صوت المقاومة الجنوبية:خاص_ إبراهيم البشيري
تستمد عدن عذوبهتا من البحر الذي يحيط بها، ومن رونق شوارعها الضيقة، فهي تبدو "بنتًا فاتنة" وما يزيد حسنها على خدها ثرواتها التراثية من المعالم الأثرية والتاريخية، التي تمتد في أعماق التاريخ، لطالما كان الأثر رمزًا لها عبر التاريخ.
معالم أثرية كثيرة وشواهد حيوية جعلت مدينة عدن أم الدنيا بدلاً من مصر - حد تعبير ساكنيها - وتعد عدن عاصمة الجزيرة، تعددت فيها الأنشطة بين الثقافية والسمكية والاقتصادية والتجارية والسياحة؛ لكن الإهمال الحكومي وغياب الجهات المعنية جعلها ثروة مدفونة في مقبرة الإهمال، ومقيدة بحبال النسيان.
*المتحف الحربي.. تاريخ عريق*
يعود تاريخ المتحف الحربي إلى العام 1918م؛ حيث كان مدرسة للتعليم الابتدائي (بالإنجليزية) وبعد الاستقلال عن بريطانيا وفي 22 مايو 1971 جرى تحويله إلى متحف مخصص للتراث العسكري اليمني بناءً على القرار الصادر عن الرئيس سالم ربيع علي آنذاك وكان يتألف من 7 صالات.
جرت عملية ترميم له وتجهيزه عام 1998 ليفتتح مرة أخرى في 2001م وقسم إلى أربعة أجنحة، كل جناح ضم عدة قاعات. جرت مؤخرا عملية إعادة تأهيل لهذا المتحف في أكتوبر 2007م. وصل عدد زوار المتحف خلال العام 2007 إلى 2008 حوالي سبعة عشر ألف زائر يمني ومائتي سائح أجنبي، كما ارتفع هذا العدد إلى حوالي 27800 سائح خلال العام .2009
أبرز مقتنيات المتحف هي الأسلحة القديمة وصور الثوار ومعروضات عن تاريخ اليمن العسكري ومراحل التطوير الحديث الذي شهدتها القوات المسلحة اليمنية. كما تحتوي معروضاته على صور وأعمال يدوية صنعها الإنسان من الحجارة قبل 6 آلاف عام قبل الميلاد.
*حرب ضروس لم ترحم الحجر*
بعد الحرب الأخيرة التي شنتها عصابات صنعاء جعلت من المتحف مرمى للضربات العسكرية، فقد طالت القذائف الهمجية المتحف،
ويعد التعدي على المعالم الأثرية جرائم حرب حسب القانون الدولي.
فقد تضرر المتحف بأضرار جسيمة، الأمر الذي أدى إلى إغلاقه، ونصب في مدخله الرئيسي جداراً، يكاد يذرف دموعاً على ما أصابه من الدمار والخراب.
*صهاريج عدن.. إرث خلّفه الأجد وأهمله الأحفاد*
تقع صهاريج الطويلة بوادي الطويلة، وهي واقعة أسفل مصبات هضبة عَدَن المرتفعة حوالي800 قدم، وتصل الصهاريج بعضها ببعض بشكل سلسلة، وتقوم بحجز المياه المنحدرة من الهضبة من خلال شبكات المصارف والسدود والقنوات.
تتوالى القرون وصهاريج عدن صامدة أمام قسوة الطبيعة وشاهدة على عظم ما أنجزه الإنسان.
*صهاريج عدن.. بين إهمال المسؤولين وغياب وعي المواطنين*
الصحافي علاء السلال تحدث بمرارة عن الواقع المزري الذي وصلت إليه صهاريج عدن قائلا: "أحزنني كثيرا رؤية صهاريج عدن بهذا الحال فالإهمال بدا واضحا للوهلة الأولى لدخولي إلى هذا المكان، فالأشجار مهترئة، والقمامة في كل الزوايا!".
ويضيف: "ما صدمني وأفجعني هو رؤية منازل عشوائية قد امتدت إلى حرم الصهاريج!".
*دولة غائبة وجهات الاختصاص في سبات عميق*
"هنا غابت الدولة، حيث يجب أن تكون حاضرة، فصهاريج عدن إرث تاريخي نفتخر به ويجب أن نحميه من العابثين، ومن لا ماضي له لا حاضر له".. هكذا علق الصحافي علاء السلال.
