الذكرى الـ(56) لثورة 14 أكتوبر المجيدة.. حنين إلى الماضي الجميل وتطلعات نحو مستقبل مزدهر

الذكرى الـ(56) لثورة 14 أكتوبر المجيدة.. حنين إلى الماضي الجميل وتطلعات نحو مستقبل مزدهر

الذكرى الـ(56) لثورة 14 أكتوبر المجيدة.. حنين إلى الماضي الجميل وتطلعات نحو مستقبل مزدهر
2019-10-20 13:04:20
صوت المقاومة-خاص
صوت المقاومة الجنوبية-إبراهيم البشيري
مضى أكثر من نصف قرن منذ أن انفجر بركان الغضب الجنوبي، والذي ظل لأكثر من 139عاما مكبوتاً في قلوب الآباء والأجداد تحت وطأة الصلف البريطاني المستعمر، حتى رأى ثغرة للنور ومر منها المارد الجنوبي إلى الحرية مفجراً براكين ذلك الغضب من شوامخ جبال ردفان الشماء، رمز الثورة وقبلة الأحرار عبر التاريخ.
وما أن صنعت ثورة الرابع عشرة من أكتوبر من العام 1963م فجر الحرية والاستقلال والتي كللت بقلع التاج البريطاني من الجنوب العربي في 30 نوفمبر من العام 1967م اتجه الثوار لإعادة بناء الخلل في الإنسان والأرض والذي خلفته حقبة الاستعمار، لتأتي سنوات ما بعد الثورة والتي تمكن خلالها الإنسان الجنوبي، أن يصنع لنفسه وجوداً وسط هذا العالم وأجاد بناء دولته الفتية على بساط الأرض التي حررها للتو من دنس الغزاة والمستعمرين.
عهد جديد
انتصرت الثورة الأكتوبرية وكانت نهاية لعصور الظلام وبداية بزوغ عصر جديد، وانتقل صناعها لثورة بناء الدولة لتتوحد لأول مرة في التاريخ سلطنات وبلدات جنوب العرب في دولة واحدة.
وقد حملت الدولة في طياتها النهضة والتنمية وتقديس حقوق الإنسان، حيث شهدت الدولة الجنوبية اهتماما كبيرا في المجالات التعليمية، والصحية، والاقتصادية، فقد كان التعليم في عدن ودولة الجنوب بشكل عام يعد ثورة بذاتها، حيث كان التعليم مجانياً في كافة المراحل يتم دفع ثمنه عن طريق النظام الضريبي العام، وشكل التعليم ثورة على الموروث الاجتماعي، خصوصًا في مجال تعليم الفتاة، حيث تخرجت أول قاضية وأول مذيعة على مستوى الخليج.
وفي عام 1985 صنفت منظمة اليونسكو الجمهورية الديمقراطية الشعبية في (الجنوب العربي) بأنها تحتل المركز الأول من حيث التعليم بين الدول العربية، وأن نسبة الأمية 2%.
كما أعلنت اليونسكو خلوّ عدن من الأمراض المدارية المعدية، وأنها رابع عاصمة من حيث النظافة والنظام.
وكذلك كان القطاع الصحي قبل الوحدة يقدم هو الآخر خدماته المجانية للإنسان في الجنوب.
رغم مرور دولة الجنوب الفتية بمنعطفات تاريخية ورغم مآسي بعض جزئيات مسيرتها، إلا أنها أظهرت رغبة الإنسان الجنوبي في صناعة التاريخ وتمثل ذلك في النهضة وتطور الخدمات التعليمية والصحية والفنية وغيرها.. وصارت لحياة الناس في بلدات الجنوب معنى وقيمة، وأصبحت الدولة الوليدة "الجمهورية الجنوبية الشعبية" رمزاً للإنسان وعنواناً للأرض.
تميز وبساطة
تميزت جمهورية اليمن الجنوبية بالبساطة الاجتماعية بين قيادة الدولة ومجتمعها، فلم يكن هناك من حجاب بينهم فقد كان بإمكان الإنسان العدني البسيط أن يلتقي وزير الدفاع "علي عنتر" في حواري وأزقة كريتر، أو أن يتناول آخر الشاي مع الرئيس "سالمين" في مقهاية زكو.
