يجمع كل المراقبين والمتابعين للشأن اليمني ان نجاح ميليشيات الحوثي في الصمود سياسيا وعسكريا واقتصاديا طيلة خمسة اعوام رغم حصارها وعزلتها كان بسبب فشل الشرعية وتخبطها وخاصة منذ سيطر عليها حزب الاصلاح ( إخوان اليمن).
حيث نجحت المليشيا في اخر ثلاثة سنوات بتجاوز محنها الداخلية بأمان من انتفاضة صنعاء التي قتل فيها الرئيس السابق علي صالح مرورا بمواجهات عمران واخيرا بانتفاضة حجور وصارت اليوم تقترب من مأرب وتحاصرها.
كل ذلك كان نتاج تخبط الشرعية وحرف بوصلتها من قبل حزب الاصلاح (اخوان اليمن) الذي يعمل لحساب تركيا وقطر وبالتعاون مع ايران. واكبر ذليل على ذلك انه تخلى عن مواجهته لمليشيا الحوثي وجمد كل الجبهات رغم الدعم الكبير من التحالف العربي له بالسلاح والعتاد. وتحوله الى الجنوب لخوض معارك مع الشعب الجنوبي والمجلس الانتقالي الذي يعمل على التصدي لمليشيا الحوثي في مختلف الجبهات.
*لماذا صمد الحوثيون امام الهزيمة الوشيكة؟*
من هذا السؤال يمكن الذهاب الى سؤال آخر هو الأدق والأكثر صراحة وهو: لماذا فشلت الشرعية في احداث أي نصر او تقدم المحافظات الشمالية؟ بينما تمكنت القوات الجنوبية في صنع كل الانتصارات التي يفخر ويتحدث عنها التحالف العربي اليوم.
وللإجابة على هذا السؤال لابد من اعادة قراءة المشهد اليمني. والغوص في دهاليز وكواليس ما تقوم به الشرعية التي يسيطر عليها حزب الاصلاح من تعطيل لمعركة التحالف واعاقة هزيمة مليشيا الحوثي . وهو امر لا يحتاج لشرح لمعرفة غالبية المراقبين والسياسيين به.
تجميد جبهات واستنزاف التحالف وابتزاز السعودية من قبل حزب الاصلاح الذي انقسم الى فريقين بالتنسيق واحداً يعمل مع قطر وتركيا والاخر يدعي موالاته للمملكة العربية السعودية. اما فيما يخص التحالف فحزب الاصلاح لا يعمل مع التحالف العربي بتاتاً ولكنه يحاول إيهام السعودية انه يعمل معها وذلك لاستنزافها . بينما الاصل في عمله هو تأديته لمهام اوكلت له من التنظيم الدولي للإخوان الذي يعمل من داخل شرعية هادي مع تركيا وقطر وبتنسيق مع ايران.
تخلي الاصلاح عن معركته مع الحوثيين واتجاهه جنوباً هو امر يأتي ضمن مخطط اخواني تركي قطري بتنسيق حوثي. لتخفيف الضغوط على مليشيا الحوثي في جبهات القتال خاصة (الضالع وكرش والساحل الغربي) . اضافة الى ان تركيا تحاول التمدد الى سواحل الجنوب شرقاً بالتزامن مع سيطرة تركيا على سواحل الصومال وبناءها قواعد هناك.
*كيف صمدت مليشيا الحوثي عسكرياً واقتصادياً وسياسياً؟*
تكمن خطورة المشهد اليمني بالنسبة للتحالف العربي في تمكن مليشيا الحوثي من الصمود عسكرياً. وهذا أمر نتج عن خيانات التحالف العربي من قبل حزب الاصلاح الذي سلم الحوثي معسكرات بكامل عتادها كما ان تهريب الاسلحة للحوثي من مارب والجوف هو مصدر رئيسي للمليشيا الحوثية كلما استنفذت قواتها والياتها ومخازنها وذخائرها التي استهدف طيران التحالف غالبتها بعمليات قصف جوي.
