بقلم – أصيل السقلدي
من الوهلة الأولى لإعادة انتشار القوات المشتركة وأنا على يقين أن هذه الخطوة الشجاعة التي اتخذتها قيادة القوات المشتركة والتحالف العربي ستكون لها نتائج قاسية وموجعة للحوثيين في جبهات خارج إطار المناطق محظورة السلاح؛ التي حددتها البعثة الدولية المرسلة من الأمم المتحدة.
ما كنتُ أتوقعه أن الضربات القاسية سيتلقاها الحوثيون بعد إنهاء عملية إعادة الانتشار، ولكن مليشيات الحوثي الموجودة في الحديدة استعجلوا مصيرهم، وأرادوا أن يصنعوا من تلك الخطوة نصرًا لهم فجنَوا الهزيمة المذلة.
قصة إعادة الانتشار للقوات المشتركة فيما يأتي:
أبلغت قيادة القوات المشتركة قادة الألوية بإعادة انتشار مفاجئ، وفي وقت لا تجري أي مناوشات مع الحوثيين، في البداية كان إعادة الانتشار تدريجيًا من (الحديدة والدُّريهمي إلى الجَاح).
وبدلًا من أن ينفذ الحوثيون اتفاق (استوكهولم)، وينسحبوا من المساحة المحددة لهم، جمعوا كل ما في وسعهم ودخلوا المواقع التي كانت متمركزة فيها القوات المشتركة في (حي 7 يوليو، وشارع صنعاء، وكيلو 16، وحي المنظر بالحديدة، قرى مناطق الدُّريهمي)، ودخلوها محتفلين وكأنهم حرروها بجدارة وبقتال، ولكن عكّر فرحتهم المزيفة عدم امتلاكهم لأي تسجيلات درامية للمعركة، كالتي اعتادوا التفاخر بها؛ إذ لم يجدوا فيها معسكرات ومخازن وأسلحة وعتاد وآليات، ولم يجدوا إلا التراب تُرِكَ كمنطقة آمنة للمواطنين، ومن أجل الإنسانية.
فقام مشرفوهم بحشد المُبردِقين؛ الذين كانوا في جبهات (الحديدة، الدُّريهمي)، ومواقعهم الأخرى، و(بيت الفقيه)، وكل طاقتهم العسكرية من أفراد وعتاد ليهاجموا القوات المشتركة المرابطة في (الجَاح) المترصدة لمجيء قطعان المليشيات الضالة.
كان الهدف من الزجِّ بكل ما لديهم في (الحديدة)، هو تصوير معركة وصُنع نصرٍ في فيلم فيديو، لكن أبطال القوات المشتركة كانوا لهم بالمرصاد، فلم يفر منهم غير عدد الأصابع، وقد لقيت قطعان الحوثي التي تقدمت حتفها المحتوم.
طبعًا، من بقي من المشرفين الكبار الذين يقودونهم من الحديدة من (آل البيت)، لم يشاركوا في المعركة؛ إذ هم أجبن من ذلك، لأن مهمتهم أن يرسلوا الآخرين وهم يوجِّهون أوامرهم من مخابئهم، وقد جنَّ جنونهم عند سماعهم بإبادة قطعانهم كلها!
فقاموا باستدعاء كل من لديهم بالمعسكرات في (الحديدة، وباجل، والمراوعة، والصَّليف)، وجهزوهم مع آلياتهم المدرَّعة، وعدد من الدبابات والأطقم، وهي احتياطهم الضخم في مدينة (الحديدة) في الوقت نفسه، واصلت القوات المشتركة إعادة انتشارها التدريجي بطريقة الواثقين المنتصرين، حتى وصلوا إلى مكان توقفهم التالي، بحسب الخطة في منطقة (المجيلس)؛ التي لا تبعد كثيرًا عن (الجَاح).
فوصل في صباح اليوم الثاني صبية إيرلو المُبردِقين، وهنا باغتتهم القوات المشتركة بهجوم عكسي إلى منطقة (الطور)، هجومًا كان كفيلًا في إنهاء عدَّتهم وعتادهم؛ التي كان يعول عليها المشرفون الحوثيون، ولم يفر منهم إلا القليل، وأما آلياتهم فأُعطِبت بالسلاح المناسب.
القوات المشتركة واصلت خطتها ومرحلتها في إعادة الانتشار وتموضعت في (الفازة)، طبعًا بعد إعادة انتشار القوات في (التُّحيتا).
