بين ماضٍ مشرف ومستقبل مأمول..جمعية ردفان.. أيقونة السلام ومنطلق التصالح والتسامح الجنوبي

بين ماضٍ مشرف ومستقبل مأمول..جمعية ردفان.. أيقونة السلام ومنطلق التصالح والتسامح الجنوبي

بين ماضٍ مشرف ومستقبل مأمول..جمعية ردفان.. أيقونة السلام ومنطلق التصالح والتسامح الجنوبي
2020-02-02 14:23:44
صوت المقاومة/تقرير-ابراهيم البشيري
"ردفان" التي تحميها سواعد أبنائها وتحطم ثلوج المؤامرات على صخورها الصماء، وتعتليها قيم الأخوّة كجبالها الشاهقة التي باتت رمزاً تخلده سجلات التاريخ، ومنها اشتعل بركان ثورة الرابع عشر من أكتوبر الذي حطم أغلال الاستعمار البريطاني بعنفوان "راجح غالب لبوزة" الذي استشهد مع مغيب شمس يوم الثورة، ورفاقه الأبطال الذين واصلوا النضال، ومع حمم البراكين المتطايرة التحمت أبين وشبوة وعدن والضالع وحضرموت والمهرة لاقتلاع التاج البريطاني أواخر العام 67م وإعلان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي حفظت حقوق الإنسان لسنوات من الدهر بالنهضة والرقي والازدهار والبناء. 
وما أن نزغ الشيطان بين صفوف قيادة الدولة الجنوبية بتفجير أحداث 13 يناير الدامية من العام 1986م والتي استغلتها قوى الشمال فيما بعد لإحاكة مخطط الوحدة التي وقعت في 1990م لنهب مقدرات دولة الجنوب وتدمير مؤسساتها ومكتسباتها بشكل ممنهج، ومن صلب صمود أبناء ردفان ومعاناتهم وشظف العيش، ولدت الأفكار المؤدية إلى التصالح والتسامح التي حملت رايته "جمعية ردفان الخيرية" في 13 يناير من العام 2006م لدفن مآسي الماضي في غياهب النسيان ولملمة النسيج الاجتماعي وتوحيد صفوف الجنوب وإرساء روح التسامح والوئام لتشكيل نواة الحراك الجنوبي للانتفاضة ضد نظام صنعاء والوقوف في وجه الطاغوت، بعد سنوات عجاف من القهر والظلم والإذلال التي مارسها المحتل بحق الشعب الجنوبي.
ولادة جمعية ردفان 
لم تولد جمعية ردفان محاطة بالرفاهية والرخاء، بل نشأت في ظروف أفرزتها مرارة الظلم والحرمان والتهميش التي كرسها الاحتلال اليمني بعد حرب صيف 94م على أرض الجنوب التي أحرقت مشاتل الورد وزرعت خناجر الحقد في جسد الجنوب، دشنت ذلك بعزل الآلاف من العسكريين والمدنيين من وظائفهم، وشردت العزل، وخلفت مأساة لا زال يعاني منها شعب الجنوب حتى اليوم.
صحيفة "صوت المقاومة الجنوبية" أجرت لقاءً خاصًا بالعميد/ محمد صالح المشرقي، نائب رئيس الرقابة والتفتيش في جمعية ردفان وأحد مؤسسيها الذين برزوا بشكل كبير، ويعد شخصية ثورية لها باع نضالي عريق ومواقف مشرفة، تعرض إثرها لتعسفات واعتقالات واستهدافات عدة، لكن ذلك لم يزيده سوى إيمانًا بالمبدأ وثباتًا على الهدف. 
وللكشف عن تفاصيل تأسيس الجمعية وأنشطتها ودورها الفاعل يقول المشرقي: "إن الظلم والاستبداد الذي مارسه نظام عفاش بحق الشعب دفعنا إلى تحديد موقف مناهض وإيجاد معسكر سلمي مجتمعي ينصر المظلومين ويتضامن معهم بالسبل المشروعة، ومن هنا ولدت فكرة إنشاء جمعية ردفان الخيرية، ليتم التحضير لها بجهود ذاتية وعقد الاجتماع التأسيسي للجمعية يوم 11 من ديسمبر 2000م في معهد د. أمين ناشر. وانبثقت عنه قيادة الجمعية المكونة من هيئة إدارية وهيئة رقابة وتفتيش وانتخب حينها المهندس محمد محسن بالإجماع رئيساً للجمعية".َ
ويضيف المشرقي: "تأسست جمعية ردفان بعد سته أعوام من الاحتلال الشمالي والتغطرس ضد أبناء الجنوب، وخلال ذلك افتتح مقرها الواقع في عمارة باحريش بمديرية المنصورة ومنحت تصريح مزاولة العمل وفق قانون الشؤون الاجتماعية والعمل كجمعية خيرية اجتماعية تنموية".
مواقف مشرفة لجمعية ردفان
جاءت الجمعية تحمل روح التضامن والسلام، وكانت بمثابة الملاك المنقذ للمظلومين، والململم لشتات الأخوّة، وتكن في مبادئها الخير والسلام للجنوب كله. 
