صوت المقاومة الجنوبية-إبراهيم البشيري
إطالة أمد الحرب يزرع بذور اليأس في عقول الطلاب، ويغرس أشواك الإحباط، ويصيبهم بذعر مخاوف شبح المستقبل، وتجعل تطلعاتهم ضبابية، ونظراتهم تشاؤمية، نتيجة الوضع الحرج الذي يعصف بالبلاد.
ففي عدن - العاصمة الاقتصادية - تضم أكثر من 15 كليةً ومعهدًا، يتدفق إليها الآلاف من الشباب كل عام من مختلف المحافظات اليمنية للالتحاق بكلياتها المتنوعة ومعاهدها المختلفة، لطلب العلم والمعرفة، آملين الحصول على شهادات تمكنهم من العمل وتجعل منهم شباباً مؤهلين للتوظيف، ودخول مرحلة جديدة، وهي الانتقال من الحياة العلمية إلى الحياة العملية، حتى يحقق كل فرد حلمه التخصصي وطموحه العلمي الذي رسمه منذ لطفولة.
الجهاد لطلب العلم
في بلادٍ أنهكتها ويلات الحرب يتخرج المئات من الأكاديميين من بوابات الكليات والمعاهد المتخلفة، يمضون بأحلامهم وسط ركام الحرب بلا روح، يحاولون تخطي حطام اليأس بأحلامهم التي ما تلبث أن تذبح على قارعة الصراع المتجدد بلا هوادة.
علي محمود، أحد طلاب قسم التمريض في كلية الطب، وهو من خارج محافظة عدن، يروي قصص الكفاح التي يعيشها، ويسرد المعاناة القاسية وكيف يواجه الواقع الكارثي قائلاً: "إننا ضحايا حرب ضارية، فمع ارتفاع إيجار العقارات والمنازل في عدن بشكل عام والمساكن الطلابية بشكل خاص اضطر أحيانا إلى التنقل بين المباني المهجورة، واللجوء بشكل مؤقت إلى بعض الأقارب في محلاتهم أو منازلهم وحتى في المعسكرات".
وبابتسامة عريضة قاهرة للظروف يتابع "علي": "إن نفقات المواصلات تصل إلى أكثر من.20 ألف ريال شهرياً، فنستغل المطبات والأماكن المزدحمة لكي نتعبر مع السيارات المفتوحة كالهيلوكسات والشاصات لتوفير هذه النفقات".
ويستطرد: "تكاليف الأكل والشرب ومستلزمات الدراسة، تحتاج مالا يقل عن 60 ألف ريال شهرياً وهذا كابوس يؤرق آباؤنا الذين يعتمدون على المعاش المأسور الذي لا يتجاوز 90 ألف، الأمر الذي يجعلني أفكر بالتخلي عن الدراسة والذهاب للبحث عن أعمال أو الذهاب إلى التجنيد".
تعفف "محمود" في قهر ضيق العيش، أنموذج بسيط للكثير من الطلاب الذين لا ندري عن أوضاعهم أي شيء ونكتشف ذلك مصادفة. فما هو المستقبل الذي ينتظرهم؟
يأس وإحباط
بعد بضع سنوات من الكفاح والمعاناة، والجد والاجتهاد والسهر وتكريس الطالب جل وقته في القراءة والبحث والاطلاع، تأتي محطات الاحتفال بالتخرج، ويبدأ الخريجون توثيق تخرجهم بالصور الفوتوغرافية والتعابير الرمزية، ودائماً ما ترتبط بالإنجاز والبهجة، فتمتزج مشاعر فرح التخرج بمشاعر الإحباط واليأس بمجرد ذكر المستقبل.
خريجو العالم يتوجهون إلى سوق العمل، فإلى أين يذهب خريجو بلادنا؟
سعينا لمعرفة مصير بعض الطلاب بعد تخرجهم، ووجدنا "عبدالعزيز شائف" الذي مضى على تخرجه سنتين دون أن يجد عمل حتى اللحظة قائلاً: "لو كنت التحقت في أي معسكر سأحصل على راتب من التحالف وراتب آخر من الشرعية، وبعد أربع سنوات كنت قد عمرت بيتاً وتزوجت واشتريت سيارة".