اما صمود الحوثي اقتصادياً. فيعود الى الفساد الضخم الذي يتغلغل في مفاصل الشرعية وحكومتها خاصة منذ تولي ( المتحوث المتقلب الى الشرعية احمد بن دغر منصب رئيس الحكومة والذي عبث بعمل الحكومة وحرفها عن مسارها الى معارك جانبية وفتح افق للفساد لم يحدث في اي حكومة. ومثله جاء من بعد رئيس الحكومة معين عبدالملك).
ومن هنا تحول مسؤولي واعضاء الشرعية ووزراء حكومتها الى تجار وباحثين عن مصالح مالية وممارسي للفساد علناً غير آبيهن بالحرب واستعادة الشرعية بل ومتواطئين مع مليشيا الحوثي.
كما ان الامر يعود لتواطؤ داخل الشرعية بتوريد مليارات الريالات الى صنعاء من مرافق سيادية كالموانئ والمطارات والنفط والاتصالات والضرائب وغيرها. وهي الاموال التي يعتمد عليها الحوثي لدعم جبهاته وتمويلها . اضافة الى ان مأرب اصبحت مصدر تمويل للحوثي بالمشتقات النفطية وبالعملات الصعبة وسبق ان تم القبض على اموال مهربة من البنك المركزي فرع مارب الى مليشيا الحوثي في صنعاء.
وسياسياً تمكنت مليشيا الحوثي من الصمود نتيجة ترهل الشرعية الذي كان بفعل صنعة حزب الاصلاح الذي يؤدي دور يسمح لمليشيا الحوثي باستغلال فشل الشرعية والعمل عليه. كما ان انشغال الشرعية بمعارك جانبية وضعف أدائها لدى المجتمع الدولي وفشل سفاراتها وقنصلياتها التي تحولت الى مصادر دخل لاعضاءها بينما يتواجد بداخلها من يقدمون خدمات لمليشيا الحوثي ويقفون معها.
*حقائق.*
اول هذه الحقائق عجز الشرعية العسكري عن تحقيق اي انتصار حقيقي على الحوثي في محافظات الشمال وتخليها عن تحرير صنعاء وتوقيعها من خلال اتفاق السويد على تسليم الحديدة لمليشيات الحوثي.
ثانيا، الاخلال بقواعد الشراكة السياسية سواء مع الاحزاب التقليدية او مع القوى الجديدة التي افرزتها الحرب مثل المجلس الانتقالي والمقاومة الجنوبية ، وفتح معارك جانبية مع شركاء التحالف العربي قبل الانتهاء من العدو المشترك.
واخيرا، فشلها الذريع في بناء اي نموذج ايجابي خدماتي داخل المناطق المحررة، بل دأب محتكري الشرعية على تقاسم موارد الدولة ومؤسساتها ووظائفها العامة بشكل حزبي وشخصي وعائلي لم تعرفه حتى حقبة حكم صالح.
اضافة الى ذلك ان الشرعية اليمنية تورطت في دعم الجماعات الارهابية وتجنيد عناصر الارهاب وقياداتهم في معسكراتها لتصبح جماعات الارهاب جماعات " مشرعنة " تحت اسم الشرعية.
هكذا يتضح لنا الفرق بين قوة وطنية مسؤولة تعمل جنب الى جنب مع التحالف العربي وبين فساد الشرعية الذي يبحث عن الاخرين كي يخوضوا عنه معاركه بل و يظهر فجوره السياسي مع الحلفاء قبل الخصوم في حال رأى اي تهديد لمصالحه الخاصة وليس مصالح الناس العامة.
و من هنا يجد الحوثي قوته ويستمد عناصر بقاءه.. خاصة مع عدم إنهاء نفوذ اخوان اليمن حزب الاصلاح او تحييدهم عن المشهد لم يحملوه من توجه يخدم الحوثي وإيران ضمن تحالف استراتيجي واستخباراتي مع قطر وتركيا.