وفي هذا السياق أوضح المشرقي "أن للجمعية دورًا مجتمعيًا وخدماتيًا بناءً بين أوساط أبناء ردفان الساكنين بعدن، والمجتمع بشكل عام، ومن أبرز النشاطات التي اضطلعت بها الجمعية وغضت مضاجع السلطات، هي الدعوة التي وجهتها لكل الجمعيات ونشطاء منظمات المجتمع المدني بعدن للتضامن مع ابننا الجندي (القعقوع) الذي تعرض للسحل من قبل أحد ضباط النظام في مأرب، ما أثار سخطًا واستنكارًا عامًا حيال هذه الجريمة الشنعاء، ولاقت تلك الدعوة تضامن قرابة 25 جمعية من كل محافظات الجنوب للتنديد بتلك الجريمة على مدى أسبوعين متتاليين في مقر جمعية ردفان بعدن، حتى رضخت السلطات وقامت بتسليم الجاني للنيابة العسكرية ليأخذ القانون مجراه. وأدت الضغوط أيضاً إلى تقديم الاعتذار الرسمي ورد الاعتبار للمجني عليه وأسرته وتم حل المشكلة".
وضمن أعمال الجمعية يقول المشرقي: "تم أيضاً التضامن مع محمد فريد - مستشار وزير الدفاع - الذي تعرض ابنه للاغتيال في مزرعته الخاصة بلحج ظلماً وعدواناً من قبل بلاطجة معسكر القاضي". ويكمل: "من ضمن المواقف المشرفة للجمعية الوقوف إلى جانب العميد محمد "محسن العيسائي" الذي لفقت بحقه جريمة قتل من قبل نظام عفاش بعد الاعتداء على الأرضية الخاصة به وقام فريق من الجمعية مكون من عدة محامين بكشف الحقيقية وإثبات براءة "العيسائي" بالأدلة والبراهين. وكان للجمعية أيضاً عدة وقفات وأعمال إلى جانب دورها الخيري في مساعدة المحتاجين والطلاب والأسر الفقيرة وغيرها".
سفينة التصالح والتسامح الجنوبي
على الرغم من الدور الاجتماعي والخيري للجمعية إلا أن مؤسسيها أبوا إلا أن يسارعوا للم الشمل بين أبناء الجنوب وإطلاق أول إرهاصات التصالح والتسامح الجنوبي - الجنوبي. 
حيث ظل نظام عفاش ينكئ جراح أبناء الجنوب ويذكرهم بالماضي ويثير النعرات بين أوساطهم، ليشغلهم عن قضيتهم الأم، ويظل جاثمًا على أرضهم، وهذا ما أدركه العقلاء من أبناء الجنوب الذين عزموا على طيّ صفحة الماضي وبناء صفحة جديدة ومشرقة من السلام والوئام. 
وفي هذا الإطار يقول المشرقي: "خلال اللقاء السنوي للجمعية الذي تزامن مع الذكرى العشرين لأحداث يناير الدامية أطلقت جمعية ردفان دعوة للتصالح والتسامح بين أبناء الجنوب بمختلف مناطقهم وشرائحهم ومكوناتهم، وكان هناك ترحيب واسع بهذه الدعوة من قبل عدد كبير من أبناء الجنوب من مختلف مكونات المجتمع، ولاقت الدعوة تفاعلًا إيجابيًا منقطع النظير، وأكثر مما كنا نتوقع، ليضع أبناء الجنوب أول لبنة وأساس للتصالح والتسامح الجنوبي وفتح صفحة جديدة فيما بينهم". 
وأضاف قائلاً: "التصالح والتسامح يهدد مصالح نظام عفاش، وأدت الدعوة لذلك اللقاء لإغاظة مضاجعه، حيث سارع في نفس يوم الدعوة لإصدار توجيهات إلى الشؤون الاجتماعية تقضي بإغلاق مقر الجمعية ومصادرة ممتلكاتها، وإخراج الطلاب من مقرها وتجميد نشاطها". وبنبرة ضاحكة معبرة عن الانتصار يروي المشرقي قائلاً: "في اليوم الثالث قامت قوات النظام باعتقالي من مقر عملي واقتيادي إلى السجن وظللت رهن الاعتقال لمدة شهر وثمانية عشر يوماً وتم إيقاف مرتبي لثلاثة أشهر بتهمة الدعوة للتصالح والتسامح".
وأكمل بالقول: "تم تقديم الجمعية للنيابة العامة وبعد ذاك انتصرت النيابة بقيادة "نبيل جوبح" لصالح الجمعية بعد التحقيق مع قياداتها، وأكدت النيابة أن لا وجه لإقامة الدعوة لعدم ثبوت الأدلة، إلا أنه تم استمرار إيقاف الجمعية وفق دوافع سياسية وليست قانونية".