تذمر الخريجين يعطي دليلاً على مدى التدهور الكبير الذي تشهده البلاد في الفترة الحالية، كما أنها تبرز دور الحرب في مستقبل الأجيال القادمة في بلد يحتل المرتبة الثانية للأمية العالمية وفقاً لدراسة أجرتها اليونسكو في عام 2015.
خيارات صعبة
في الوقت الذي يكون فيه هناك الآلاف من الطلاب مهددون بالتسرب نتيجة الظروف الاقتصادية من غلاء الأسعار وتدهور العملة المحلية، يكون هناك طلاب آخرون أمام خيارات صعبة.
خياران لا ثالث لهما أمام الطلاب الخريجين، الأول هو الالتحاق بالسلك العسكري، حيث تجد نفسك مع من ترك دراسته وهو في الابتدائية ولا يعرف من الحياة إلا السلاح والقتال، وهو الخيار الأهون.. هكذا علق الخريج "ناصر عبدالكريم" الذي التحق باللواء الأول دعم وإسناد بعد تخرجه مباشرة من قسم الهندسة الإنشائية، والذي أنقذته العناية الإلهية من موت محقق أثناء العملية الإرهابية التي استهدفت معسكر الجلاء وراح ضحيتها العشرات من الجنود وعلى رأسهم العميد "منير أبو اليمامة"
ويضيف: "إن الخيار الثاني هو أن تبقى عالة على أهلك ومجتمعك بعد التعقيدات النفسية والجلوس في المنزل عاطلًا عن العمل".
ناصر واحد من بين الآلاف الذين تخلوا عن آمال الحصول على وظائف تتناسب مع تخصصاتهم، مقابل توفير لقمة العيش الكريمة ولو تطلب الموت في الجبهات أو المعسكرات.
بارقة أمل
فيما يرى طلاب آخرون بأنه لا يمكن التضحية بسنوات الدراسة وعدم الاستسلام لمشاعر الإحباط واليأس والتذمر بل مواصلة المشوار العلمي المنشود حتى نيل أعلى الشهادات العليا. وفي ذلك يقول الخريج من قسم الإعلام بكلية الآداب جامعة عدن "صالح شنظور": "لازلت في بداية الطريق رغم تخرجي بشهادة البكلاريوس وأنوي مواصلة الدراسة وتحضير الماجستير ومن ثم الدكتوراة خارج حدود اليمن".
أما زميل صالح الخريج "عبدالله بارحمة" فيتحدث بكل ثقة: "علينا ألا نستسلم للظروف وأن نتسلح بالأمل في رحلة الحياة رغم أننا ننصدم أحيانا بالواقع البائس فنجد صعوبة بالغة في إيجاد الوظيفة المناسبة التي كنا نحلم بها، وذلك في ظل سيطرة الواسطة والمحسوبية على التوظيف في الدوائر الرسمية وغير الرسمية".
وبلكنة بارقة بالأمل يواصل "بارحمة": "هذا لا يعني الرضوخ لهذا الوضع، بل علينا أن نسعى إلى العمل الخاص فهو أكثر بركة وأكثر حرية بعكس الوظيفة التي تتسم بالعبودية".
وفي الجانب الآخر أبناء وزراء وقادة ومدراء تقلدوا مناصب عليا أمثال هاشم المقدشي نجل وزير دفاع الشرعية وظهوره على سيارة رولز رايس 2019 تصل قيمتها لمليون ريال سعودي، وآخرون تقلدوا مناصب في السفارات والقنصليات والوزارات الحكومية".
خاتمة
ومع تخرج الآلاف من الطلاب والطالبات كل عام من الجامعات وغياب فرص العمل وتوقف منح الوظائف لأكثر من 6 سنوات، ووصول الاقتصاد إلى الدرك الأسفل، وقلة الشركات بسبب الركود الاقتصادي وتراكم الخسائر.
من سينقذ الخريجين من قادم الأيام المجهولة وينتشلهم من الضياع؟ ومن سيستثمر طاقاتهم في التنمية والنهوض بالوطن؛ بدلاً من تحويلهم إلى مشاريع للموت والدمار؟!