بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات ونصف من استمرار الحرب في اليمن دون حسم المعركة عسكريا. وبما أن الحرب قد خلفت مآسي كبيرة القت بظلالها على كاهل السكان في اليمن بصورة عامة. فالمنطق يقول لا يمكن أن تستمر الحرب إلا ما لانهاية بهذه الطريقة؟
إن عدم حسم الحرب عسكريا يؤدي بالضرورة إلى اختيار البديل الأخر لأنهائها وهو طريق الحل السياسي، بوصفه انسب الطرق في معالجة كثيرا من المشاكل والأزمات... إذ يتضمن هذا الأسلوب مبدى الحوار بين أطراف النزاع فكثيرٌ من الحروب التي جرت حول العالم، كان طريق الحوار السياسي هو الحل في انهائها.
اذاً من هي الأطراف المتحاربة على الأرض؟ وبين من تجري مثل هذه الحوارات التي تناقش أوضاع الحروب وتبحث سبل الخروج منها؟
دون شك ان أطراف الحرب هي المعنية في الجلوس على طاولة الحوارات ونعني هنا بأطراف الحرب هي جميع الأطراف التي خاضت وتخوض المعارك في الميدان..
فقد تندلع الحرب بين طرفين مثلا، إلا أن استمرار زمن الحروب وتعقيداتها وتشعباتها قد يؤدي إلى تداخل اطراف وقوى أخرى في ميدان المعارك سوأ عن طريق التحالفات وتبدلها أو الدخول في الحرب بصورة مباشرة تبعا لما تمليه الضرورات والتحولات التي تتقاطع فيها المصالح والاجندات لعدد من القوى على الصعيدين الداخلي والخارجي وهذا يؤدي بالضرورة إلى إعادة صيانة طبيعة التحالفات والاعترافات بما هو واقع ومعطا في ميدان المعركة ومألات التحولات ما بعدها.
حيث تؤكد التجارب والاحداث التي جرت في كثير من بقاع العالم مبدى الاعتراف بالقوى الفاعلة على الأرض وتوجهاتها في مراحل ما بعد الحرب، وهذا يقودنا إلى معرفة أهم المبادئ العامة الذي يتعامل بها المجتمع الدولي عند معالجة حل النزاعات المسلحة في أكثر من مكان في العالم وهو مبدى الاعتراف بسياسة أمر الواقع.
ولما كانت الحرب في اليمن تمثل خصوصية منفردة فالمتتبع لسير الحرب واسبابها ومالاتها يجد أن الحرب قد أخذت عدة أبعاد تداخلت فيها الأهداف والمصالح المختلفة لكثيرٌ من القوى المحلية والإقليمية. رغم أن إعلان الحرب في بدايتها كانت طرفين محددين والمتمثلة في السلطة الشرعية من ناحية والانقلابين من ناحية اخرى؛ غير الحالة الموجودة التي تجلت في الواقع اليوم وافرزها مسرح عمليات الحرب.
إن النظرة المتخصصة والمتفحصة للحرب الدائرة في اليمن تلزمنا التعاطي بالواقعية السياسية والابتعاد عن التسطيح، والعودة إلى جذور الأزمة التي تمتد إلى مراحل سابقة وهي في طبيعة الحال ناتجه عن جملة من التراكمات التي اوصلت الأوضاع إلى حالة الحرب ، ولعل أهم تلك المعطيات التي تتمثل في الداخل اليمني تعود إلى إستمرار الحروب السابقة التي حدثت في اليمن كالحروب السته التي خاضتها جماعة الحوثي (الانقلابين) والمدعومة خارجيا مع السلطة (الشرعية) استمرة من 2004- 2009م، فضلا عن حرب 1994م بين الجنوب والشمال، والذي بموجبها تم اجتياح الجنوب من قبل قوات الشمال المدعومة من التنظيمات الإرهابية والجهادية، وكانت هذه الحرب قد اظهرت قضية الجنوب وحراكها السلمي والتي ضلت دون معالجة حتى اليوم.