وثمّن المشرقي دور صحيفة الأيام أثناء المحنة التي مرت بها الجمعية، وكذا تغطيتها الأحداث المختلفة في الجنوب، وإرسال صرخاتنا الثورية، والتي قال إنها كانت بمثابة مرآة تنقل معاناة الناس وتناصر القضايا العادلة وتصد الظلم بأشكاله. وتعرضت الصحيفة جراء ذلك لأسوأ أعمال التنكيل المختلفة بسبب مواقفها في مناصرة قضايا شعب الجنوب والتي وصلت حد إغلاقها.
وبذلك اللقاء التاريخي ركب أبناء الجنوب من سقطرى شرقاً إلى باب المندب غرباً في سفينة التصالح والتسامح، لترك خلافات الأمس وتجسيد القيم النبيلة التي يخشاها نظام صنعاء لشعوره باهتزاز عرشه، لرؤية قافلة الجنوب تسير إلى الأمام، كريح تتجه إلى الأمام لتعصف بنظامه، أو كماء يتفجر من شقوق الأرض إلى الأعلى ليغرق نظام الاحتلال برمته.
وكان مشروع التصالح والتسامح بمثابة اليد الحانية التي طبطبت على جراح الأخوة وأسست لعهد جديد بين أبناء الجنوب، ومنه انطلق المارد الجنوبي بثورته التحررية.
انطلاق المارد الجنوبي
كل تلك الاستفزازات والأعمال الهستيرية التي قام بها نظام صنعاء لم تثني أبناء الجنوب عن مواصلة مشوار التصالح والتسامح الجنوبي بكل الوسائل والطرق حتى بات واقعاً ملموساً على الأرض، ومنه تحقق للجنوب ما تحقق وباتت قضيته محورية لا يستطع أحد تجاوزها أو تجاهلها.
وفي هذا السياق يقول المشرقي: "التصالح والتسامح الجنوبي شكّل الأساس المتين لانطلاق الحركة الوطنية الجنوبية الحراك الجنوبي، وقدم أبناء الجنوب تضحيات جسام طوال سنين النضال السلمي، وأوصلوا رسالتهم للعالم بكل وضوح، بصدورهم العارية وإرادتهم الفولاذية، وهو ما أوجد إيمانًا حقيقيًا بالقضية وكان لذلك الدور الأبرز في ظهور المقاومة الجنوبية في مقاومة الاحتلال الشمالي للجنوب مطلّع العام 2015م".
ويكمل قائلاً: "كان الأثر الإيجابي للتصالح والتسامح يظهر واضح المعالم في تضافر أبناء الجنوب وتماسكهم ووقوفهم جنباً إلى جنب لمقاومة الاحتلال الحوثي عفاشي بجسد واحد وهدف واحد".
وبانتصار الجنوب في الحرب انتصرت قيم وثقافة التصالح والتسامح والتضامن وتعززت اللحمة الجنوبية على كامل التراب الوطني.
عودة نشاط جمعية ردفان 
بعد إيقاف قسري دام 14 عاماً استأنفت جمعية ردفان الخيرية الاجتماعية نشاطها يوم الـ 13 يناير من العام الجاري، بلقاء موسع عقده أعضاء هيئات الجمعية، بحضور موسع لقيادات عسكرية وأمنية وسياسية رفيعة المستوى وشخصيات أكاديمية واجتماعية وقبلية من مختلف المحافظات الجنوبية، وممثلي منظمات المجتمع المدني للتأكيد على إعادة نشاط الجمعية بشكل عام، والتأكيد على المضي تحت راية "التصالح والتسامح" لتجاوز المنعطف الخطير، وإفشال مساع إعادة الجنوب إلى نقطة الصفر، لا سيما بعدما بدأت خيوط شمس الدولة الجنوبية تشرق بصباح الجنوب.
وفي كلمته التي ألقاها أثناء لقاء إعادة تدشين عملها، قال رئيس جمعية ردفان الخيرية الاجتماعية المهندس/ محمد محسن: "إنه باستئناف عمل الجمعية بعد 14 عاماً من إغلاقها القسري لتبنيها للقاء التصالح والتسامح الجنوبي، نظل نتذكر ما تمخض عن ذلك اللقاء بتحويل اليوم الأسود البغيض إلى يوم للتصالح والتسامح وفتح صفحة من الأمل لغد جميل خالٍ من الحقد والكراهية:".
وأكد المهندس "محمد" على تمسك الجمعية بمبدأ التصالح والتسامح الجنوبي واحتضان الجمعية لأي لقاءات جنوبية لتعزيز الجبهة الداخلية ونبذ المناطقية والتفرقة وخلق أجواء مناسبة للحوار ذات البين لدعم قضية الجنوب على كل المستويات.
وكان العميد محمد صالح المشرقي تحدث أثناء لقائنا به عن خطة الجمعية خلال الفترة المقبلة بالقول: "الجمعية لديها خطة عمل لتنشيط مبدأ التصالح والتسامح من خلال تشكيل مجلس تنسيقي أعلى تكون عناصره من كل محافظات الجنوب، ونحن بصدد تكوينه بالتشاور مع كل الجمعيات والهيئات الفاعلة ومنظمات المجتمع المدني في كل المحافظات الجنوبية، ولدينا في الجمعية الكثير من الهواجس سنجتمع قريباً ونناقشها بإذن الله تعالى".
.