جمع المشرفون الحوثيون في ذلك اليوم كل ما لديهم من أفراد وقوات في (التُّحيتا، وزَبيد)، وحشدوهم إلى (الفازة، والجبلية)، وهناك القوات المشتركة لم تُعد انتشارها بعد أن كانت موجودة في مواقعها معزَّزة بالقوات التي أعادت الانتشار من (الحديدة والدُّريهمي والجَاح)، فكانت ليلة دامية على الحوثيين، ولا أستطيع تقدير عدد الهالكين ممن جمعوهم من قوة؛ إذا لم ينجُ أحد منهم إلا من لاذ بالفرار وسط الظلام الدامس.
وصباح اليوم التالي، واصلت القوات المشتركة إعادة انتشارها من (الفازة، والجبلية)، إلى شمال منطقة (الحيمة)؛ إذ سيكون تمركزها الدائم بحسب أوامر القيادة، فتمركزت هناك، بعد أن كبّدوا الحوثيين خسائر فادحة، عجزوا فيها عن تصوير لقطة واحدة تدلُّ على نصرهم، ليحفظوا بها على الأقل ماء وجوههم أمام أذنابهم.
وبخصوص المناطق التي خرجنا منها لتكون مواقع منزوعة السلاح، فقد نشر فيها المتحوثون ما يسمَّون (بالأمن الوقائي والثقافيين)؛ لتكريس فكرهم الكهنوتي في عقول المواطنين.
واستمروا يحشدون من (الجرّاحي، وجبل رأس)، وتواصلوا باليوم نفسه بمقاتليهم من (الصَّليف، وحجّة)، فقرَّروا الهجوم من اتجاهات متعدِّدة، وأدخلت مليشيات الحوثي عشرات الانتحاريين على قوارب من البحر للتسلُّل إلى الميناء العسكري في (الحيمة)، وفي الوقت نفس هجوم من الشمال، وإحداث مناوشات في الشرق، ولكن أبطال القوات المشتركة كانوا متأهبين لهم كالأسود فانقضُّوا عليهم، فلم ينجُ أحد من المتسلِّلين أو الذين دخلوا على القوارب، فخالطت دماؤهم النجسة تراب البرَّ وماء البحر، وكُتِبوا عند مشرفهم المختبئ: (ذهبوا ولم يعودوا)!
أما الذين حاولوا الهجوم من شمال (الحَيمة)، فقد هُرِع إليهم وحوش وأبطال القوات المشتركة وطاردوا من بقي منهم إلى مشارف (الغويرق).
ولم تكتفِ المليشيات بتلك الخسارة، بل واصلت حشد مقاتليها إلى الهلاك فوصلت إليها تعزيزات من (إب وريمة، وذمار)، وتمركزوا في (مزارع الحسينية)، ببيت الفقية وشمال حيس، فأرسلت لهم الغارات الجوية والأرضية لتسحقهم سحقًا في أماكن تمركزهم بالحسينية، مفرق العُدَين، ووصل بعضهم إلى منطقة الجبلية، ولقي مصرعة هناك.
وكانت مدفعية القوات المشتركة تدكُّ تعزيزاتهم القادمة من (إب، وريمة، وحجة)، بضربات مركّزة ومحكمة، فكبّدتهم خسائر بالعشرات.
ومن كثرة الخسائر والنكسات التي تعرضت لها المليشيات دون أن يحصلوا على مادة إعلامية صارت خطوط التّماس الشمالية المقابلة لقواتنا خالية من وجود الحوثيين؛ لأن القوات المشتركة تدكُّ كلَّ وجود حوثي أمام مواقعها.
وبهذه الخطوة تكون القوات المشتركة قد عملت ما يمليه الضمير من أجل الإنسانية، وإخلاء منطقة منزوعة السلاح وفي الوقت نفسه وفقها الله للتخلص من جزء كبير من أعداء الإنسانية؛ الذين كان يُفترَض أن يقوموا بخطوة مماثلة حسب الاتفاق، ولكن كانت نياتهم سيئة ونفوسهم خبيثة، وأرادوا أن يكونوا أبطالًا، ولكن فشلت مخططاتهم كلها وصارت هباء منثورًا في أدراج الرياح مقابل القوات المشتركة، وكُشف خبثهم في ذلك وعداؤهم للإنسانية، فهُزِموا شرَّ هزيمة وخسروا نحو (٦٠ ٪) من قوتهم البشرية الموجودة في محافظة (الحديدة)، بالإضافة إلى العتاد وهلاك معظم التعزيزات التي استقدموها من المحافظات المجاورة.