العقيد"ع ا ح" وهو أحد ضباط أمن الدولة سابقاً يقول: "مطلع ثمانينات القرن الماضي ابتعثنا للدراسة في الاتحاد السوفيتي وكان ضمن دفعتي نايف ابن البيض رئيس الدولة حينها، وجهاد علي عنتر ونصر علي شائع وكنا معاً في نفس "العزبة" بدون تمايز طبقي أو قبلي أو مناطقي". 
ويضيف: "كنا نلتقي بطلاب من العربية اليمنية وكانوا لا يصدقون بأن هؤلاء الطلاب أبناء قيادة الدولة!".
وأصبح العقيد يعتكف حالياً في بيته ويرعى أغنامه بعد أن أصبح ضمن الآلاف من المسرحين عن وظائفهم من كوادر وضباط الجنوب بعد سيطرة دولة عفاش على الجنوب.
هذا التراتب كان مثالاً لروح الود والانتماء الواحد بين المجتمع الجنوبي دون استعلاء، والذي تعايش فيه الجميع كاسرة واحدة، الأم صيرة والأب جبل شمسان.
شياطين صنعاء
البساطة، والتلقائية، والعاطفة، طبيعة وعنوان المجتمع الجنوبي، وهذا ما استغله شياطين صنعاء عندما مكنهم ذلك من استدراج الجنوب ونخبه السياسية إلى مستنقع الوحدة المشؤومة، والانقضاض بعدها على أرضه وثرواته دون مقابل وتمهيداً لذلك استخدموا الغوص بخبث في عمق القرار الجنوبي بدس بعض شخصيات الشمال وأولهم عبدالفتاح إسماعيل ومحسن الشرجبي، واستغلالاً لعاطفة وبساطة المجتمع جنوباً وصلت شياطين صنعاء إلى هرم السلطة في 22 مايو من العام 1994م تحت مسمى الوحدة اليمنية.
وقد ظهرت خيوط المؤامرات الشمالية عقب الوحدة مباشرة بتفكيك الجيش الجنوبي، من خلال تشريد أكثر من 20 ألف جندي وضابط، وإحالة 80 ألف عامل إداري عن الخدمة، وضم البعض تحت قيادة ذات لون سياسي واحد، تهيمن عليه أغلبية قبلية ومناطقية تدين بالولاء للرئيس صالح وأقاربه. 
لكن خبث نوايا الشمال، لم يعلمهم بأن العاطفة سلاح فتاك سيتعب من يتبعه، وهذا ما تجلى بعدها بسنوات، حين عادت أنفاس ثورة أكتوبر الأجداد إلى روح الأبناء بنفس العنفوان والرغبة ابتداءً من عام 2007 م وحتى اليوم، وحينها لم يبقَ أمام قوى صنعاء ونخبها إلا الخروج الذليل بدون وجه حق، ولا كرامة بعد أن استكبرت الرحيل حين نهبت عدن وحضرموت وشبوة وأقصت الضالع وأبين ولحج، فتحولت أصوات أولئك البسطاء والعاطفيين إلى لهب يحرق أجساد عصابات صنعاء، ويشوي كبرياء الحوثي في تخوم الضالع وأبين، ويسحقون عساكره في الحديدة.
الحنين للماضي الجميل
العودة للذكرى الـ 56 من ثورة 14 أكتوبر المجيدة تشعل في الوجدان الحنين لزمن دولة الجنوب، الحنين للتجول في شوارع عدن دون مصادفة أصحاب الزنة وأنجاس الشمة وسرقة الأحذية، يغرقنا الحنين لسماع أحمد بن أحمد قاسم ومحمد سعد عبدالله والعزاني عبر إذاعة عدن بعد أن أنهكتنا وعطلت مشاعرنا في زمن وحدتهم نباح علي عنبه وأغنية انحطاط العشجي يشتي خنزره.
فهل يا ترى يستطيع أبناء وأحفاد أكتوبر إعادة دولة الجنوب العربي في ظل العواصف التي تضرب منطقة الشرق الأوسط؟