال الرجعي المتخلف، على هذا الجيل المعاصر إدراك أن المعركة وإن كانت استعادة دولة بحدودها الوطنية فإنها كذلك استعادة روح الجنوب التنويرية واستعادة المدرسة الوسطية المذهبية، قيمة الجنوب أنه كان على امتداد التاريخ البشري مهداً لحضارات ارتبطت بالفكر والتنوير، فإن كان من مهمة لهذا الجيل أن يدعم فيها الاستقلال الثاني فهي في أن يتحصن من أفكار المتأسلمين ويفتح الآفاق العلمية ويفشي روح أجداده الموصومة بالتسامح والتعايش فهذه مهمة جيل الاستقلال الثاني ولن يكون ببعيد.