متسائلا: أين الجهات المختصة مما تمر به معالمنا الآن؟ وأين حرصنا على أهم الواجهات السياحية لعدن؟ مستغربا من اللامبالاة التي يتعامل بها المسؤولون من معالم عدن التاريخية!.
*رسائل ومطالبات*
عبدالواحد مقبل أحد طلاب الآثار بعدن يقول: "أطالب الجهات المختصة أن يهتموا بمعالم عدن فهذا التاريخ العريق يجب أن يحفظ من العبث ويصان من الإهمال".
مشددا على تنشيط دور السياحة في عدن، مطالبا المسؤولين بتخصيص القليل من أوقاتهم لمعالم عدن التي تعاني إهمالا متعمدا من الجميع.
ويضيف: "لو أن صهاريج عدن بدولة أخرى لوجدناها تعج بالسياح من كل أنحاء العالم بمعنى أنهم سيهتمون بها ولن يهملوها مثلما أهملناها نحن في وقتنا الحاضر"
*المجلس التشريعي شاهد آخر على الإهمال*
ليس ببعيد عن صهاريج عدن حيث يبرز أمامنا المجلس التشريعي أو ما كان يسمى بكنيسة القديسة ماريا شامخا وشاهدا على انفتاح عدن على الأديان والحضارات الأخرى.
بني في العام ١٨٧١م ليكون كنيسة ثم تحول في العام ١٩٧٤م إلى مقر المجلس التشريعي الأول في الجزيرة العربية ويعد من الواجهات السياحية لمدينة عدن التي أضحى الاهتمام بها في خبر كان!.
*مواطنون متذمرون*
الأستاذ نائف العلياني، أحد ساكني مدينة عدن، يقول : "يعاني هذا المعلم من الإهمال، حيث لم يعد قبلة للسياح ومن النادر أن تجد زائرا يأتي إلى هنا مثلما كان في السابق".
ويضيف: "إن هذه الأماكن تمثل وجه عدن التاريخي الجميل والاهتمام بها هو اهتمام بعدن وليس من المقبول أن نترك آثار مدينتنا تندثر تحت ركام الإهمال".
الأستاذ نائف يدعو الجهات المختصة إلى أن تحمل على عاتقها مسؤولية الإسراع في ترميم المجلس التشريعي، وتحفيز الشباب لزيارته من خلال إقامة رحلات ترفيهية إلى هذا المكان وتعريف الشباب بأهمية مثل هذه المعالم والسعي إلى خلق علاقة شغف بين المواطن وبين معالم بلده.
*قلعة صيرة العسكرية*
يعود تاريخ القلعة إلى القرن الحادي عشر، وهي موقع عسكري تقع على جزيرة صخرية بركانية بالقرب من ميناء عدن القديم، وقد ثبتت القلعة خلال هجمات لاحقة ضد عدن من قبل البرتغاليين والأتراك والبريطانيين، ولعبت القلعة دوراً دفاعياً في حياة عدن، وصارت رمزاً للصمود أمام هجمات الغزاة والطامعين.
محمود مثنى، صاحب أعمال حرة، يقول: "في كل البلدان يتم إعطاء الأماكن التاريخية مكانة خاصة وتصبح مكانًا للسياح والزوار.. إن ما تتعرض له قلعة صيّرة لا يسر أي شخص عاقل ويعرف قيمة التاريخ".
ويضيف: "إن قلعه صيّرة تتعرض للغزو العمراني.. إنها تتعرض للإهمال؛ بل طال الأمر حد التخريب!.. إنهم يدمرون الجبل بكامله التي القلعة قائمة عليه.. الزحف والبناء العشوائي حول القلعة بدأ بوتيرة عالية ولا نستبعد أن يتم قضم الجبل والقلعة وبناء مول تجاري أو منتجع لأحد التجار"..
ويضيف: "إن مسؤولية حماية القلعة تقع على المواطنين جميعا وتقع بشكل أكبر على الحكومة والمسؤولين.. كفى عبثًا برمزية عدن كفى عبثا بقلعة صيرة"..
*وكذلك الحال*
مسجد أبان يعتبر من أقدم المساجد في محافظة عدن، وينسب تاريخ بنائه إلى أبان بن عثمان بن عفان. وبالرغم من الأضرار التي لحقت به جراء الحرب لم يتم الاهتمام به سوى ترميم البناية الخارجية بمستوى لا يليق بتاريخه الطويل.