ولما كانت قضية الجنوب تمثل أهم محور في المشاكل اليمنية ولم تلقي أي تجاوب يذكر على المستوى الداخلي والخارجي، استمرت الاحتجاجات السلمية للحراك الجنوبي خلال الثمان السنوات الماضية وكانت احدى الخلفيات المعنوية لاستقبال هذه الحرب والدخول فيها ممثلة بالمقاومة الجنوبية حيث مثلت الحرب بالنسبة للجنوبيين أهم البدائل المتاحة امامهم لدخول الحرب والانتقام من القوى العسكرية الشمالية التي اجتاحت الجنوب 1994م، إذ يرى الجنوبيون في هذه الحرب بانها الفرصة التي ممكن تخلصهم من نظام مارس عليهم الاستبداد طوال 25عام ، وهنا وجدت المقاومة الجنوبية المسلحة مبررا جديدا لحملها السلاح والخروج علنا لمواجهة تلك القوات .
ومنذ الوهلة الأولى انخرط الجنوبيون في الحرب لقتال المليشيات الانقلابية عندما وصلت إلى المحافظات الجنوبية ولعل أهم حافز دفعهم للمشاركة في هذه الحرب هو تحالف المليشيات الانقلابية مع قوات الرئيس السابق المخلوع علي عبدالله صالح وقواته التي اجتاحه الجنوب وحكمته عسكرياً لأكثر من عشرين عام، خصوصا وان هذه القوات قد توجهت للجنوب وجعله مسرح لحربهم مع الشرعية 2015م. يذكر ان أكثر من 40 لواء عسكري كانت متواجدة في المحافظات الجنوبية خرجت تلتحم مع المليشيات الانقلابية في الحرب لتتخذ من الجنوب مسرحا لها تحت حجة مطاردة الرئيس الشرعي هادي.
كما ان الحوثيون وقبل اشعال الحرب في مارس 2015م ، كانوا قد شنوا هجوما على الجماعة السلفية التي كانت تتواجد في معهد دار الحديث في منطقة دماج في محافظة صعده، يذكر ان اعداد كبيرة جداً من الجماعة ينتمون إلى المناطق الجنوبية السلفية حيث غادروها وتوجهوا إلى ديارهم في المحافظات الجنوبية ومنها مدينة عدن حيث مثلت الحرب فرصة بالنسبة لهؤلاء للثأر من الحوثيين.
شكلت قوات الحراك والسلفيين (المقاومة الجنوبية ) كقوة رئيسية في الحرب وتحالفها مع الشرعية وبدعم التحالف وكانت قد حققت النصر في طرد الانقلابين من الجنوب وهو النصر الوحيد الذي تدعي الشرعية لها مع الاسف.
وعليه فان المجلس الانتقالي الجنوبي بوصفة القيادة السياسية والعسكرية للمقاومة الجنوبية وهو المسيطر على أرض الواقع في المحافظات الجنوبية المحررة بحسب ما تأكده التقارير الدولية وما هو قائم على الارض. وبناء على ذلك نرى من الأهمية بمكان ان يكون المجلس الانتقالي واحدا من الأطراف التي لابد من تواجدها في الحوار القادم اذا ما هدفت هذه الحوارات إلى تحقيق عملية السلام وانها الحرب.
نستطيع القول ان مرحلة العد التنازلي لحسم الأزمة اليمنية باتت على الأبواب،
وان قرار إنهائها قد اُتخذ في أروقة المجتمع الدولي والأقليمي، وحددت آليات الحسم( بالحل السياسي ) التي تسير عليها جهود المبعوث الدولي.
إن الحل السياسي بمفهومه العام يعني وجود أطراف الأزمة فاعلين أساسيين في إنها الحرب وتسوية الأوضاع ما بعد الحرب... ولنا هنا ان نتساءل كيف ممكن ان يتحول مشعلوا الحرائق إلى مطفئين لها (الشرعية والانقلابيين) خصوصا وان كل الشواهد اثبتت بما لا يدع مجالا للشك با الطرفين كانوا قد وضفوا الحرب لخدمة مصالحهم الذاتية للاستحواذ على الموارد والدعم الخارجي والوظائف في مناطق سيطرتهم.
و أنه من غير المنطق ان تبحث الحلول دون الأخذ بالاعتبار لتلك المتغيرات على أرض الواقع والذي أفرزها مسرح عمليات الحرب، وهنا يظهر المتغير الذي اُضيف كعامل أساسي وفاعل في واقع مسرح عمليات الحرب، والمتمثل في القوة الثالثة التي ظهرت كمعادل رئيس في المعركة تقاطعت مصالحها واهدافها مع التحالف العربي واثبتت حقيقة اخلاصها للتحالف وهي قوى جنوبية بحته (المقاومة الجنوبية) وطالما هي جنوبية فإننا نفهم بالضرورة ان موضوع الحرب وأهدافها لم تكن تلك المعلن عنها عند بداية الحرب، المحصورة بالصراع على السلطة، بل هي ابعد من ذلك بكثير إذ أصبحت تهدد أمن المنطقة برمتها وهو الأمر الذي دفع بدخول قوات التحالف العربي .وهذا ما اثبتته السنوات الثلاث الماضية من الحرب .
فالواقع يقول ان الجنوبيون الذي قاتلوا تحت لواء الّعلم الجنوبي وقدموا آلاف الشهداء، والتضحيات الجسام ، لم تقدمها قوى الصراع الأخرى، وكان الجنوبيين هم وحدهم من تمكنوا في تحرير أرضهم من قوات الانقلابيين، فذلك يشير إلى أن الشماليين (شرعية وإنقلابيين) وان اختلفوا في الظاهر الاّ أنهم في حقيقة الأمر يمثلون طرف وأحد وإن كان ذلك غير معلن، فقد اظهروا الاحتفاظ بالشمال ليبقى وحدة وأحده تحت سيطرة الحوثيين المدعوميين خارجيا من قبل ايران ، وذلك يبيّن حقيقة وقوفهم معا ضد عاصفة الحزم إما من خلال المواجهة والتحدي العلني كموقف الإنقلابيين، أو ذلك الموقف الذي ظهر بصورة خذلان قوى الشرعية للتحالف وعدم جديتها في حسم الحرب في المناطق الشمالية، فضلا عن ما اظهره إعلام الإصلاح الموجه ضد احد الدول الفاعلة في التحالف.
ورغم ما قدمه التحالف من دعم مالي وسلاح لقوات الشرعية في المناطق الشمالية يفوق بكثير عن ما قدمه التحالف للمقاومة الجنوبية التي حسمت الحرب في وقت قصير، ناهيك عن ما تعرض جنود التحالف من غدر في المناطق الشمالية التي تسيطر عليها قوات الشرعية هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى وقوفهم معا ضد الجنوب والذي تبرهنه عدد من الممارسات العملية من قبلهم معا.
إن الاخذ بالتسوية السياسية القادمة تستدعي بالضرورة الأخذ بطبيعة التعامل مع الواقع الذي اظهر قضية الجنوب كمعادل رئيس في الصراع الدائر في اليمن وفي التوازن الاقليمي. خصوصا وان الجنوب قد انتظم اليوم سياسيا أكثر من أي وقت مضى وتحت مسمى سياسي ووطني واحد وهو المجلس الانتقالي الجنوبي كحليف رئيس مع قوات التحالف
ولطالما لقي ذلك ترحيبا خارجيا فقد بات من الضروري وجود المجلس في أي حوار قادم يمثل أهمية كبرى لا نها الأزمة في اليمن وإحلال السلام بالمنطقة. لأن العودة إلى طرفي الحرب السابق ذكرها لا تأتي بجديد وهذا أكدته طبيعة حواراتهم السابقة، وما اظهروه طوال 3 سنوات من الحرب التي برهنت استثمارهم لها وظهروا كأمراء حروب، لا همْ لهم سوأ جمع المال والسلاح والسيطرة على الوظيفة العامة وعلى الموارد الواقعة في حدود المناطق المسيطرين عليها بوصفهم بقايا للسلطات السابقة التي أدخلت البلد في اتون الحروب والصراعات المتكررة.