وكذلك الحال بالنسبة لمنارة عدن وجبل الساعة والمتحف الوطني وبقية المعالم الأثرية.. فهي في وضع لا يحسد عليه.
*حجم الدمار ودور وزارة الثقافة والسياحة*
محمد عبدالله حسين، مدير السياحة والثقافة، يقول: "إن الحديث عن البنية التحتية للمرافق الثقافة في محافظة عدن بعد الحرب الظالمة التي شنها الحوثي حديث طويل وذو شجون، كون هذه المؤسسات والمرافق الحكومية الثقافية قد تعرضت إلى تدمير شامل وبعضها إلى جزئي، وتعرضت إلى نهب لممتلكاتها بالكامل والتي تقدر بمئات الملايين، وهذا أدى إلى شلل تام في الحركة الثقافية في محافظة عدن".
ويضيف: "بعد الحرب حاولنا قدر الإمكان أعادة بناء المرافق التي دمرتها الحرب، ويقول إنّ بناءها كان أمرا صعبا وليس بالهين كون أي حرب من السهل عليها أن تدمر ولكن من الصعوبة أن تعيد بناء ما دمرته؛ لهذا كان أمام نصب أعيننا إعادة الخطين للعمل الثقافي بناء الإنسان والعقل البشري كون الحروب تولد فكرا تدميريا للعقل الإنساني، لأن الحروب لها طفيليات تظهر بها البلاطجة".
ويضيف: "حاولنا ونحاول ولا نزال نحاول أن نعيد بناء الفكر البشري والعقل الإنساني بالتوجيه وإعادة البسمة إلى عدن، من خلال النشاطات المكثفة في مختلف مجالات الفنون والثقافة والآداب والاهتمام بالشباب بإطلاق إبداعاتهم التي من خلالها نضع حد لتلك الظواهر السلبية التي طفت على سطح عدن بعد الحرب".
ويضيف: "إن وزارة الثقافة قدمت خطة لإعادة إعمار المرافق المهمة بالتعاون مع الهلال الأحمر الإماراتي وبدعم من وزير الثقافة الأستاذ مروان الدماج وبإشراف من السلطة المحلية بقيادة محافظ محافظة عدن أحمد سالمين ومنظمات أخرى ساهمت معنا".
ويضيف بأنه: "تم إعادة خشبة مسرح حافون الذي دمر ونهبت ممتلكاته بالكامل، وها هو الآن يعود للنشاط، ومن ضمن هذه الأنشطة مهرجان الوطني للمسرح الذي استمر مدة عشرة أيام، كما قمنا بإعادة تأهيل المنتدى الثقافي بالمعلا ولا زال الترميم قائمًا".
ويضيف: "كذلك أعدنا الوجه الحقيقي للمرسم الحر وإعادة ترميمه كونه يجمع مجموعة من الشباب يمارسون الفن التشكيلي الراقي". ويضيف بأن "هناك خطة عمل لإعادة تأهيل المجلس التشريعي وإصلاح ما دمرته الحرب، وتم إعادة تأهيل المكتبة الوطنية باذيب وكذا مكتبه مسواط، وكذلك أعدنا مقر إدارة إنتاج الفنون في حافون".
ويضيف بأن الدور الأكبر يعود إلى الهلال الأحمر الإماراتي في إعادة إعمار هذه الثقافات..
*في انتظار من يعيد المجد الغابر للآثار*
وفي السياق نفسه يقول محمد عبدالله الميسري: "نتمنى من الجهات الرسمية أن تهتم بالثقافة والإنسان الذي يضحي من أجل إسعاد الناس سواء من خلال الكلمة الهادفة أو الأغنية أو الموسيقى أو الرقص أو المسرحية أو الرسم واللوحات التعبيرية، فكلها أدوات مهمة تعيد بناء الإنسان، حيث تجعلنا نستطيع أن نضع استراتيجية ثقافيه تواكب أي تطور صناعي أو اقتصادي في أي مكان".
وبالرغم من ما جرى من تأهيل وترميم بسيط لازال القصور يلوح على المعالم الأثرية وتنتظر من يعيد لها المجد الغابر لتعود عدن بحلل زاهية كما كانت..